واشنطن ستطلب الإعدام للشيشاني المتهم بتنفيذ هجمات بوسطن

الادعاء يورد 17 تهمة من أصل 30 في تبريره لإنزال العقوبة القصوى ضد تسارناييف

جوهر تسارناييف (إ.ب.أ)
جوهر تسارناييف (إ.ب.أ)
TT

واشنطن ستطلب الإعدام للشيشاني المتهم بتنفيذ هجمات بوسطن

جوهر تسارناييف (إ.ب.أ)
جوهر تسارناييف (إ.ب.أ)

أعلنت الحكومة الأميركية أنها ستطلب عقوبة الإعدام لجوهر تسارناييف المتهم بأنه نفذ مع شقيقه تفجيري ماراثون بوسطن اللذين خلفا ثلاثة قتلى في 2013، في خطوة رمزية نادرا ما تؤدي إلى تنفيذ العقوبة على المستوى الفيدرالي.
وقال وزير العدل إريك هولدر في بيان صدر مساء أول من أمس إنه «بعد درس الوقائع والقوانين المعمول بها والعناصر التي قدمها محامي المتهم، قررت أن تطلب الولايات المتحدة عقوبة الإعدام في هذه القضية». وكان هذا القرار لإدارة الرئيس باراك أوباما منتظرا جدا من قبل الأميركيين الذين ذكرهم الاعتداء بهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
وأدى تفجير قنبلتين يدويتي الصنع على خط وصول المتسابقين في ماراثون بوسطن الذي يشارك فيه آلاف الأشخاص، إلى سقوط ثلاثة قتلى و264 جريحا، بينهم كثيرون بترت أطرافهم، وأثار حالة هلع بين الحضور. وبعد ثلاثة أيام، قتل شرطي يدعى شون كوليير خلال مطاردة الشقيقين تسارناييف في حرم جامعي. وخلال المطاردة قتل تيمورلنك تسارناييف الأخ الأكبر لجوهر تسارناييف برصاص الشرطة.
وبرر وزير العدل الأميركي طلب حكم الإعدام لجوهر تسارناييف بـ«طبيعة السلوك الجرمي والضرر الذي نتج عنه». وجوهر تسارناييف (19 عاما) متهم خصوصا باستخدام أسلحة دمار شامل ما أدى إلى سقوط قتلى، وارتكاب اعتداء في مكان عام واستخدام سلاح ناري. واتهم أيضا بقتل الشرطي شون كوليير.
وأشار الادعاء إلى 17 من أصل ثلاثين تهمة، تستوجب إنزال عقوبة الإعدام ضد تسارناييف، مثل «خيانة الولايات المتحدة» من قبل هذا الشيشاني الذي حصل على الجنسية الأميركية في 2012، و«اختيار موقع» الماراثون خلال «حدث رمزي» من أجل ارتكاب عمل إرهابي، و«غياب الشعور بالندم». ولفت المدعون أيضا إلى التآمر واستخدام سلاح دمار شامل تسبب بالموت فضلا عن الاعتداء على مكان عام تسبب بالموت.
وقالت كارمن أورتيز المدعية الفيدرالية في ماساشوستس (شمال شرق) حيث وقع الاعتداء «نحن نؤيد هذا القرار والفريق القضائي يستعد للانتقال» إلى مرحلة المحاكمة. ويفترض أن تبدأ محاكمة تسارناييف الخريف المقبل وتستمر خمسة أشهر في ولاية ألغت عقوبة الإعدام في 1982. لكن في هذه الحالة يخضع المتهم للقضاء الفيدرالي.
وقال مدير مركز المعلومات حول عقوبة الإعدام ريتشارد ديتر إن قرار الحكومة «قد لا يؤدي إلى فرض عقوبة الإعدام (على تسارناييف). إنه مجرد خيار مطروح لإعطاء هذه القضية اهتماما أكبر على المستوى الوطني».
وتبدو الإحصاءات واضحة، فمن أصل 500 عقوبة إعدام مطلوبة على المستوى الوطني، صدر سبعون حكما نفذ ثلاثة منها منذ إعادة العمل بهذه العقوبة على المستوى الوطني في 1988، حسب أرقام المركز. وفي حال تنفيذ حكم الإعدام فيه، سيكون تسارناييف أول مدان بعمل إرهابي يجري إعدامه منذ تنفيذ الحكم في تيموثي ماكفي منفذ اعتداء أوكلاهوما سيتي في يونيو (حزيران) 2001.
والرجلان الآخران اللذان اعدما بموجب الأحكام الفيدرالية هما راول غارسا ولويس جونز في ولاية إنديانا (شمال) لارتكابهما جرائم قتل. وهناك 59 محكوما آخرون ينتظرون تنفيذ الحكم فيهم.
وأوكل تسارناييف محامية معروفة هي جودي كلارك الخبيرة في عقوبة الإعدام وتمكنت من إبعاد عقوبة الإعدام عن عدد من كبار المدانين مثل الفرنسي زكريا موسوي المتهم بالتواطؤ في اعتداءات 11 سبتمبر أو تيد كاتشينسكي الملقب بـ«يونابومبر» أو منفذ الاعتداء خلال الألعاب الأولمبية في أتلانتا إيريك رودولف. وقال أستاذ الحقوق في جامعة هارفرد آلان ديرشوفيتس إن دفاع تسارناييف «سيبذل جهودا شاقة ليفلت من عقوبة الإعدام». وأضاف أن موكلهم «يريد أن يعيش ولا يريد أن يجري إعدامه. لن يقولوا إنه يريد الموت شهيدا والالتحاق بأخيه».



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.