باريس تضغط لتشكيل الحكومة... ومفتاحها بيد عون

TT

باريس تضغط لتشكيل الحكومة... ومفتاحها بيد عون

قال مصدر سياسي لبناني واسع الاطلاع إنه من غير الجائز الرهان على استئناف المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران حول الملف النووي التي تستضيفها غداً فيينا، والتعامل منذ الآن مع نتائجها على أنها ستدفع باتجاه إخراج تشكيل الحكومة اللبنانية من التأزُّم الذي لا يزال يحاصرها، وعزا السبب إلى أنها ستجري تحت سقف استمرار تبادل الرسائل الساخنة بين واشنطن وطهران التي تسعى لتحسين شروطها في المفاوضات، وبالتالي فإن تظهير نتائجها يحتاج إلى التريُّث، ولن ترى النور بكبسة زر.
وأكد المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» أن مجرد الربط بين ملف تشكيل الحكومة والمفاوضات النووية غير المباشرة بين واشنطن وطهران، برعاية الدول الخمس زائداً واحداً، يقود حتماً إلى تمديد أزمة التأليف، وهذا ما تتوخّاه إيران، بخلاف إصرار باريس على تعطيل العراقيل التي تؤخر ولادتها، وهي تلتقي حتماً مع إلحاح معظم الأطراف الرئيسية المعنية بتأليفها لوقف التدهور الذي يهدد لبنان بالزوال ما لم تتم السيطرة عليه، بتشكيل حكومة مهمة تلتزم بالمواصفات التي حددها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مبادرته لإنقاذه.
ولفت المصدر نفسه إلى أن رهان بعضهم على أن يأتي الترياق من المفاوضات التي ترعاها فيينا، بصفته شرطاً للإسراع بتشكيل الحكومة، ليس في محله، وقال إن مجرد التسليم به يعيدنا بالذاكرة إلى رهان بعضهم في لبنان على أن انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة سيفتح الباب على مصراعيه أمام تذليل العقبات التي تؤخر تأليفها، لكن سرعان ما اكتشف هؤلاء أن الأزمة اللبنانية ليست مُدرجة بصفتها أولوية على جدول أعمال الإدارة الأميركية الجديدة التي لا تعارض التدخُّل الفرنسي لإنقاذ لبنان، بخلاف سلفه الرئيس دونالد ترمب.
ورأى أن المفاوضات النووية لا تزال في بدايتها، ولا يمكن التأسيس عليها لاستيراد فائض من القوة يتيح للبنانيين التغلُّب على العقبات التي تؤخر تشكيل الحكومة، وبالتالي يؤدي إلى إسقاط الذرائع التي يتلطّى خلفها من لديه مصلحة في ربط تأليفها بانطلاق هذه المفاوضات، تماماً كما حصل في السابق عندما كُلّف الرئيس تمام سلام بتشكيل الحكومة.
وقال إن الظروف التي كانت قائمة في أثناء تولّي سلام رئاسة الحكومة غير الظروف التي تحيط بتكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل «حكومة مهمة». وأكد أن تشكيل حكومة سلام تأخر لأكثر من عشرة أشهر وعشرة أيام إلى أن جاء الانفراج من توصُّل الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما إلى اتفاق في الملف النووي مع القيادة الإيرانية آنذاك، كان من ثماره إسقاط الذرائع التي أخّرت تأليفها، فيما المفاوضات الحالية ستراوح بين هبّة ساخنة وأخرى باردة لا تسمح للبنان بالانتظار لأنه لم يعد يمتلك حداً أدنى من المقوّمات للصمود في وجه الأزمات التي يتخبّط بها، والتي ستأخذه إلى الفوضى، ما لم يلتقط الفرصة التي يتيحها له ماكرون لإنقاذه.
لذلك، فإن الانفراج الذي يدعو للتفاؤل -بحسب المصدر السياسي- يقع على عاتق اللبنانيين أولاً وأخيراً، شرط الإفادة من المبادرة الفرنسية وترجمتها إلى خطوات ملموسة، بتشكيل حكومة مهمة تستعيد ثقة اللبنانيين بها، وتحاكي المجتمع الدولي طلباً لمساعدته للعبور بالبلد على مراحل إلى بر الأمان.
فالمبادرة الفرنسية باتت تحشر جميع الأطراف وتحاصرهم في الزاوية، ولم يعد في مقدورهم الرهان على كسب الوقت لتحسين شروطهم في التسوية السياسية، وهذا ما تبلغوه من باريس التي لم تنقطع عن التواصل معهم، والتي ترى أن مفتاح الانفراج بيد رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يُفترض أن يحسم أمره، بعدوله عن مطالبته بالثلث الضامن في الحكومة.
ومع أن عون لم يطالب في العلن بالثلث الضامن، فإنه في المقابل يصر عليه حسابياً من خلال الجداول التي أرسلها للحريري، والتي يحجز لنفسه عبرها -بذريعة إعادة توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف والقوى السياسية- هذا الثلث على المكشوف من دون أي مواربة.
وعلى الرغم من أن عون كان أبلغ باريس عدم تمسّكه بالثلث الضامن، فإن الأطراف المعنية، وتحديداً الحريري، إضافة إلى رئيس المجلس النيابي، لم يتبلغا مباشرة بموقفه المستجد حيال تشكيل الحكومة، وإن مجرد إعلامهما بالمراسلة بتخليه عنه لا يكفي، خصوصاً أن لدى هذه الأطراف مخاوف من التفافه على موقفه لتكريس حصوله على هذا الثلث من خلال إعادة توزيع الحقائب واختيار الوزراء.
وفي هذا السياق، فإن الفريق السياسي المحسوب على عون، ويتصل مباشرة برئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، يضغط لمنع خصومه من الحصول على نصف أعضاء الحكومة زائداً واحداً، أو أن يكون لهم اليد الطولى في تسمية الوزيرين المسيحيين، في حال تقرر توسيع الحكومة من 18 وزيراً إلى 24 وزيراً.
وبكلام آخر، فإن هذا الفريق، وإن كان يحتسب تحديد حصة عون بـ7 وزراء مسيحيين، ووزير درزي يسمّيه النائب طلال أرسلان، فإن تيار «المردة» سيتمثّل بوزيرين ووزير ثالث محسوب على الحزب «السوري القومي الاجتماعي»، وبالتالي لمن يعود تسمية الوزيرين المسيحيين من أصل 12 وزيراً؟
ناهيك من أن عون لن يوافق على أن يكون لخصومه نصف أعضاء الحكومة زائداً واحداً، مع أن حساباته السياسية ليست في محلها، لأنه يُدرج تسمية وزراء حركة «أمل» و«المردة» و«السوري القومي الاجتماعي» على خانة التحالف مع الحريري، وكأن هؤلاء جميعاً يأخذون قراراتهم من دون التنسيق مع «حزب الله».
وعليه، فإن باسيل الذي يدير ملف تشكيل الحكومة من خارج المشاورات التي يُفترض أن تُستأنف بين عون والحريري، ويعود له القرار النهائي، يحاول أن تأتي التشكيلة الوزارية على قياسه، على الرغم من أنه تبلغ مباشرة بأن باريس تحمّله مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة، بالتزامن مع تحرّك «حزب الله» باتجاهه لإقناعه بتسهيل تشكيل الحكومة من دون أن يضغط عليه، بعد أن أبلغ حليفه بري بأنه ضد إعطاء الثلث الضامن لأي طرف.
ومع عودة الحريري، فإن الوسطاء -وما أكثرهم- بين بعبدا وبيت الوسط يسعون إلى إعادة الروح إلى مشاورات التأليف التي يُفترض -إذا ما أُتيح لها الخروج من المراوحة- أن تتلازم مع استعداد بري لإعادة تشغيل محرّكاته، لعله يتمكّن من تذليل العقبات، وإن كان بعضهم يتفاءل خيراً باستئناف المفاوضات النووية، شرط ألا توفر ذريعة لمن يصر على إدراج لبنان على لائحة الانتظار.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.