ضغوط لتسهيل مغادرة الفلسطينيين للبنان وتحذيرات من إسقاط «حق العودة»

أطفال فلسطينيون في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان (غيتي)
أطفال فلسطينيون في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان (غيتي)
TT

ضغوط لتسهيل مغادرة الفلسطينيين للبنان وتحذيرات من إسقاط «حق العودة»

أطفال فلسطينيون في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان (غيتي)
أطفال فلسطينيون في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان (غيتي)

أثار تحرك قامت به مجموعات فلسطينية في لبنان، تحت عنوان «الحصول على تعويضات دولية»، مخاوف جهات فلسطينية، وأخرى لبنانية مناصرة للفلسطينيين، من إمكان «إسقاط حق العودة».
وكانت التحذيرات التي أطلقها «الحزب التقدمي الاشتراكي» هذا الأسبوع، عبر بيان تحدث فيه عن قيام بعض مكاتب المحاماة بتحريض اللاجئين الفلسطينيين على التخلي عن حق العودة، وتسليم ما يملكون من وثائق لحقوقهم وملكياتهم، قد أدت إلى تصاعد الحملة اللبنانية - الفلسطينية الضاغطة باتجاه ملاحقة القوى والجهات التي تقف وراء التحركات التي يشهدها عدد من المخيمات الفلسطينية في لبنان، تحت عنوان العمل على «رفع دعاوى أمام المحاكم والمحافل الدولية لفتح باب اللجوء والتعويض على اللاجئين الفلسطينيين».
وبحسب معلومات «الشرق الأوسط»، قام مئات من اللاجئين الفلسطينيين بتفويض مكتب محاماة لبناني، من خلال «تفويض غير قابل للرجوع»، من أجل «القيام بكل الإجراءات القانونية لدى أي قضاء دولي للاستحصال على تعويضات عن الضرر الحاصل والأملاك المحتلة، وبكل الإجراءات الدبلوماسية الدولية، لتأمين اللجوء الإنساني في أي مكان». وهو ما عدته الفصائل الفلسطينية، عبر بيان لهيئة العمل الفلسطيني المشترك في لبنان، يندرج ضمن إطار «مشروع يستهدف الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وأبرزها حق العودة»، داعية إلى مقاضاة من يقف خلفه.
وتروج «الهيئة الشبابية الفلسطينية للجوء الإنساني»، عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لهذا المشروع، وتدعو اللاجئين الفلسطينيين إلى التوقيع على التفويض، معلنة البدء في المسار القانوني عبر تفويض أحد المحامين من أجل «رفع دعاوى أمام المحاكم والمحافل الدولية لفتح باب اللجوء والتعويض لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء الشتات الفلسطيني».
ويستغرب عضو هذه الهيئة مصطفى بللي الضجة المرافقة لهذا المسار، والاتهامات التي تساق إليهم بصفتهم ناشطين وتخوينهم، مشدداً على أن ما يحصل هو «سلوك مسار قانوني للحصول على التعويضات اللازمة من بريطانيا المسؤولة الأولى عن نكبتنا، على أن يتزامن ذلك مع تأمين بلد ثالث نلجأ إليه، نظراً للظروف الصعبة جداً التي نرزح تحتها في لبنان، سواء لعدم إعطائنا حقوقنا المدنية أو للأحوال الاقتصادية والمعيشية غير المسبوقة».
ويقول بللي لـ«الشرق الأوسط»: «هناك نحو 100 ألف لاجئ متحمسون لهذا المسار، ونحن بصفتنا أعضاء في الهيئة التقينا كثيراً من المسؤولين اللبنانيين، ومن بينهم رئيس (التيار الوطني الحر) جبران باسيل، ورئيس حزب (القوات اللبنانية) سمير جعجع، كما مسؤولين في عدد من السفارات، لمساعدتنا وتسهيل أمورنا لمغادرة لبنان، وقد وعدونا خيراً. ففي نهاية المطاف، من حقنا، كما من حق كثير من اللبنانيين، أن يطمحوا إلى مغادرة الأراضي اللبنانية في ظل الواقع الراهن، وذلك لا يعني على الإطلاق التخلي عن حق العودة، وإن كانت اتفاقية (أوسلو) واضحة لجهة أن العودة، في حال تمت، قد تكون متاحة للذين غادروا بعد عام 1967، وليس لمن غادروا عام 1948».
ويشير بللي إلى «تعرض أعضاء الهيئة الساكنين في المخيمات لكثير من المضايقات من قبل الفصائل الفلسطينية، إضافة إلى أننا خضعنا لتحقيقات أمام أكثر من جهاز أمني لبناني لتبيان حقيقة ما نقوم به... وكانوا كل مرة يتركوننا لحالنا بعدما يتبين لهم أننا لا نقوم بأي شيء يخالف القوانين لأن كل ما نريده ونسعى إليه هو العيش الكريم في بلد جديد».
وفي حين تؤكد مصادر قيادية في حركة «فتح» لـ«الشرق الأوسط» أنه «تتم متابعة الموضوع بكل تفاصيله مع الجهات اللبنانية نظراً لخطورة ما يجري من تحركات على القضية الفلسطينية وحق العودة»، يكشف مصدر فلسطيني عن مساعٍ لـ«منع نشاطات من يحثون اللاجئين على تسليم أوراقهم الرسمية، والتوقيع على تفويض لمكتب محاماة، وننسق ذلك مع الجهات اللبنانية المعنية».
ومن جهته، يشير عضو مجلس قيادة «الحزب التقدمي الاشتراكي» مسؤول الملف الفلسطيني في الحزب بهاء أبو كروم إلى أن «الساحة اللبنانية تشهد منذ فترة محاولة من قبل بعضهم لاستغلال الواقع المعيشي والاقتصادي الصعب لتهجير اللاجئين الفلسطينيين، وإراحة لبنان من هذا الملف. وقد أطلقت الفصائل الفلسطينية تحذيرات مما يحاك في هذا المجال، وتلقفنا ما يحصل بتحذيرات أطلقناها في الحزب، خاصة أن لبنان ملزم قانوناً باحتضان اللاجئين الفلسطينيين».
ويضيف أبو كروم في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نتفهم أن هناك كثيراً من اللاجئين، كما من اللبنانيين، يريدون الهجرة ويسعون إليها، لكن ذلك يجب أن يبقى في إطار فردي، لا أن يتم العمل على هجرة جماعية من خلال تفويض مكتب محاماة بذلك، بعد التنازل والتخلي عن حق العودة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم