معروف الرصافي... من «رهبانية التصوف» إلى «تاريخية النص»

76 عاماً على رحيل الشاعر المتمرد

معروف الرصافي
معروف الرصافي
TT

معروف الرصافي... من «رهبانية التصوف» إلى «تاريخية النص»

معروف الرصافي
معروف الرصافي

منذ كنا طلاباً على مقاعد الدراسة، قبل أكثر من نصف قرن، تعرفنا على الشاعر العراقي معروف الرصافي، كما تعرفنا على شعراء عرب آخرين، كانت مقطوعاتهم الشعرية تزين مواد القراءة والنصوص في المناهج المدرسية، وترسم ذائقة لغوية وأدبية لأجيال قادمة.
تعرفنا من حينها على الرصافي الذي مرت قبل أيام ذكرى رحيله قبل 76 عاماً، باعتباره أحد أكبر الرموز الشعرية العربية في العصر الحديث، الذي تفرد عن غيره من الشعراء بتناول موضوعات في شعره غطت الكوني، والاجتماعي، والفلسفي، والسياسي، والتاريخي، والعاطفي. ولم يكتف بذلك، بل كتب حتى عن المخترعات الحديثة التي ربما لم تكن قد وصلت إلى بعض الدول العربية، كما تناول في قصائد عديدة أحداثاً يومية عايشها بنفسه، وأمكنة مر بها ورسم عنها لوحات شعرية ذهبت على الألسنة وتلقفها المتلقون على اختلاف مشاربهم وأعمارهم. وكان أيضاً شاعراً طليعياً، هاجمت قصائده الجمود والتخلف، داعية التنوير ومعايشة التطور. لقد تجاوز الرصافي في شعره ونثره أعمالاً وآراء موروثة بالية، طارحاً تساؤلات صادقة حول ما يُعتقَد أنه من المسلمات، وأزاح الغموض الذي شاب الكثير منها، مبرزاً في مواضع متعددة الخرافات والفجوات التي عشعشت سنيناً في بعض كتب التراث والتاريخ. وطالب شعراً ونثراً بغربلة الذات والخروج من أسر وهاجس تاريخية وقداسة النصوص فهو القائل:
أبت كُتب التاريخ للحقِ مُلتقى ** فَبينهما من زُخرف القول مَوبِق
فإن شرَقت في الحق فهو مغرب ** وإن غربت في الحق فهو مشرِق
تجور بها الأهواء جوراً وإنما ** على مُزْلقات المَين تمشي فتزْلقُ
وقال أيضاً:
فما كتب التاريخ في كل ما روَت ** لقرائها إلا حديثٌ ملفَقُ
نظرنا لأمر الحاضرين فرابَنا **فكيف بأمر الغابرين نصدِق؟!
وما صدَقتنا في الحقائق أعينٌ **فكيف إذن فيهن يصدق مُهرق؟!
وهل قد خُصِصنا دون من مات قبلنا ** بخُبث السجايا؟ شدَ ما نَتَحمَق!
لم يذهب بعيداً الأديب والناقد والروائي والشاعر الكبير إيليا حاوي الذي ترك أعمالاً لافتة عن أعلام الشعر العربي القديم والمعاصر، ودرس وعالج فيها نماذج من هؤلاء الأعلام وشرح عشرات الدواوين لشعراء قدامى ومعاصرين، عندما وصف الرصافي بأنه «يمثل تمرد الشعر على الواقع والحاجة. وفيه من تصوف الكرامة الإنسانية التي لا تتنازل تحت وطأة القسر والإكراه»، مشدداً بالقول: «الشاعر عف بشعره عن قصائد المدح، كما حشدت في دواوين شعراء آخرين».
أعادت هذه العبارات لناقد كبير صورة الشاعر الذي «يكاد يحسب جباراً في جسمه الضارب لون أديمه إلى السمرة، فهو واسع الصدر بطيء النفس، عريض المنكبين، ممتلئ الجسم مفتول العضل، متين البنية»، كما وصفه، وهو في السابعة والخمسين من العمر، الراحل عبد المسيح وزير، المترجم الأول في وزارة الدفاع العراقية، وواضع قاموس المصطلحات العسكرية التي عرب جميع أسمائها وأدواتها، وكذلك أجزاء السيارات وآلاتها، كما عرب أسماء الرتب العسكرية، وكان كاتباً أديباً واسع الثقافة، وله مؤلفات وكتابات صحافية هزلية.
في بغداد عاصمة الشعراء، ولد الشاعر معروف بن عبد الغني بن محمود الجباري الحسيني عام 1875م، من أب كردي النسب وأم تركمانية، وأطلق شيخه محمود شكري الألوسي الذي اتصل به الشاعر ولازمه لسنوات عليه لقب «الرصافي»، حتى يكون به صنواً للشيخ معروف الكرخي المتصوف الإسلامي الكبير، كما لمح إلى ذلك الأستاذ والناقد قاسم الخطاط في دراسته الشاملة التي تناولت حياة الشاعر الرصافي، ورسم صورة صادقة لحياة الرصافي كما عاشها بأمانة وحياد، وشدد خلالها على أن الشاعر: «كان رجلاً صادقاً لا يحب النفاق، وكان يحب الحقيقة ويعبدها»، كاشفاً عن حياة ضاجة صاخبة للشاعر، وفي عصر تتوالى فيه الأحداث في العالم العربي. فقد «عاش الرصافي حياة عريضة عجيبة، حفلت بكل عجيب»، كما قال عنه: «انطلق من الظلمات بغتة مثل الشهاب، وراح يوغل في الصعود متألقاً يشد إليه الأنظار المتطلعة المبهورة، ولم يلبث إلا قليلاً، حتى راح يهبط نكساً ليعود إلى منطلقه، فيتوارى في أزقة بغداد تاره، وفي منفاه الاختياري بمدينة الفلوجة تارة أخرى، ثم في دكان صغير بالأعظمية يبيع فيه السجائر ليعيش! وحتى تعطيه شركة السجائر كمية أكبر ليحصل على ربح أكثر يحييها ببيتين من الشعر يدعو الناس فيهما إلى تدخين سجائرهم من ماركة (غازي) فيقول:
دخن سيجارة (غازي) ** في وقفة واجتيازي
وجاز نصحي بخير ** إن كنت ممن يجازي!»
وضع كثير من النقاد ومتذوقي الشعر الرصافي في منزلة أمير الشعراء التي كانت قصراً على الشاعر المصري الكبير أحمد شوقي؛ ذلك أن الرصافي في شعره ونثره فجر أعمالاً تجاوز فيها السائد والمألوف وأزال الغموض، وطالب بغربلة الذات فيها والخروج من أسر وهاجس تاريخية النص، كما نسف فكرة تقديس الأشخاص وتصنيمهم، واضعاً كل الأمور تحت مجهر العقل.
غادر معروف الرصافي الحياة مخلفاً سفراً خالداً من الأشعار والمؤلفات؛ الكثير منها كان صادماً، وبعضها لم يطبع إلا بعد رحيله بنصف قرن بناء على وصيته.



«جوي أووردز» تحتفي بالفائزين بجوائزها في الرياض

الأميركي ماثيو ماكونهي يحمل «جائزة شخصية العام» خلال حفل «جوي أووردز» (موسم الرياض)
الأميركي ماثيو ماكونهي يحمل «جائزة شخصية العام» خلال حفل «جوي أووردز» (موسم الرياض)
TT

«جوي أووردز» تحتفي بالفائزين بجوائزها في الرياض

الأميركي ماثيو ماكونهي يحمل «جائزة شخصية العام» خلال حفل «جوي أووردز» (موسم الرياض)
الأميركي ماثيو ماكونهي يحمل «جائزة شخصية العام» خلال حفل «جوي أووردز» (موسم الرياض)

بحضورٍ لافت من الشخصيات البارزة والمرموقة في عالم الفن والموسيقى والرياضة وصناعة الترفيه، أقيم مساء السبت، حفل تتويج الفائزين بالنسخة الخامسة لجوائز «جوي أووردز» (Joy Awards) لعام 2025 في العاصمة السعودية الرياض.

وبعد مشاركة واسعة وإقبال غير مسبوق من الجمهور في مرحلة التصويت، توافد نجوم عرب وعالميون إلى مقر الحفل الذي احتضنته منطقة «anb Arena»، ضمن فعاليات «موسم الرياض»، حيث انضموا بعد المرور على السجادة الخزامية إلى ‏ليلة استثنائية، في أكبر وأهم حفل للجوائز الفنية العربية بالمعايير العالمية.

ومنذ الساعات الأولى من الحدث، وصل نخبة من فناني ونجوم العالم، تقدّمهم الممثل والمنتج العالمي أنتوني هوبكنز، وصانع الأفلام الأميركي مايك فلاناغان، والممثل التركي باريش أردوتش، وأسطورة كرة القدم الفرنسي تييري هنري، وغيرهم.

توافد نجوم الفن إلى مقر حفل «جوي أووردز» في الرياض (هيئة الترفيه)

وواكب وصول النجوم عزف حي وعروض فنية في الرواق، بينما امتلأت باحة الاستقبال بالجماهير التي حيّتهم، وأبدى الضيوف سرورهم بالمشاركة في الحدث الاستثنائي الذي يحتفي بالفن والفنانين.

وأكد فنانون عرب وعالميون، لحظة وصولهم، أن الرياض أصبحت وجهة مهمة للفن، ويجتمع فيها عدد كبير من النجوم، لتكريم الرواد والمميزين في أداءاتهم وإنتاجهم، وتشجيع المواهب الواعدة التي ينتظرها مستقبل واعد في السعودية.

وانطلقت الأمسية الاستثنائية بعرضٍ مميز لعمالقة الفن مع المغنية والممثلة الأميركية كريستينا أغيليرا، وقدَّم تامر حسني ونيللي كريم عرضاً غنائياً مسرحياً، تبعه آخرَان، الأول للموسيقي العالمي هانز زيمر، وجمع الثاني وائل كفوري مع الكندي مايكل بوبليه، ثم عرض للأميركي جوناثان موفيت العازف السابق في فرقة مايكل جاكسون، قبل أن تُختَتم بـ«ميدلي» للمطرب التركي تاركان.

المغنية كريستينا أغيليرا خلال عرضها في حفل «جوي أووردز» (هيئة الترفيه)

وشهد الحفل تكريم الراحل الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن الذي ترك بصمته الكبيرة في عالم الفن بـ«جائزة صُنَّاع الترفيه الماسيَّة»، تسلّمها نجله الأمير خالد، قبل أن يُقدِّم المغني الأوبرالي الإيطالي الشهير أندريا بوتشيلي مقطوعة موسيقية كلاسيكية إهداء للراحل، و«ديو» جمعه مع فنان العرب محمد عبده.

وتُوِّج رائد السينما السعودية المُخرِج عبد الله المحيسن، والفنان عبد الله الرويشد، والموسيقار بوتشيلي، والممثل مورغان فريمان، والموسيقي هانز زيمر، والمخرج الكوري جي كي يون، والفنان ياسر العظمة، والمُخرِج محمد عبد العزيز بـ«جائزة الإنجاز مدى الحياة»، والممثل الأميركي ماثيو ماكونهي بـ«جائزة شخصية العام»، والمخرج العالمي جاي ريتشي، والممثل الهندي هريثيك روشان، والمصمم اللبناني زهير مراد بـ«الجائزة الفخرية».

الفنان ياسر العظمة يلقي كلمة بعد تكريمه بـ«جائزة الإنجاز مدى الحياة» (هيئة الترفيه)

كما تُوِّج بـ«جائزة صُنّاع الترفيه الفخرية» الممثلة مريم الصالح، والممثلين إبراهيم الصلال، وسعد خضر، وعبد الرحمن الخطيب، وعبد الرحمن العقل، وعلي إبراهيم، وغانم السليطي، ومحمد الطويان. وقدّمها لهم سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي.

وفاز في فئة «المسلسلات»، سامر إسماعيل بجائزة «الممثل المفضَّل» عن دوره في «العميل»، وهدى حسين بـ«الممثلة المفضّلة» عن «زوجة واحدة لا تكفي»، والعنود عبد الحكيم بـ«الوجه الجديد المفضّل» عن «بيت العنكبوت»، و«شباب البومب 12» بـ«المسلسل الخليجي المفضَّل»، و«نعمة الأفوكاتو» بـ«المسلسل المصري المفضَّل»، و«مدرسة الروابي للبنات 2» بـ«المسلسل المشرقي المفضَّل».

أما في فئة «الإخراج»، ففازت رشا شربتجي بجائزة «مخرج المسلسلات المفضَّل» عن عملها «ولاد بديعة»، وطارق العريان بـ«مخرج الأفلام المفضَّل» عن «ولاد رزق 3: القاضية».

حفل استثنائي لتتويج الفائزين بجوائز «جوي أووردز» في الرياض (هيئة الترفيه)

وضمن فئة «السينما»، فاز هشام ماجد بجائزة «الممثل المفضَّل» عن دوره في «إكس مراتي»، وهنا الزاهد بـ«الممثلة المفضَّلة» عن «فاصل من اللحظات اللذيذة»، و«ولاد رزق 3: القاضية» بـ«الفيلم المفضَّل».

وفاز في فئة «الرياضة»، اللاعب سالم الدوسري كابتن فريق الهلال السعودي بجائزة «الرياضي المفضَّل»، ولاعبة الفنون القتالية السعودية هتان السيف بـ«الرياضيِّة المفضَّلة».

أما فئة «المؤثرين»، ففاز أحمد القحطاني «شونق بونق» بجائزة «المؤثر المفضَّل»، ونارين عمارة «نارين بيوتي» بـ«المؤثرة المفضَّلة».

وضمن فئة «الموسيقى»، تقاسَمت «هو أنت مين» لأنغام، و«هيجيلي موجوع» لتامر عاشور جائزة «الأغنية الأكثر رواجاً»، وذهبت «الأغنية المفضَّلة» إلى «الجو» لماجد المهندس، وفاز عايض بـ«الفنان المفضَّل»، وأصالة نصري بـ«الفنانة المفضَّلة»، وراكان آل ساعد بـ«الوجه الجديد المفضَّل».

الرياض وجهة مهمة للفن والرياضة تجمع كبار نجوم العالم (هيئة الترفيه)

وكتب المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه، في منشور على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي: «بدعم مولاي الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو سيدي ولي العهد عراب الرؤية وقائدنا الملهم (الأمير محمد بن سلمان) اليوم نشهد النجاح الكبير لحفل توزيع جوائز جوي أووردز 2025».

وتعدّ «جوي أووردز»، التي تمنحها هيئة الترفيه السعودية، واحدةً من أرقى الجوائز العربية، وتُمثِّل اعترافاً جماهيرياً بالتميُّز في الإنجازات الفنية والرياضية ومجالات التأثير. ويُقدِّم حفلها أحد المشاهير الذي يمثل قيمة جماهيرية لدى متابعيه من جميع أنحاء العالم.

وشهدت جوائز صُنّاع الترفيه في نسختها الخامسة، منافسة قوية في مختلف فئاتها التي تشمل «السينما، والمسلسلات، والموسيقى، والرياضة، والمؤثرين، والإخراج»، مع التركيز على أهم الأعمال والشخصيات المتألقة خلال العام.

وتُمنح لمستحقيها بناء على رأي الجمهور، الأمر الذي صنع منها أهمية كبيرة لدى مختلف الفئات المجتمعية التي يمكنها التصويت لفنانها أو لاعبها المفضل دون أي معايير أخرى من جهات تحكيمية.