واشنطن تؤكد لأنقرة رفضها اقتناء منظومة «إس ـ 400»

في اتصال بين وزيري دفاع البلدين

وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أبلغ نظيره التركي ضرورة تخلي بلاده عن المنظومة الروسية (أ.ب)
وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أبلغ نظيره التركي ضرورة تخلي بلاده عن المنظومة الروسية (أ.ب)
TT

واشنطن تؤكد لأنقرة رفضها اقتناء منظومة «إس ـ 400»

وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أبلغ نظيره التركي ضرورة تخلي بلاده عن المنظومة الروسية (أ.ب)
وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أبلغ نظيره التركي ضرورة تخلي بلاده عن المنظومة الروسية (أ.ب)

جددت الولايات المتحدة موقفها الرافض لاقتناء تركيا منظومة الدفاع الجوي الصاروخية الروسية «إس – 400» التي تعتبرها خطراً على المنظومة الدفاعية لحلف شمال الأطلسي (ناتو) وعلى مقاتلاتها «إف – 35». وأبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن نظيره التركي خلوصي أكار، مجددا، ضرورة تخلي بلاده عن هذه المنظومة، التي تسببت في فرض عقوبات أميركية على مسؤولين في الصناعات الدفاعية التركية وحرمان تركيا من اقتناء مقاتلات «إف – 35» وإخراجها من المشروع المشترك للناتو لإنتاجها وتطويرها. وأجرى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أول مباحثات بشأن العلاقات العسكرية بين بلاده والولايات المتحدة مع نظيره الأميركي الجديد، في اتصال هاتفي جرى ليل الخميس - الجمعة، وقالت وزارة الدفاع التركية، في بيان، إنه تناول ملفات أمنية إقليمية إلى جانب التعاون الثنائي في المجال الدفاعي.
وأضاف البيان أن أكار وأوستن أكدا أهمية العلاقات الاستراتيجية، وتطوير وجهة نظر مشتركة لبلديهما حيال الأمن الإقليمي والعالمي، مع التأكيد على ضرورة حل المشاكل بما يتوافق مع روح الشراكة الاستراتيجية والتحالف بين البلدين، في إشارة ضمنية إلى أزمة المنظومة الروسية. وتابع البيان أن الوزيرين أكدا التزام بلديهما بعلاقات التعاون والتنسيق الوثيق في إطار تعزيز العلاقات العسكرية الثنائية. بدورها، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، في بيان، إن أوستن طالب نظيره التركي بتخلي بلاده عن منظومة «إس – 400» الروسية.
وأشارت إلى أنه أشاد بالشراكة القائمة بين أنقرة وواشنطن في إطار الناتو، والتعاون في مجال الصناعات الدفاعية. وأضاف البيان أن أوستن عبّر عن الشكر لنظيره التركي للدعم الذي تقدمه بلاده لقوات الناتو في أفغانستان، وشدد على ضرورة مواصلة السبل الدبلوماسية لحل الأزمة القائمة على موارد الطاقة في شرق البحر المتوسط.
وسبق أن عبرت واشنطن عن قلقها لعمليات التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط في مناطق تقول اليونان وقبرص إنها تقع ضمن مناطقهما الاقتصادية الخالصة. وأعلن الاتحاد الأوروبي، الذي يتبنى موقفاً رافضاً لما تقوم به تركيا، أنه سينسق مع واشنطن في هذا الصدد. وأشار البيان إلى أن الوزيرين أكار وأوستن أكدا التزام بلديهما بعلاقات التعاون والتنسيق الوثيق في إطار تعزيز العلاقات العسكرية، كما جدد أكار تهنئته لأوستن بتوليه منصبه. وأعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن موقفاً صريحاً من ملف «إس – 400»، وهو أنه لا بديل عن تخلي أنقرة عن المنظومة بسبب خطورتها على حلف الـ«ناتو» ومقاتلات «إف - 35» الأميركية، التي منعت أنقرة من المشاركة في إنتاجها واقتنائها، رداً على تمسكها بالمنظومة الروسية. وفي أول اتصال بين وزيري خارجية البلدين، الشهر الماضي، حثّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نظيره التركي مولود جاويش أوغلو على تخلي بلاده عن صواريخ «إس - 400» الروسية.
لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت إدارة بايدن ستفرض عقوبات على تركيا بسبب تلك الصفقة. ورغم اقتراح وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في فبراير (شباط) الماضي، أن تحل تركيا والولايات المتحدة خلافاتهما بشأن المنظومة الروسية من خلال تطبيق ما سمّاه «نموذج كريت»، في إشارة إلى امتلاك اليونان الصواريخ الروسية «إس - 300» الأقدم طرازاً الموجودة على جزيرة كريت منذ عام 2013 دون تفعيل، فإن واشنطن رفضت الاقتراح وسحبته أنقرة عندما أعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، أن تصريحات أكار فُهمت خطأ من جانب واشنطن، وأن تركيا لن تتنازل عن المنظومة الروسية، وأن هذا الأمر ليس موضع مساومة مع أحد. وواصلت تركيا تجاهل التحذيرات الأميركية بشأن اقتناء المنظومة الروسية، مُعلنة أنها تواصل مفاوضاتها للحصول على دفعة جديدة منها. وقال مستشار الصناعات الدفاعية برئاسة الجمهورية التركية، إسماعيل دمير، الشهر الماضي، إن بلاده تواصل المباحثات مع روسيا حول شراء دفعة ثانية من منظومة «إس – 400»، وإن المفاوضات مع الجانب الروسي تشمل أيضاً إمكانية الإنتاج المشترك لهذه المنظومة رغم العقوبات الأميركية.
وفرضت واشنطن عقوبات على تركيا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا بالعقوبات (كاتسا)، شملت دمير و3 آخرين من مسؤولي مستشارية الصناعات الدفاعية، إلى جانب خطوات سابقة شملت حرمان أنقرة من الحصول على مقاتلات «إف - 35» الأميركية وإخراجها من برنامج مشترك يشرف عليه حلف شمال الأطلسي (ناتو) لإنتاجها وتطويرها.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟