الضوء الأزرق والعين... نتائج طبية غير حاسمة

أبحاث تشير إلى تأثيره على جودة النوم وقلة جدوى النظارات الحاجبة له

الضوء الأزرق والعين... نتائج طبية غير حاسمة
TT

الضوء الأزرق والعين... نتائج طبية غير حاسمة

الضوء الأزرق والعين... نتائج طبية غير حاسمة

تزداد أهمية وقاية العينين من التعرض للضوء الأزرق، نظراً لإفادة مجموعات من الدراسات الطبية باحتمالات تسبب ذلك بتأثيرات على صحة الشبكية وإعاقة سهولة النوم وتدني مستوى الحالة النفسية للمرء.
ولكن رغم ثبوت أضرار أشعة الضوء الأزرق على أجزاء مختلفة من العين، فإن مصادر طب العيون تذكر أن المهم في حصول تلك الأضرار هو مصدر تلك الأشعة الزرقاء اللون، ومدى قوتها، ومدة تعرض العينين لها. كما لا يزال من غير الواضح والثابت علمياً مدى جدوى ارتداء نظارات حجب الضوء الأزرق BLBG في تخفيف المعاناة من الأرق الليلي أو أضرار العين، نظراً لاختلاف نتائج الدراسات الطبية حول جدواها.
ويُفيد بعض الباحثين الطبيين أن غالبية تلك الدراسات شملت أعداداً قليلة من الناس، وتتبعت ارتداء النظارات تلك لفترات قصيرة (بعضها نحو أسبوع فقط)، كما لم يكن من الواضح من البداية؛ هل الأرق لدى أولئك الأشخاص كان بسبب النظر في شاشات الهاتف المحمول والكومبيوتر، أم هو لأسباب أخرى لا علاقة لها بالتعرض للإضاءة الزرقاء. وهذا الأمر يجعل نتائجها غير حاسمة لجهة القول بعدم جدوى أو جدوى ارتداء النظارات الواقية تلك، خاصة أن غالبية تلك الدراسات أكدت أن من الثابت علمياً تسبب التعرض الليلي للضوء الأزرق في خفض إنتاج الدماغ لهرمون الميلاتونين، الهرمون الطبيعي المساعد لتسهيل النوم، وأن اللجوء إلى ارتداء تلك النظارات الواقية هو خطوة لم يثبت ضررها ومحتملة الفائدة.

الضوء الأزرق

وضمن عدد 8 مارس (آذار) الماضي من مجلة صحة النوم Sleep Health، عرض باحثون أميركيون، من جامعة ولاية مونتانا، دراستهم الطبية بعنوان «تأثير النظارات التي تحجب الضوء الأزرق المسائي على النوم لدى البالغين الأصحاء». وقال الباحثون في مقدمة دراستهم: «ثبت أن الضوء الأزرق المسائي يثبط الميلاتونين، ما قد يؤثر سلباً على جودة النوم. ولكن لا يزال تأثير تدخلات حجب الضوء الأزرق المسائي (باستخدام النظارات الخاصة بذلك) على النوم غير واضح. وتختبر الدراسة الحالية الفرضية القائلة بأن هذه النظارات تعمل على تحسين النوم في مجموعة من البالغين الأصحاء». وأفادوا في نتائج دراستهم أنه لم يكن ثمة تأثير واضح لارتدائها في فترة المساء، ولمدة أسبوع فقط، لدى مجموعة قليلة من الناس الذين شملتهم الدراسة.
وأشاروا بذلك إلى دراسة سابقة لباحثين من مركز صحة القلب والأوعية الدموية السلوكية بكلية الطب بجامعة كولومبيا في نيويورك، تم نشرها ضمن عدد يناير (كانون الثاني) 2018 من مجلة الأبحاث النفسية J Psychiatr Res، بعنوان «حجب الضوء الأزرق الليلي للأرق». وفيها قال الباحثون: «قد يساهم استخدام الأجهزة الإلكترونية الباعثة للضوء Light - Emitting Devices قبل النوم، في مشكلات النوم أو تفاقمها، عن طريق قمع الميلاتونين والتسبب في إثارة الفسيولوجيا العصبية». وأفادوا في نتائجهم أنه بمقارنة ارتدائها بعدم ذلك، لمدة ساعتين قبل النوم لمدة أسبوع واحد، أدى ارتداء نظارات حجب الضوء الأزرق إلى تحسين النوم لدى الأفراد الذين يعانون من أعراض الأرق. وقالوا: «هذه النتائج لها صلة صحية بالنظر إلى الاستخدام الواسع للأجهزة الباعثة للضوء قبل النوم وانتشار الأرق، وتمثل هذه العدسات تدخلاً علاجياً آمناً وبأسعار معقولة ويسهل تنفيذه لأعراض الأرق».
وهو ما أكدته دراسة أخرى لباحثين تشيكيين من المؤسسة الوطنية للصحة النفسية في براغ، تم نشرها ضمن عدد فبراير (شباط) 2020 للمجلة الدولية لعلم الأحياء الزمني Journal Chronobiology International، بعنوان «حجب الضوء والنوم جيداً... ترشيح الضوء الأزرق المسائي جزء من العلاج السلوكي المعرفي للأرق». وقالوا في نتائجهم: «نقدم مزيداً من الأدلة على أن حجب الضوء قصير الموجة (الضوء الأزرق) في ساعات المساء، قد يكون مفيداً للمرضى الذين يعانون من الأرق».

تضرر العين

وأفادت المؤسسة الأميركية للتنكس البقعي في شبكية العين AMDF قائلة: «تشير الأدلة العلمية إلى أن الضوء الأزرق عامل خطر في المساهمة في ظهور أو تطور التنكس البقعي Macular Degeneration، بالإضافة إلى أمراض العيون الأخرى مثل اعتام عدسة العين. ومع ذلك، فإن الضوء الأزرق المنبعث من الشمس والضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة الإلكترونية يختلفان بشكل كبير. وفي حين أن معظم الأبحاث تتفق على أن ارتداء النظارات الشمسية التي تحجب الأشعة فوق البنفسجية هو إجراء وقائي مهم ضد التعرض لأشعة الشمس، فإن البحث في الضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة الإلكترونية متناقض وغير حاسم».
وأوضحت جانباً آخر بقولها: «علاوة على ذلك، تُظهر الأبحاث السابقة (للضوء الأزرق) آثاراً ضارة فقط عندما تكون قدرة الضوء 3 ميكرو واط أو أكثر. ولكن قدرة الضوء المنبعث من الأجهزة الإلكترونية لا تزيد عادة عن 1 ميكرو واط». ولم تُعطِ إجابات واضحة حول ارتداء نظارات الوقاية من الضوء الأزرق، ولا سيما أنه لم تثبت أضرار لذلك، وتركت ذلك لاستشارة طبيب العيون. قائلة: «من الأفضل دائماً استشارة اختصاصي العناية بالعيون الخاص بك وتحديد الأفضل بالنسبة لك».
ويوضح الدكتور ديفيد رامزي، من كلية الطب بجامعة هارفارد، قائلاً: «كل يوم، يُسأل اختصاصيّو الشبكية عن مخاطر الضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة الإلكترونية. ويتساءل اكثير من الناس عما إذا كان الضوء الأزرق سيزيد من خطر الإصابة بالتنكس البقعي والعمى. والإجابة المختصرة على هذا السؤال الشائع هي؛ لا. إن كمية الضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة الإلكترونية، بما في ذلك الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وأجهزة تلفزيون إل إي دي LED وأجهزة الكومبيوتر المحمولة، غير ضارة بشبكية العين أو أي جزء آخر من العين».

نظارات خاصة

ويذكر أطباء العيون في كليفلاندكلينك أن نظارات حجب الضوء الأزرق تحتوي على عدسات مصنوعة خصيصاً لحجب الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات الرقمية. ويُمكنها حماية العين من الوهج وتقليل الضرر المحتمل على شبكية العين من التعرض الطويل للضوء الأزرق. ولكن الدكتور ريشي سينغ، طبيب العيون في كليفلاندكلينك، يُوضّح بقول مفاده: «معظم مشكلات العين من الشاشات الرقمية، تندرج تحت مصطلح يسمى متلازمة مشاهدة الكومبيوتر CVS.
وهي عبارة عن مجموعة واسعة من مشكلات إجهاد العين وعدم الراحة، نتيجة إرهاق العين باستمرار أثناء النظر إلى الشاشة. وعدم ارتياح العين لا يرجع مباشرة إلى الضوء الأزرق نفسه». ويُضيف الدكتور سينغ: «لسوء الحظ، لم يتم إجراء كثير من الأبحاث باستخدام النظارات التي تحجب الضوء الأزرق. وتلك الدراسات التي تم إجراؤها، كانت صغيرة جداً وليست من نفس نوعية الدراسات التي نراها في الممارسة الإكلينيكية».
لكن بالمقابل، تذكر بروك بيرس، اختصاصية البصريات في مايوكلينك بميناسوتا، قائلة: «الضوء الأزرق يمكن أن يضر بخلايا الشبكية الحساسة في أعماق العين. والعدسات المتخصصة تمثل إحدى الطرق التي يمكنك من خلالها حماية عينيك في تصفية الضوء الأزرق من حولك بشكل انتقائي حتى تتلقى عيناك ضوءاً جيداً، وفي نفس الوقت تقلل من تعرضك للضوء الأزرق السيئ».
* استشارية في الباطنية

الضوء الأزرق وشاشات الأجهزة الإلكترونية

> تعتمد كيفية إدراكنا لون الضوء على 4 خلايا رئيسية حساسة للضوء Light - Sensitive Cells في شبكية العين، 3 منها هي خلايا «مستقبلات ضوئية مخروطية» Cone Photoreceptors، وواحدة منها هي خلايا «مستقبلات ضوئية قضيبية» Rod Photoreceptor. وجميع هذه الخلايا توجد داخل طبقة شبكية العين Retina.
وخلال النهار، تستشعر خلايا «المستقبلات الضوئية المخروطية» الضوءَ بنشاط، ولكل منها ذروة حساسية في الأجزاء الزرقاء أو الخضراء أو الحمراء من طيف الضوء المرئي. وبالتالي، يتم تحديد إحساسنا بالألوان من خلال توازن نشاط هذه الخلايا الثلاث. ولكن في الليل، عندما يكون الضوء خافتاً جداً، لا يتم تحفيز خلايا «المستقبلات الضوئية المخروطية»، ولذا فإن إحساسنا بالألوان يخفّ. وحينها نظل ندرك العالم من حولنا كـ«ظلال رمادية» لأن نوعاً واحداً فقط من المستقبلات الضوئية يبقى يحافظ على وظيفتنا البصرية، وهي خلايا «المستقبلات الضوئية القضيبية».
ومعظم مصادر الضوء المتوهج، كضوء الشمس والنار، تحتوي على طيف واسع من أنواع الأشعة الضوئية. لكن تقنية إل إي دي LED (الصمامات الثنائية الباعثة للضوء Light Emitting Diodes) تنتج موجات ضوء لا يمكن تمييزه تقريباً عن الضوء الأبيض للنهار، وتحتوي على الضوء الأزرق. والضوء الأزرق الصادر من شاشات الأجهزة الإلكترونية الحديثة المعتمدة على تقنية LED، من غير المحتمل أن يشكل خطراً جسدياً على شبكية العين مقارنة بالنظر مباشرة إلى مصابيح LED ذات الطاقة العالية الشديدة السطوع.
يقول الدكتور ديفيد رامزي، من كلية الطب بجامعة هارفارد: «الإلكترونيات الاستهلاكية ليست ضارة بشبكية العين مقارنة بالشمس. والتعرض لمستويات معتدلة من الضوء الأزرق للأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية لا يكاد يذكر، ولن يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالتنكس البقعي أو الإضرار بأي جزء آخر من العين.
ومع ذلك، فإن استخدام هذه الأجهزة قد يعطل النوم أو يزعج جوانب أخرى من صحتك أو إيقاع الساعة البيولوجية». ولكنه أوضح أن هذا الضوء الأزرق الخفيف نسبياً، من المحتمل أن يحفز نشاط الساعة البيولوجية Circadian Clock أكثر مقارنة بمصادر الضوء التقليدية. ما يتسبب ببقاء المرء مستيقظاً، أو يعطل نومه، أو تكون له تأثيرات أخرى على إيقاعه اليومي في المزاج أو غيره.

4 حقائق بيولوجية عن الضوء الأزرق

> دون الدخول في تفاصيل فيزيائية معقدة، توجد علاقة عكسية بين الطول الموجي لأشعة الضوء وكمية الطاقة التي تحتويها. والأشعة الموجودة على الطرف الأحمر من طيف الضوء الشمسي المرئي، لها أطوال موجية أكبر، وبالتالي طاقة أقل، والأشعة الموجودة على الطرف الأزرق من الطيف لها أطوال موجية أقصر وطاقة أكثر. والضوء المرئي يتكون من إشعاع كهرومغناطيسي بأطوال موجية تتراوح من 380 نانومتراً على الطرف الأزرق من الطيف، إلى نحو 700 نانومتر على الطرف الأحمر.
ومن النقاط الرئيسية حول الضوء الأزرق...
- يُعرَف الضوء الأزرق عموماً بأنه؛ ضوء مرئي يتراوح من 380 إلى 500 نانومتر. ولذا فإن ما يقرب من ثلث الضوء المرئي هو ضوء أزرق «مرئي عالي الطاقة» HEV. والضوء الأزرق ليس فقط في الضوء الذي تراه العين أزرقاً، بل قد يكون موجوداً ضمن الضوء الأبيض أو لون آخر. ويُعد الضوء الأزرق مصدر قلق صحي لأنه يحتوي على طاقة أكبر لكل فوتون من الضوء مقارنة بالألوان الأخرى في الطيف المرئي، أي الضوء الأخضر أو الأحمر.
- ضوء الشمس هو المصدر الرئيسي للضوء الأزرق، ولكن هناك أيضاً الكثير من المصادر الداخلية للضوء الأزرق من صنع الإنسان، بما في ذلك الإضاءة الفلورنستية وإضاءة LED وشاشات عرض الأجهزة. وكمية الضوء الأزرق من هذه الأجهزة ضئيلة مقارنة بضوء الشمس. ولكن مقدار الوقت الذي يقضيه الأشخاص في استخدام هذه الأجهزة، وقرب هذه الشاشات من وجه المستخدم يثير قلق كثير من أطباء العيون وغيرهم بشأن الآثار طويلة المدى المحتملة له.
- العين ليست جيدة في حجب الضوء الأزرق. وتعتبر القرنية والعدسة فعالة للغاية في منع الأشعة فوق البنفسجية من الوصول إلى شبكية العين الحساسة للضوء في الجزء الخلفي من مقلة العين. ولكن كل الضوء الأزرق يمر تقريباً عبر القرنية والعدسة ويصل إلى شبكية العين. والتعرض المفرط للضوء الأزرق يمكن أن يضر بالخلايا الحساسة للضوء في شبكية العين. ولكن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد مقدار الضوء الأزرق الذي يضر شبكية العين.
- ليس كل الضوء الأزرق سيئاً، لأن التعرض «المعتدل» للضوء الأزرق في النهار له فوائد صحية جيدة من نواحي تعزيز اليقظة، ومساعدة الذاكرة، وتنشيط الوظيفة الإدراكية، ورفع الحالة المزاجية، وتنظيم إيقاع الساعة البيولوجية ليقظة الجسم ودورة النوم. لكن كثيراً من الضوء الأزرق في وقت متأخر من الليل يمكن أن يعطل هذه الدورة، ما قد يتسبب في ليالي بلا نوم وإرهاق أثناء النهار.


مقالات ذات صلة

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19»....

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
TT

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً يأملون أن يشكل بديلاً لأطقم الأسنان أو عمليات الزرع.

على عكس الزواحف والأسماك التي عادة ما تكون قادرة على استبدال أنيابها، من المعروف على نطاق واسع أنّ البشر ومعظم الثدييات الأخرى لا ينمو في فمها سوى مجموعتين من الأسنان. لكن تحت اللثة ثمة براعم نائمة من مجموعة ثالثة، بحسب رئيس قسم جراحة الفم في المركز الطبي التابع لكلية البحوث الطبية في أوساكا، كاتسو تاكاهاشي.

في أكتوبر (تشرين الأول)، أطلق فريقه تجارب سريرية في هذا المستشفى، موفراً لأشخاص بالغين دواء تجريبياً يقول الفريق الطبي إنّه قادر على تحفيز نمو هذه الأسنان المخفية. ويقول تاكاهاشي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تقنية «جديدة تماماً» في العالم.

وغالباً ما يُنظر إلى العلاجات المستخدمة للأسنان المفقودة بسبب التسوس أو الالتهابات على أنها مكلفة وتتطلب تدخلاً جراحياً. ويؤكد تاكاهاشي، قائد المشروع، أن «استعادة الأسنان الطبيعية لها بالتأكيد حسناتها».

وتشير الاختبارات التي أُجريت على فئران وقوارض إلى أن وقف عمل بروتين «أوساغ-1» (USAG-1) يمكن أن يوقظ المجموعة الثالثة من الأسنان، وقد نشر الباحثون صوراً مخبرية لأسنان حيوانات نمت من جديد.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي، قال الفريق إن «العلاج لدى الفئران فعّال في تجديد الأسنان، ويمكن أن يشكل اختراقاً على صعيد علاج تشوهات الأسنان لدى البشر».

«ليست سوى البداية»

في المرحلة الراهنة، يعطي أطباء الأسنان الأولوية للاحتياجات «الماسة» للمرضى الذين خسروا ستاً من الأسنان الدائمة أو أكثر منذ الولادة.

ويشير تاكاهاشي إلى أنّ الجانب الوراثي يؤثر على نحو 0.1 في المائة من الأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة كبيرة في المضغ، وفي اليابان غالباً ما يمضون معظم مراهقتهم وهم يضعون كمامة لإخفاء الفجوات الواسعة في أفواههم. ويضيف أنّ «هذا الدواء قد يكون نقطة تحوّل لهم»؛ لذلك يستهدف الدواء الأطفال في المقام الأول، ويريد الباحثون إتاحته قبل عام 2030.

ولا يعرف أنغراي كانغ، وهو أستاذ في طب الأسنان لدى جامعة كوين ماري في لندن، سوى فريق واحد آخر يسعى إلى تحقيق الهدف المماثل باستخدام الأجسام المضادة لجعل الأسنان تنمو من جديد أو لإصلاحها.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول الخبير في تكنولوجيا المناعة وغير المنخرط في البحث الياباني، إنّ «مجموعة تاكاهاشي تقود المسار».

ويعتبر كانغ أنّ عمل تاكاهاشي «مثير للاهتمام ويستحق المتابعة»؛ لأنّ دواء للأجسام المضادة يستهدف بروتيناً مطابقاً تقريباً لـ«USAG-1» يُستخدم أصلاً لعلاج هشاشة العظام.

ويضيف: «السباق لتجديد أسنان الإنسان ليس قصيراً، لكنه مجموعة من سباقات الماراثون المتتالية، على سبيل التشبيه». ويتابع: «إنها ليست سوى البداية».

ويرى الأستاذ في علاج جذور الأسنان في جامعة هونغ كونغ، تشينفي تشانغ، أنّ طريقة تاكاهاشي «مبتكرة وتحمل إمكانات».

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «التأكيد على أن البشر يمتلكون براعم أسنان مخفية قادرة على إنتاج مجموعة ثالثة من الأسنان، هو مسألة ثورية ومثيرة للجدل».

ويشير إلى أنّ «النتائج التي لوحظت لدى الحيوانات لا يمكن دائماً ترجمتها بشكل مباشر إلى البشر». ويقول تشانغ إن نتائج التجارب على الحيوانات تثير «تساؤلات بشأن ما إذا كانت الأسنان الجديدة قادرة وظيفياً وجمالياً على أن تحل محل الأسنان المفقودة».

«في قمة السعادة»

يشير تاكاهاشي إلى أنّ موقع السنّ الجديدة في الفم يمكن التحكم به إن لم يكن تحديده، من خلال موقع حقن الدواء.

وفي حال نمت الأسنان في المكان الخطأ فيمكن نقلها عن طريق تقويم الأسنان أو الزرع، على حد قوله.

ولم يشارك أي مريض صغير يعاني من مشكلة خلقية في الأسنان في التجربة السريرية الأولى؛ إذ إن الهدف الرئيس هو اختبار سلامة الدواء لا فاعليته؛ لذا فإن المشاركين في المرحلة الحالية هم بالغون صحتهم جيدة خسروا سناً واحدة على الأقل.

ومع أنّ تجديد الأسنان ليس الهدف الصريح للتجربة هذه المرة، فإن هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك للمشاركين، بحسب تاكاهاشي.

وإذا نمت أسنانهم، فسيكون الباحثون قد أكدوا أن الدواء فعّال لمَن يعانون من خسارة أسنان، وهو ما سيشكل نجاحاً طبياً. ويقول تاكاهاشي: «سأكون في قمة السعادة في حال حدث ذلك».

وقد تلقى هذه الأنباء ترحيباً خاصاً في اليابان التي تضم ثاني أعلى معدّل من السكان في العالم. وتظهر بيانات وزارة الصحة أن أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين تتخطى أعمارهم 75 عاماً خسروا سنّاً واحدة على الأقل.

ويقول تاكاهاشي: «ثمة توقّعات عالية بأن تكون تقنيتنا قادرة بشكل مباشر على إطالة متوسط العمر الصحي المتوقع».