فابرجيه... كلمة تحمل وراءها تاريخاً قديماً اختلطت فيه قصص إمبراطورية وأمراء ونبلاء ونبيلات مموهة بلمعان الذهب وبريق الكريستال والأحجار الكريمة، كل ذلك تختزله قصة مجوهرات و«بيضات» الصائغ فابرجيه ما جعلها صوراً مألوفة ومطبوعة في الذاكرة حتى اليوم. وإن كان الصائغ ومحلاته وحكاياته قد غابت عن الوجود لكن تبقى الأسطورة حية عبر تشابكاتها وآثارها من القطع دقيقة الصنع التي تلقي ببريقها على كل محفل ومعرض تظهر فيه ولتصبح مضرب المثل في الإتقان والإبداع والفخامة.
واحتفالاً بالصائغ الشهير الذي ارتبطت مجوهراته بالإمبراطور الروسي نيكولاس الثاني وعائلته وأيضاً بالعائلات الملكية والأرستقراطية في أوروبا، أعلن متحف «فيكتوريا آند ألبرت» بلندن عن إقامة معرض ضخم يتناول تاريخ فابرجيه ويضم 200 قطعة من إبداعاته. كما يسلط الضوء على متجر فابرجيه في لندن وهو الفرع الوحيد للصائغ الشهير خارج روسيا، الذي أثار حالة من الافتتان بمصوغات فابرجيه وقطعه المتفردة في فخامتها ودقة صنعها وطرافتها أيضاً.
المعرض يحمل عنوان «فابرجيه في لندن: الرومانسية والثورة» ويعد الأول من حيث الحجم والتفاصيل من حيث التركيز على إرث الصائغ الشهير وأهمية فرعه اللندني الذي طواه النسيان مع زبائنه من المجتمع الراقي في بريطانيا وأوروبا.
ومن خلال 200 قطعة موزعة على ثلاثة أقسام، يسرد العرض قصة كارل فابرجيه الرجل صاحب الشركة العالمية التي تحوّلت إلى علامة للحرفية والأناقة الروسية، خصوصاً بما كونته من صلات وثيقة مع الأسرة الإمبراطورية الروسية التي صبغت على «بيضات» فابرجيه تحديداً غلالة من الرومانسية والثراء وأيضاً التراجيديا التي انتهت بها حياة أفراد الأسرة بعد الثورة البلشفية.
ولعل الكثير قد كتب عن فابرجيه في روسيا ومصوغاته وبيضات عيد الفصح المصنوعة من الذهب والمجوهرات التي أبدعها للقيصر وبناته، ولكن المعرض هنا يحرص أيضاً على التوغل في أصداء أسطورة فابرجيه خارج روسيا وعلاقاته مع العملاء في إنجلترا، وذلك بفضل افتتاحه محلاً في لندن عام 1903. المحل تحوّل لنقطة جذب لأفراد العائلات الملكية في أوروبا والمؤثرين والأرستقراطيين والممثلات الأميركيات والمهراجات وغيرهم من نجوم المجتمع المخملي في عدد من دول العالم الذين وجدوا عند فابرجيه الهدايا الثمينة المتفردة ليهدوها لبعضهم، ما جعل فرع المتجر في لندن بنفس أهمية متجره الرئيسي في روسيا.
أول أقسام المعرض يتناول أهمية تبني أسرة رومانوف لمجوهرات فابرجيه، وللتدليل على ذلك استعار المتحف قطعاً من متحف هرميتاج، منها قطع صنعها الصائغ خصيصاً للعرض في باريس عام 1900، وتعكس فيما بينها فخامة البلاط الإمبراطوري وتؤكد على مكانة فابرجيه بوصفه الصائغ الرسمي للعائلة الإمبراطورية. وحسب العرض، فتلك المكانة تتضح من القطع الكثيرة التي صنعها لأفراد العائلة مثل زهور مصنوعة من الكريستال الصخري وإطارات صور باذخة لأفرادها وغيرها من القطع التي صنعت بناء على طلب الإمبراطور وعائلته، ولا شك أن أشهرها البيضات الملونة الباذخة التي لا تزال تثير الخيال حتى اليوم.
حرفة وصنعة وتقنية
لا يمكن أن يتحدث معرض عن مجوهرات فابرجيه بدون الدخول في تفاصيل صنعها لمحاولة فهم الحرفية الراقية التي ميزت عمله، وهو ما يستكشفه القسم الثاني من العرض. فيعرض لحرفية التصميم والتنفيذ الدقيق التي ميزت إبداعات شركة كارل فابرجيه وورش العمل فيها، وألهمت المصممين والحرفيين للتعاون الخلاق.
من القطع التي تعبر عن كل تلك العناصر نرى تاجاً من الألماس مزيناً بأحجار الزبرجد وهو كان هدية من دوق مكلنبورغ شويرين لعروسه ألكساندرا هانوفر يوم عرسهما.
ومن إبداع إحدى مصممات الدار المعروفات واسمها آلما بيل قلادة عرفت باسم «الكريستال الثلجي» صنعت من الكريستال الصخري وأحجار الألماس.
فابرجيه في لندن
هذا القسم مخصص لقصة متجر فابرجيه في لندن والرعاية الملكية التي حصل عليها وكيف تحوّلت مجوهراته إلى قطع مرغوبة من الطبقة المخملية في العاصمة البريطانية. ويقدم المعرض بعض القطع المستعارة من مجموعة الملكة إليزابيث الثانية من المجوهرات، ومنها إطارات صور وعلب سجائر وبيضات ملونة وأيضاً بعض الهدايا التي أرسلها القيصر نيكولاس الثاني لأقربائه من أفراد العائلة الملكية البريطانية.
ولكن بما أن لكل قصة نهاية ونهاية، يتطرق العرض لنهاية أسطورة فابرجيه، التي بدأت مع الحرب العالمية الأولى 1914، حين تحولت ورش الصياغة في فابرجيه من صناعة المجوهرات الثمينة إلى إنتاج الذخيرة ومن صياغة الجواهر إلى تشكيل الحديد والنحاس. ومع الثورة البلشفية 1917 أغلقت محلات فابرجيه في موسكو وفي لندن أيضاً، لتظل من الصائغ الشهير مصوغاته وقطعه المتفردة في إبداعها لتشهد على أسطورة ترفض الموت.