فضيحة تطال نائباً جمهورياً مقرباً من ترمب

تشابك بين التحقيق والابتزاز و«مشروع تحرير» روبرت ليفنسون

نفى النائب الجمهوري مات غيتس إقامة علاقة مع قاصر (رويترز)
نفى النائب الجمهوري مات غيتس إقامة علاقة مع قاصر (رويترز)
TT

فضيحة تطال نائباً جمهورياً مقرباً من ترمب

نفى النائب الجمهوري مات غيتس إقامة علاقة مع قاصر (رويترز)
نفى النائب الجمهوري مات غيتس إقامة علاقة مع قاصر (رويترز)

تتفاعل قضية فضيحة التحقيق مع النائب الجمهوري، مات غيتس، بشكل متسارع، لتصبح بمثابة فيلم سينمائي تتشابك فيه الأسماء والقضايا. فبعد تسرب معلومات تفيد بأن وزارة العدل الأميركية تحقق مع النائب الجمهوري بسبب علاقته مع قاصر، ونفي غيتس ذلك عازياً السبب إلى محاولة ابتزاز يتعرض لها، بدأت ملامح القضية في التبلور شيئاً فشيئاً؛ فالتحقيق مع غيتس، وهو من حلفاء الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الشرسين في الكونغرس، بدأ في عهد الرئيس السابق وبإشراف وزير العدل حينها بيل بار.
وفي حين جرت العادة أن تكون تحقيقات من هذا القبيل سرية، يبدو أن ثمة من سرب المعلومات لبعض الأشخاص الذين عمدوا هم بدورهم إلى استغلال القضية لابتزاز والد النائب، وهو سياسي معروف في ولاية فلوريدا، مقابل المساعدة على تخطي التحقيقات مع ابنه. وبحسب صحيفة «واشنطن إكزامينر»، يبدو أن الابتزاز حدث عن طريق رجلين زارا والد غيتس وطالباه بدفع مبلغ 25 مليون دولار لتوظيفها في جهود العثور على روبرت ليفنسون الرهينة الأميركي المحتجز في إيران. وقال الرجلان لوالد غيتس إنه في حال أُفرج عن ليفنسون، الذي تقول عائلته إنه توفي في إيران، فإن ابنه سيجني ثمار الجهود، ويصبح اسمه مرتبطاً مباشرة بجهود الإفراج عن ليفنسون؛ الأمر الذي سيعزز من حظوظه في التصدي للاتهامات التي يواجهها في قضية العلاقة مع قاصر.
وتقول الصحيفة؛ التي نشرت وثائق ومعلومات عن قضية التواصل مع والد غيتس، وهو نائب سابق، إن بوب كنت؛ وهو محلل استخباراتي سابق في سلاح الجو الأميركي، تحدث مع دون غيتس في منتصف شهر مارس (آذار) الماضي، وقال له إن لديه خططاً لمساعدة ابنه على «التخلص من مشكلاته القضائية والسياسية»، مؤكداً أن ليفنسون لا يزال حياً يرزق، رغم تصريحات عائلته. وقد قدم كنت طرحاً لوالد النائب بعنوان: «مشروع العودة» يفصّل الاتهامات بحق النائب الجمهوري ويقترح خطة مفصلة للتصدي لها مقابل المساعدة المادية. ويقول الطرح: «استراتيجيتنا لمساعدة النائب غيتس على تخطي المشكلات القضائية والسياسية التي يواجهها تعتمد بشكل أساسي على أن يوفر هو أو شخص آخر، التمويل اللازم للإفراج فوراً عن روبرت ليفنسون المحتجز في إيران. ومقابل هذا التمويل، وبعد إطلاق سراح ليفنسون، ستتم الاشادة بجهود النائب غيتس في الإفراج عن السيد ليفنسون، وسوف نقول إنه هو من سهّل عملية الإفراج».
وقد شكك دون غيتس في هذا الطرح، وعده ابتزازاً، فعمد إلى إبلاغ «مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)» الذي فتح تحقيقاً منفصلاً في الحادث، في وقت لا تزال فيه التحقيقات جارية في وزارة العدل بخصوص النائب الجمهوري وعلاقته بقاصر.
وفي وقت تتشعب فيه القضية وتتداخل لتصبح بمثابة فيلم من واقع الخيال، يصر غيتس على الحديث عن القضية علناً ونفي أي اتهامات يواجهها، رغم نصيحة المحامين له بالتزام الصمت تجنباً لأي تصريحات قد تورطه أكثر في القضية. لكن غيتس اعتمد على سياسة ترمب في مواجهة الفضائح، وقرر إجراء مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» حيث نفى الاتهامات قائلاً: «أملي هو أن الحقيقة سترحمني. لهذا؛ أنا أحاول أن أتحدث عن الحقائق».
إلا إن هذه الاستراتيجية قد تكلفه مقعده في اللجنة القضائية بمجلس النواب؛ إذ أكد زعيم الجمهوريين في المجلس، كيفين مكارثي، أنه سيجرد غيتس من منصبه في اللجنة في حال ثبت أنه كان على علاقة بفتاة في السابعة عشرة من العمر. وقال مكارثي: «في حال ثبوت هذه التهم، فسوف أجرده من منصبه. حتى الساعة هو ينفيها، وليست لدينا أي معلومات إضافية». وبحسب قوانين الاتجار الجنسي بالأطفال، التي تعاقب كل من يقيم علاقة بأي شخص لا يبلغ الـ18 من العمر، فسيواجه غيتس أحكاماً قاسية في حال ثبوت التهم عليه.
يذكر أن النائب الجمهوري سبق أن أعرب عن نيته مغادرة منصبه في مجلس النواب للالتحاق بشبكة «نيوز ماكس» الداعمة لترمب، وذلك قبل أن تتسرب أنباء التحقيقات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟