تركيا ترفض تقرير واشنطن حول حقوق الإنسان

دبلوماسي ألماني ينتقد موقف أوروبا من «استبداد إردوغان»

TT

تركيا ترفض تقرير واشنطن حول حقوق الإنسان

أثار تقرير لوزارة الخارجية الأميركية حول حقوق الإنسان في تركيا لعام 2020 غضب أنقرة التي وصفته بأنه «بعيد كل البعد عن الموضوعية ويتضمن ادعاءات لا أساس لها» في الوقت الذي كشف فيه تقرير عن انتهاكات واسعة خلال مارس (آذار) الماضي لا سيما في مجال حرية الرأي والتعبير. وقالت وزارة الخارجية التركية، في بيان حول التقرير الذي صدر ضمن حزمة تقارير أعدتها الخارجية الأميركية، إن أنقرة ستواصل العمل دون انقطاع، من أجل تعزيز وحماية حقوق مواطنيها بالإضافة إلى ملايين الأشخاص الذين تستضيفهم، على أساس الديمقراطية وسيادة القانون. وأضاف البيان أن «التقرير تم إعداده هذا العام أيضا بشكل بعيد كل البعد عن الموضوعية، ويتضمن مزاعم لا أساس لها وأحكاما مسبقة حيال بلادنا ويستند إلى ادعاءات مصادرها مجهولة».
من ناحية أخرى، اعتبر بيان الخارجية التركية، أن ما سماه بـ«الادعاءات المتعلقة بالعمليات العسكرية التركية ضد الإرهاب في سوريا» لا يمكن قبوله أيضا، لافتا إلى عدم وجود تفسير لتكرار هذه الادعاءات رغم رفضها سابقا في مناسبات مختلفة. واعتبر البيان أن عدم تطرق التقرير الأميركي إلى ما سماه بـ«الأعمال الإرهابية لتنظيم وحدات حماية الشعب الكردية»، ذراع حزب العمال الكردستاني المحظور في سوريا، أمر لافت للانتباه.
وتعتبر تركيا الوحدات الكردية، أكبر مكونات تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تنظيما إرهابيا، بينما تدعمها الولايات المتحدة باعتبارها الحليف الأوثق في الحرب التي شنها التحالف الدولي على تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا. وقال البيان إن لدى تركيا الإرادة الكاملة في مسألة حقوق الإنسان وتعزيزها، لافتا إلى «استراتيجية الإصلاح القضائي» التي أعلنتها بلاده قبل عامين و«خطة عمل حقوق الإنسان» التي كشفت عنها خلال مارس الماضي، كمؤشر ملموس على هذه الإرادة.
في السياق ذاته، كشف تقرير للمعارضة التركية عن مثول 95 صحافيا أمام المحاكم في تركيا في مارس (آذار) الماضي، بتهم مختلفة، وحكم على 7 منهم بالسجن لأكثر من 11 عاما.
وبحسب التقرير، الذي أعده الصحافي باريش ياركاداش النائب السابق بالبرلمان عن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، فإنه تم اعتقال 3 صحافيين وتعرض صحافيان للهجوم والضرب، وتم اعتقال أحد الشعراء وحظر موقعين إخباريين وتغريم أحد الصحافيين 7 آلاف ليرة، وإحدى الصحف بقطع الإعلانات عنها، كما تعرضت محطة إذاعية لهجوم مسلح.
وأشار التقرير إلى أن الصحافيين في تركيا يذهبون إلى المحاكم كل يوم كأنهم يذهبون إلى تغطية الأخبار، حيث تريد حكومة حزب العدالة والتنمية الحكم على جميع الصحافيين المعارضين تقريبا وإسكاتهم. ويخضع أكثر من 90 في المائة من وسائل الإعلام في تركيا لملكية رجال أعمال مقربين من الحكومة، أي أنها تحت سيطرة الرئيس رجب طيب إردوغان، وفق تقرير سابق لمنظمة «مراسلون بلا حدود». ووفقاً للعديد من المنظمات العالمية المعنية بحرية الصحافية وحقوق الإنسان، يوجد أكثر من 100 صحافي في السجون التركية، غالبيتهم يواجهون تهما بالإرهاب.
في الإطار ذاته، اعتبر السفير الألماني السابق في أنقرة، مارتن أردمان، أن إردوغان يسرق مستقبل تركيا، قائلا إنه على مدى 5 أعوام من عمله سفيرا لبلاده في أنقرة (2015 - 2020) طور قدرًا كبيرًا من التعاطف مع تركيا وشعبها، لكنه لاحظ منذ عام، أن البلاد تتعرض بشكل متزايد لنهب ممنهج للمستقبل من قبل «النظام الاستبدادي». وأضاف أردمان، وهو دبلوماسي مخضرم يبلغ من العمر 66 عاما وسبق له العمل متحدثا باسم الخارجية الألمانية، أن «هناك حريات أقل وأقل في العديد من المجالات، بل بالكاد توجد حريات، نحن نتعامل مع نظام استبدادي». وتابع أردمان في مقابلة مع صحيفة «تاجس شبيغل» الألمانية أنه: «لفترة طويلة، كنت أعتقد أنه من الصواب الانتظار قبل فرض عقوبات على تركيا، لأنها يمكن أن تكون لها آثار جانبية غير مرغوب فيها، لكن التطورات في تركيا ابتعدت كثيرًا عن معايير كوبنهاجن (معايير الانضمام للاتحاد الأوروبي)، التي تشكل الأساس لجميع الدول المرشحة للانضمام، بحيث لم يعد بإمكاننا تجاهلها». وأكد أنه «يجب احترام معايير الانضمام، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فعليك أن تتحمل العواقب»، في دعوة لفرض عقوبات على تركيا لأخلالها بأهم معايير الانضمام للاتحاد الأوروبي وهو الالتزام بالديمقراطية واحترام حرية التعبير. ولفت الدبلوماسي الألماني إلى أن المعارضة التركية محبطة من ردود الفعل السلبية من أوروبا، حيال انتهاكات إردوغان للديمقراطية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟