بريطانيا أكثر الدول الأوروبية قلقا من عودة شبان قاتلوا في سوريا

قصة شقيقين إريتريين نشآ في حي راق بشمال لندن وقتلا في المعارك تحدث صدمة

علامات الحزن على وجه صبي سوري بعد مشاهدته آثار الدمار في حي الأنصاري بمدينة حلب بعد قصف القوات الحكومية الحي بالبراميل المتفجرة أمس (رويترز)
علامات الحزن على وجه صبي سوري بعد مشاهدته آثار الدمار في حي الأنصاري بمدينة حلب بعد قصف القوات الحكومية الحي بالبراميل المتفجرة أمس (رويترز)
TT

بريطانيا أكثر الدول الأوروبية قلقا من عودة شبان قاتلوا في سوريا

علامات الحزن على وجه صبي سوري بعد مشاهدته آثار الدمار في حي الأنصاري بمدينة حلب بعد قصف القوات الحكومية الحي بالبراميل المتفجرة أمس (رويترز)
علامات الحزن على وجه صبي سوري بعد مشاهدته آثار الدمار في حي الأنصاري بمدينة حلب بعد قصف القوات الحكومية الحي بالبراميل المتفجرة أمس (رويترز)

سرعان ما انتشر الخبر في خريف العام الماضي في أحد أحياء شمال لندن الراقية، حيث نشأ الأخوان محمد وأكرم صباح: لقد لقي الأخوان حتفهما في حادث سيارة.
كان لذلك الخبر وقع الصاعقة على الكثير من الأصدقاء والجيران الذين عايشوا محمد وأكرم ورأوهما يكبران كطفلين اجتماعيين ومعروفين في الحي حتى صارا شابين بالغين واعدين.
لكن الحقيقة المؤلمة التي جرى كشف النقاب عنها أخيرا على أحد المواقع الجهادية، تشير إلى أن محمد وأكرم قد قُتلا في سوريا أثناء انخراطهما في القتال جنبا إلى جنب مع قوات المعارضة السورية.
لقد كان الأخوان صباح جزءا من مجموعة من البريطانيين الذين تتزايد أعدادهم يوما بعد يوم، وهما اللذان تركا خلفهما حياة رغدة وانضما إلى حرب تزداد طبيعتها المتطرفة بمرور الوقت، والتي يتطلب الانخراط فيها مبلغا ضئيلا للحصول على تذكرة الطيران ذهابا هناك.
لقي العشرات مصرعهم في سوريا، في الوقت الذي بقي فيه مئات في ساحة المعركة، غير أن الأمر الذي يثير قلق أجهزة الأمن البريطانية، فهو العدد الذي قد يصل إلى 50 أو أكثر من البريطانيين الذين يعتقد أنهم عادوا إلى أرض الوطن.
وقد أعرب مسؤولون بريطانيون عن قلقهم المتزايد خلال الأيام القليلة الماضية حول احتمال أن يسعى العائدون من الحرب السورية، والذين حصلوا على الخبرة من خلال تجاربهم في المعركة، لتنفيذ هجمات إرهابية. وقد أشار رئيس دائرة مكافحة الإرهاب في جهاز الشرطة البريطانية (اسكوتلنديارد) أخيرا، إلى أن هذا الأمر أصبح «لا مفر منه في الغالب».
ويبدو ذلك القلق بوضوح في حصيلة الاعتقالات المتنامية، حيث جرى اعتقال ما لا يقل عن 14 بريطانيا بتهم تتعلق بالسفر إلى سوريا أو العودة منها هذا الشهر، مقارنة باعتقال نحو 24 العام الماضي.
ويقول مسؤولون أمنيون، إن بضع مئات من البريطانيين الذين عرف عنهم انضمامهم إلى المعركة في سوريا، يفوقون العدد الذي شارك في أفغانستان أو العراق، وهما الحربان اللتان جذبتا المقاتلين الشباب المتطرفين من الغرب، غير أنه كان من الصعب على الكثيرين الوصول بسهولة إليهما. كما يُقر المسؤولون بأنه من الممكن أن يكون هناك الكثير من المقاتلين الذين تسللوا إلى سوريا ولم يُكتشف أمرهم، بسبب سهولة السفر جوا إلى تركيا، ومن ثم الدخول إلى أرض المعركة في سوريا.
ويبدو هذا القلق مسيطرا على جميع المسؤولين الأمنيين في العواصم الأوروبية، وكذلك واشنطن، حيث قال مدير وكالة الاستخبارات الجيوفضائية الوطنية، جيمس كلابر، أمام إحدى لجان الكونغرس يوم الأربعاء، إن الحرب السورية قد اجتذبت نحو 7000 من المقاتلين الأجانب من نحو 50 دولة، وإن واحدة على الأقل من الجماعات الجهادية الرئيسة في سوريا تطمح إلى تنفيذ هجمات إرهابية في الولايات المتحدة الأميركية.
لكن أوروبا تبدو هدفا أقرب وأكثر سهولة للوصول إليه. وكان المركز الدولي لدراسة التطرف (ICSR) قد قدر الشهر الماضي، أن ما يقرب من ألفي شخص من أوروبا الغربية قد سافروا إلى سوريا للانخراط في القتال الدائر هناك، وأن هذا العدد يزداد بشكل سريع.
ويقول مسؤولون فرنسيون، إن نحو 700 فرنسي سافروا إلى سوريا. وقد أكد وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس هذا الشهر، أن المقاتلين العائدين من فرنسا يمثلون «التهديد الأكبر الذي تواجهه البلاد خلال السنوات المقبلة».
غير أن حدة القلق تبدو أكبر في بريطانيا، حيث ما زالت ذكريات تفجيرات يوليو (تموز) 2005 حاضرة في الأذهان. وقد نُفذت تلك الهجمات، التي أودت بحياة 52 شخصا، بواسطة متطرفين نشأوا في بريطانيا، وتلقى اثنان منهم على الأقل تدريبات في باكستان.
ويقول ريتشارد والتون الذي يقود جهود مكافحة الإرهاب في شرطة أسكوتلنديارد، في تصريحاته لصحيفة «إيفينيغ ستاندرد»: «الأمر لم يتضح كلية بعد، لكن سوريا أحدثت تغييرا كبيرا في كثير من الاستراتيجيات». وأضاف والتون: «إننا نشهد هذا الأمر كل يوم، هناك مئات من الناس يذهبون إلى سوريا، وإذا لم يُقتلوا، فإنهم يتحولون إلى متطرفين».
وتقول شيراز ماهر، باحثة بارزة في المركز الدولي لدراسة التطرف، إن معظم الأوروبيين الذين ذهبوا للقتال في سوريا لم ينضموا للجماعات المعتدلة، وهي المعارضة المدعومة من الغرب، والتي يغلب عليها السوريون ويقاتلون حكومة الرئيس بشار الأسد في المقام الأول، بل على العكس من ذلك، انضموا للمتطرفين والجماعات التابعة لتنظيم القاعدة، والتي التي ترحب بانضمام الأجانب لها.
وتضيف شيراز ماهر، أن الأوروبيين الذين يدخلون المعركة في سوريا لديهم مجموعة متنوعة من الدوافع، بما في ذلك الأفكار المتطرفة والمخاوف الإنسانية، وكذلك الشعور بالملل مع أسلوب حياتهم في بلادهم. غير أنها أضافت أن الفئتين الأخيرتين يجري غرس آيديولوجيات معادية للغرب في عقولهم بمجرد وصولهم إلى ساحة المعركة.
وتقول شيراز ماهر: «كلما طالت الفترة التي يقضيها الشخص هناك، تُشرب تلك الأفكار».
ولا يُرحب بعودة أولئك البريطانيين إلى الوطن، حيث قال وزير الخارجية ويليام هيغ، في تصريحه لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) مطلع هذا الأسبوع، إنه ينبغي على البريطانيين ألا يسافروا إلى سوريا لأي سبب من الأسباب، مضيفا أن أولئك الذين ذهبوا بالفعل إلى هناك للقتال ينبغي ألا يكلفوا أنفسهم عناء التفكير في العودة إلى الوطن، لأنهم إذا فعلوا، فسوف يواجهون الملاحقة القضائية بتهم الإرهاب.
وتقول مارغريت جيلمور التي تعمل محللة لقضايا الإرهاب في المعهد الملكي للدراسات الدفاعية والأمنية، إن القلق البريطاني يتزايد بسبب حقيقة أن الحكومة لا تعرف سوى القليل جدا عما يحدث في سوريا، لا سيما بالمقارنة مع ما عرفته عن العراق وأفغانستان في ذروة الحروب هناك.
وتضيف جيلمور: «هناك الكثير من المناطق في سوريا غير مأهولة بالسكان، حيث تستطيع الجماعات الإرهابية العمل والتدريب على درجة عالية».
وتستغل الجماعات المتطرفة، في الوقت نفسه، غياب الغرب عن سوريا لصالحها في تجنيد المزيد من البريطانيين.
يقول جوناثان راسل، مسؤول الاتصال السياسي في مؤسسة كويليام البحثية البريطانية (مؤسسة مناهضة للتطرف ومقرها لندن): «دائما ما تردد الجماعات التي تستوحي أفكارها من تنظيم القاعدة، أن مسلمين يقاتلون ضد مسلمين. وبالتالي، فإن الحكومة البريطانية ينبغي ألا تتدخل». ويضيف راسل: «توجه تلك الجماعات رسالة إلى المسلمين الغربيين الذين يقاتلون في سوريا مفادها، أنه (واجب عليكم أن تهتموا بإخوانكم وأخواتكم في سوريا لأن ما يسمى الحكومة الليبرالية والديمقراطية في بلادكم لا تفعل ذلك بالنيابة عنكم)».

* خدمة «نيويورك تايمز»



الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

مبنى مركز الأمل لعلاج الأورام السرطانية في مدينة إب (فيسبوك)
مبنى مركز الأمل لعلاج الأورام السرطانية في مدينة إب (فيسبوك)
TT

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

مبنى مركز الأمل لعلاج الأورام السرطانية في مدينة إب (فيسبوك)
مبنى مركز الأمل لعلاج الأورام السرطانية في مدينة إب (فيسبوك)

يواجه آلاف المرضى بالسرطان في محافظة إب اليمنية (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) خطر الموت نتيجة غياب الرعاية الصحية والنقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية وغياب الدعم، في ظل اتهامات لقادة الجماعة الحوثية بالمتاجرة بالأدوية وتعطيل مراكز علاج ودعم الحالات المصابة بالمرض.

وأرجعت مصادر طبية في المحافظة نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، والتي كانت تقدم مجاناً من منظمات دولية وجهات خيرية، إلى مساعي الجماعة الحوثية للاستفادة من التمويل الموجه للمرضى، والحصول على إيرادات مالية من الأدوية والتدخل الدائم في العمل الإغاثي الطبي، وفرض قرارتها على الجهات الممولة، وإدارة شؤون المستشفيات والمراكز الصحية.

ووجّه فرع «مؤسسة مكافحة السرطان» في إب نداء استغاثة جديداً، هو الثالث خلال الأشهر القليلة الماضية، لدعم «مركز الأمل لعلاج الأورام» التابع لها، ومدّه بالأدوية والمستلزمات التي يحتاجون إليها لعلاج المرضى.

أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

وأعلن فرع مؤسسة مكافحة السرطان، في بيان له، تسجيل 753 حالة إصابة جديدة بمرض السرطان في إب خلال العام الحالي، موضحاً أن معظم المرضى الذين يتوافدون حالياً على مركز الأمل لعلاج الأورام، وهم من الأسر الفقيرة والأشد فقراً، لا يتحصلون على الرعاية الطبية؛ بسبب شح الإمكانات.

زيادة في المصابين

واشتكى فرع المؤسسة في بيانه من أن التزايد المستمر في أعداد المصابين بالمرض يُحمّل المؤسسة ومركز الأورام تبعات كثيرة في الوقت الذي يعانيان قلة الإيرادات والافتقار للدعم الثابت؛ ما يجعلهما غير قادرين على توفير، ولو الحد الأدنى من الخدمات التشخيصية والصحية للمرضى.

وناشد البيان الجهات ذات العلاقة والمنظمات ورجال الأعمال، بإسنادهم بالدعم من أجل الاستمرار بتقديم الخدمات الصحية التشخيصية والعلاجية للمرضى.

مبنى فرع مؤسسة مكافحة السرطان في إب (فيسبوك)

وذكرت مصادر طبية في إب لـ«الشرق الأوسط»، أن المحافظة الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية، شهدت مئات الإصابات الجديدة بالمرض، بالتزامن مع معاناة كبيرة لأكثر من 6 آلاف مصاب من مختلف الأعمار.

موارد محدودة

اشتكى عدد من المرضى من انعدام العلاج وانقطاع الخدمات الطبية، لافتين إلى أنهم يواجهون خطر الموت جراء فشل الجماعة الحوثية في إدارة المرافق الصحية وعبث قادة الجماعة بالموارد والمساعدات والإتجار بها في السوق السوداء.

وبيَّنوا لـ«الشرق الأوسط»، أنهم لا يزالون يعانون مضاعفات كبيرة وظروفاً حرجة في ظل سياسات حوثية خاطئة تستهدف جميع مؤسسات ومراكز مكافحة السرطان في المحافظة وأثرت سلباً على تلقيهم الرعاية الطبية.

يقول عبد الله، وهو شاب من مدينة العدين غرب المحافظة، وقدِم إلى فرع مؤسسة مكافحة السرطان لعلاج والدته التي تعاني سرطاناً في الحلق، إنه تردد على فرع المؤسسة لأكثر من 3 أيام؛ أملاً في الحصول على الرعاية الطبية لوالدته، لكن دون جدوى.

قادة حوثيون يفرضون وجودهم في افتتاح مركز لمعالجة الأورام في إب اليمنية بتمويل من فاعلي خير (إعلام حوثي)

ويعبّر عبد الله لـ«الشرق الأوسط» عن شعوره بالحزن والأسى وهو يرى والدته تصارع المرض، بينما يعجز حتى اللحظة عن تأمين جرعة العلاج الكيماوي لها وبعض الأدوية الأخرى؛ بسبب انعدامها في فرع المؤسسة، وارتفاع تكلفتها في العيادات الخارجية والصيدليات التي تتبع أغلبها قيادات حوثية.

ويشير عاملون في فرع المؤسسة المعنية بمكافحة السرطان في إب خلال أحاديثهم لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن مركز الأمل لعلاج الأورام التابع لمؤسسة مكافحة السرطان، لا يزال يُقدم كل ما يمكن من خدمات مجانية للمرضى، رغم تكرار الاستهداف الحوثي له ومنتسبيه، معتمداً على القليل جداً من التبرعات المقدمة من بعض الجهات وفاعلي الخير.

وطالب العاملون المنظمات الدولية والمعنيين بسرعة إنقاذ مرضى السرطان الذين يواجهون خطر الموت ويتجمعون يومياً بالعشرات أمام المراكز والمؤسسات والمستشفيات في المحافظة، أملاً في الحصول على الرعاية الصحية المناسبة.

القطاع الصحي في اليمن يعيش وضعاً متردياً تحت سيطرة الجماعة الحوثية (إ.ب.أ)

وأقرَّت الجماعة الحوثية سابقاً بارتفاع عدد مرضى السرطان بعموم مناطق سيطرتها إلى نحو 80 ألف مريض.

وأطلق فرع «مؤسسة مكافحة السرطان» في إب، أواخر أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، نداء استغاثة، بعد بلوغ أعداد المرضى المسجلين لدى فرع المؤسسة بالمحافظة وقتها 6060 حالة.

وقبل ذلك بأشهر أطلق الفرع نداء استغاثة مماثلاً، لدعم «مركز الأمل لعلاج الأورام» التابع له، والذي يواجه الإغلاق الوشيك نتيجة نقص الدعم وغياب التمويل.