التلوث والعمران يهددان ملاذ الطيور المهاجرة في تونس

التلوث والعمران يهددان  ملاذ الطيور المهاجرة في تونس
TT

التلوث والعمران يهددان ملاذ الطيور المهاجرة في تونس

التلوث والعمران يهددان  ملاذ الطيور المهاجرة في تونس

يسبح سرب من البط المهاجر في سبخة السيجومي في تونس ويقتات وسط نفايات منزلية، وبالقرب من منفذ لمياه صرف في موقع مصنّف، يندّد عدد كبير من محبّي الطبيعة بعدم حمايته من التلوث والعمران المتزايد من حوله، وفق تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وتُعد سبخة السيجومي إحدى أهم المناطق الرطبة في تونس، ويشكّل التلوث والفيضانات خطراً على الطيور المهاجرة التي تتخذ منها سكناً في فصل الشتاء.
ويقول حمدي (31 عاماً)، وهو من سكان منطقة سيدي حسين المتاخمة للبحيرة، «حبّذا لو تُهيأ السبخة ويصبح المنظر أجمل ونتخلص من الأوساخ ومشكلة مياه الأمطار».
وتمثل البحيرة خزاناً لمياه أمطار الفيضانات الموسمية وتُصنف ثروة طبيعية مهمّة وملاذاً لكثير من أصناف الطيور المهاجرة التي تصل إلى تونس في فصل الشتاء للتعشيش والتكاثر على غرار النحام الوردي (الفلامينغو) والبط وطيور أخرى. لكن على الرغم من جمال الموقع، فهو لا يستقطب التونسيين الذين يعدونه نقطة سوداء جرّاء التلوث المحيط به، وقد أصبح أشبه بـ«مصب للنفايات».
وتسعى الحكومة إلى القيام ببعض الأعمال في المكان، بينها وضع إسمنت في جزء منه، الأمر الذي يثير قلق جمعية بيئية تخشى عدم مراعاة نظام التأقلم الخاص بأسراب الطيور المهاجرة التي تتخذ من الموقع مكاناً للتكاثر.
وتمتد سبخة السيجومي على 2600 هكتار. وكانت تصل مساحتها إلى 3500 هكتار لكنها تقلصت بسبب تكديس بقايا عمليات البناء والردم وبسبب التمدد العمراني وتوسّع الأحياء السكانية المتاخمة.
وتتركز كثافة سكانية عالية حول سواحل البحيرة حيث يقيم نحو 50% من مجموع سكان العاصمة بمعدل 2800 شخص في الكيلومتر المربع.
وتنقسم البحيرة إلى جزأين: قسمها الشمالي تتكدس فيه أكوام من النفايات الصلبة وأسراب البعوض التي تمنع أياً كان من الوقوف مطوّلاً في المكان، بينما النصف الجنوبي لا يزال محافظاً على طابعه الطبيعي، حيث يفرد النحام الوردي أجنحته الوردية في مجموعات ويضفي على المكان جمالاً.
ولم تعد البحيرة قادرة على استيعاب كل مياه الأمطار بسبب ارتفاع منسوب الترسبات فضلاً عن مواد صلبة تُلقى عشوائياً فيها منذ 2009، وبلغت 1,8 مليون متر مكعب، حسب الدراسات الحكومية الأولية.
ويصبّ نحو 223 مجرى مياه غالبيتها منزلية وصناعية غير مراقبة في السبخة. إلى جانب ضفافها، توجد مجمّعات للخردة تحتوي على ملايين الأطنان من هياكل سيارات وشاحنات وبقايا أجهزة منزلية. وتمكن مشاهدة أزواج البط تسبح وتقتات على الفضلات بالقرب من هيكل ثلاجة أكله الصدأ.
ويقول حمدي، وهو صاحب محل تجاري بمنطقة سيدي حسين المجاورة للبحيرة وحيث الكثافة السكانية عالية: «في الشتاء تُغمر كل هذه الأحياء بمياه الأمطار وتتعطّل الحياة وحتى المدارس تقفل أبوابها». أما البعوض في فصل الصيف، «فحدّث ولا حرج».
وتؤكد الخبيرة في مكتب شمال أفريقيا بمنظمة «الصندوق العالمي للطبيعة» إيمان الرايس، أن السبخة «تحمي السكان من الفيضانات، ولكن عندما نقوم ببناءات عشوائية من حولها، فهذا يتحوّل إلى تهديد للسكان، إذ إن مياه الفيضانات لن تجد مسالك للوصول للسبخة».
وإزاء تدهور الوضع البيئي للموقع، بدأت الحكومة التونسية في عام 2015 إعداد دراسة للبحيرة لحمايتها من التلوث وإعادة هيكلة قنوات تجميع مياه الأمطار وتطهيرها والاستفادة اقتصادياً من الموقع عبر تجهيز مساحات للبناء.
كما أن المشروع الذي تبحث الدولة عن تمويل يتجاوز الـ150 مليون دولار لإنجازه، «سينقذ رئة العاصمة ويحافظ عليها بشكل مستدام»، وفقاً لنادية قويدر، المسؤولة عن مشروع التهيئة في وزارة التجهيز.
لكن أعضاء في منظمة «أحباء الطيور» يعترضون.
وكان ثلاثة منهم يتفقدون السبخة، وقد حملوا مناظرهم على أكتافهم ونزلوا منحدراً بالقرب من مرصد من خشب شيّدوه على ضفاف البحيرة لمراقبة أعداد النحام الوردي ومختلف الطيور التي تأتي من شمال البحر الأبيض المتوسط بحثاً عن الغذاء والأمان.
ويشيرون إلى أن الموقع حاصل على تصنيف «رامسار» في عام 2007، وهي معاهدة دولية للحفاظ والاستخدام المستدام للمناطق الرطبة.
ويؤكد المنسق العلمي لجمعية «أحباء الطيور» هشام أزفزف، لوكالة «الصحافة الفرنسية»، أن سبخة السيجومي هي رابع أهم منطقة رطبة في شمال أفريقيا نظراً للتنوع الحيوي الفريد الذي تحويه، إذ وصل إليها أكثر من 126 ألف طائر مائي هذا الشتاء.
ويلفت أزفزف إلى أن المنظمة ليست ضد المشروع الحكومي برمّته، ولكن من بين النقاط السلبية التي يتضمنها حفر السبخة وتعميقها، وهذا «سيحرم العديد من الطيور مثل أنواع من البط والنحام الوردي من الغذاء لأنها لا تستطيع الغوص عميقاً وستهجر المنطقة».
ويضيف: «هذا المشروع إن لم يأخذ بالاعتبار خصوصية المنطقة البيئية، سيقلب النظام البيئي فيها».
وتشدّد المسؤولة عن مشروع التهيئة في وزارة التجهيز من جهتها على أن «نحو ثلث مساحة البحيرة فقط سيتم تعميقه بنحو متر إضافي، وستُترك مساحات للطيور».
وتتابع: «في حال لن نتدخل، سنخسر أكثر من مساحتها بسبب الردم».
غير أن الرايس لا تُبدي تفاؤلاً بخصوص المشروع. وتلفت إلى أن تونس من بين دول البحر الأبيض المتوسط التي تهددها التغيرات المناخية، و«مع تسارع ظاهرة التغيرات المناخية مثل الفيضانات والتصحّر، حين نحافظ على هذه المساحات الخضراء، نخفّف من حدة هذه الظاهرة».
وترى المنظمات أن «الصراع صعب» من أجل حماية الطبيعة وتحسيس المجتمع لكي «يكون أقرب إلى الطبيعة».
لكن حمدي لا يعلق آمالاً كبيرة على المشروع في ظلّ أزمة اقتصادية تعيشها البلاد. ويقول: «من الصعب أن تُنجز هكذا مشاريع وحال البلاد الاقتصادي معطلّ».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».