فضائح المثقفين!

فضائح المثقفين!
TT

فضائح المثقفين!

فضائح المثقفين!

سقط القناع عن فيلسوف ومناضل فرنسي لامع، بعد أربعين عاماً على رحيله... لكنّ عشرات المثقفين الذين رجموه بالحجارة ما زالوا يتلطّون خلف الأستار لم ينكشفوا...!
الصديق المقرب للفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، وهو أيضاً فيلسوف يُدعى غاي سورمان، اتهمه باغتصاب وممارسة الجنس مع أطفال فوق جثث الموتى في المقابر خلال إقامته في «سيدي بوسعيد» بتونس، أواخر الستينات...
صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية ذكرت في تقريرها أن غاي سورمان، البالغ من العمر 77 عاماً، الذي رافق فوكو مع مجموعة من الأصدقاء في زيارة لقرية بوسعيد التونسية في أثناء عطلة عيد الفصح عام 1969، شاهد «أطفالاً صغاراً، تتراوح أعمارهم بين 8 و10 سنوات، يلاحقون فوكو قائلين: ماذا عنّي، خذني... فيما كان فوكو يرمي الأموال عليهم ويقول لهم سنلتقي في المكان المعروف عند الساعة العاشرة مساءً... أي مقبرة القرية».
تعد الفترة التي قضاها الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، في تونس حافلة بالنضال، حيث كان ملهماً لعشرات الشباب اليساريين الذين وجدوا فيه صورة المثقف الملتزم بقضايا العمال والعدالة والحرية ضد نظام بورقيبة، لكنه على الجانب الشخصي كان ميّالاً لنزعة تحررية منحّلة، وعالجت كتاباته مواضيع كالإجرام والجنون والعقوبات والسجون. أرّخ للجنس، في كتاب «تاريخ الجنسانية»، وكتب «حب الغلمان عند اليونان»، وفي 1977 وقّع عريضة طالب فيها بتشريع ممارسة الجنس مع الأطفال في سن الـ13 عاماً.
لكنه أضفى على نزعته الهمجية هذه بُعداً فلسفياً، فقد رأى أن أي قانون، وأي معيار مهما كان أخلاقياً، هو شكل من أشكال الاضطهاد من الدولة والبرجوازية المتحالفة معها.
لكنّ تلك الجرائم لم تكن نزعة منحرفة فقط بل كانت تعبيراً عن شعور بالتفوق والاستعلاء يمارسه كتاب ومثقفون وحتى فلاسفة ضد شعوب أقل نمواً وثراءً... نفسه صديقة سورمان يوضح أنّ فوكو لم يكن ليتجرأ على فعل كهذا في فرنسا، وقارنه بالرسام بول غوغان الذي كان يمارس الجنس مع الفتيات الصغيرات اللواتي رسمهن وهو في جزيرة تاهيتي، وكذا الروائي أندريه جيد الذي كان يتصيّد الأطفال في أفريقيا. واعتبر سورمان أنّ لهذه التصرّفات «بعداً استعمارياً... إنّها الإمبريالية البيضاء».
ما فعله الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، هو كارثة أخلاقية، ولكنّ هناك العشرات من المفكرين والمثقفين في الغرب والشرق مارسوا ما هو أبشع... شاعر فرنسا ورئيسها المؤقت الشاعر ألفونس دو لامارتين أمر بسجن الأمير عبد القادر الجزائري، بشكل يتنافى مع القيم التي جاهر بها لامارتين، فبعد مدة قضاها أسيراً في طولون، قررت الحكومة الفرنسية بأمر من الشاعر ألفونس دو لامارتين في أبريل (نيسان) 1848 نقل الأمير و77 من عائلته للاحتجاز في قصر هنري الرابع القديم. ومثله أيضاً الروائي فيكتور هيغو انضمّ هو الآخر لعريضة تطالب باستمرار احتجاز عبد القادر الجزائري، بل دعا لاستمرار احتلال الجزائر «لأننا سوف نحمل إليها الحضارة»...
سقط القناع عن ميشيل فوكو، نجم الفلسفة والفكر في السبعينات، وعلى رأي النعمان بن المنذر: «قد قيل ما قيل إن صدقاً وإن كذباً فما اعتذارك من قول إذا قيلا»... لكن عشرات المثقفين وأدعياء الفكر والدين الذين اصطفّوا مع الظلم والطغيان وبرّروا جرائم الجلادين، من صدام حسين لمعمر القذافي وغيرهما، هؤلاء رأينا بعضهم ينبري لرجم ميشيل فوكو...! أسوأ منهم بعض مثقفي التيار الإسلامي الذين استغلوا فضيحة فوكو للتصويب على اليسار التونسي تحديداً، واستغلالها ضمن معركتهم السياسية والآيديولوجية هناك... كأنهم وأحزابهم وتياراتهم ملائكة منزّهون ومطهّرون، في تصرف يكشف ما قاله أحدهم: «ثراء العقول وفقر الضمائر».



«الزامبو» أحد أغرب المهرجانات في المنطقة العربية

الأطفال يحبون الزامبو (إنستغرام)
الأطفال يحبون الزامبو (إنستغرام)
TT

«الزامبو» أحد أغرب المهرجانات في المنطقة العربية

الأطفال يحبون الزامبو (إنستغرام)
الأطفال يحبون الزامبو (إنستغرام)

كما كل سنة، احتفلت مدينة الميناء في طرابلس، شمال لبنان، بواحد من أغرب المهرجانات التي يمكن أن تراها على الإطلاق. مهرجان «الزامبو» السنوي الذي يخرج له الأهالي في صباح الأحد الذي يسبق صيام الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي.

الزامبو واحد من أغرب المهرجانات في المنطقة العربية (إنستغرام)

تجمّع صباح الأحد، عشرات المشاركين في شوارع الميناء، وقد ارتدوا الأقنعة أو رسموا وجوههم بالأسود والذهبي والفضي والأصفر، وما بدا لهم من الألوان. بعض المشاركين قرروا أن يطلوا أجسادهم أيضاً، ويزينوها كأنها لوحات، رغم البرد والحرارة المتدنية، وساروا في الأزقة، يتبعهم الأولاد، ويلحق بهم السياح الذين جاءوا خصيصاً لحضور هذا العرض العفوي الشعبي، الذي توارثه أهالي هذه المدينة الساحلية، منذ أكثر من مائة سنة.

وبصحبة الموسيقى، وصيحات زامبو... زامبو... سار الموكب، وهو يكبر، وتنضم إليه مجموعات جديدة، كلما مرّ في حيّ يتبعه الأهالي، بينما المتنكرون يضعون على رؤوسهم الريش كالهنود الحمر، أو القبعات الغريبة. وقد تظن أن المحتفلين آتون من إحدى دول أميركا اللاتينية، وهم يرقصون على قرع الطبل الذي يرافقهم، ويحملون بأيديهم السيوف والرماح، ويرددون كلمات أفريقية.

الريش جزء مهم من أدوات الاحتفال (إنستغرام)

وهو بحق مشهد للفرجة، ويستحق هذا التوافد من أماكن مختلفة لحضور طقس، من الصعب رؤيته في أي مكان آخر، في المنطقة العربية، علماً بأنه محلي، من صلب بيئة المدينة، وإرث جميل تتناقله الأجيال وتحرص عليه.

وبعد انتهاء الجولة الاحتفالية السنوية التي تنتظرها طرابلس من سنة إلى أخرى، وصل ركب المتنكرين إلى شاطئ البحر كما تجري العادة، وقفزوا في الماء، وسط ذهول السياح الذين يرون أن الحرارة أبرد من أن تحتمل الأجساد السباحة. لكن لحسن الحظ كان الجو مشمساً، ولا بد مهما كانت الحرارة، أن يرمي هؤلاء المحتفلون أنفسهم في البحر، ويغسلوا وجوههم وأجسادهم من رسومات الفحم والألوان التي تزينوا بها، ليعودوا وكأنما تطهروا، ليبدأوا موسم الصوم.

وإن أحببت معرفة أصول هذا المهرجان ومتى ولد، فستجد صعوبة في ذلك. إذ تتعدد الروايات حول تاريخ ولادته، أو سبب وجوده أصلاً. وثمة إجماع على أن هذا الطقس السنوي يعود لأكثر من مائة سنة، وكان يقوم به عدد محدود من الناس، لا يتجاوز العشر في بعض السنوات، يجوبون الأزقة والأحياء، وهم متنكرون. وكان يحدث هذا يوم الاثنين، وربما بسبب وقوع العطلة يوم الأحد تم تغيير يوم الاحتفال.

الأجساد تتحول إلى لوحات (إنستغرام)

وما يرويه الأهالي هنا أن المهرجان ولطرافته، خصوصاً بعد انتهاء الحرب الأهلية في بداية التسعينات، أخذ شكلاً مرحاً واحتفالياً، وأحبه الناس، وباتوا يتجمعون بشكل أكبر من أجله، إلى أن ذاع صيته، وبات السياح يتقصّدون وجودهم مع موعده ليستمتعوا برؤيته.

ويقول البعض إنه يرمز إلى الانتقال من الوثنية إلى المسيحية. ويتحدث آخرون عن أنه مهرجان حمله معهم المغتربون اللبنانيون الذين هاجروا إلى البرازيل وعادوا، وأحبوا أن يعيشوا تلك الأجواء التي عرفوها هناك. وثمة رواية أخرى تقول إن الجالية اليونانية التي جاءت لتعيش في الميناء هي التي جلبت «الزامبو» وعاداته معه. أما الرواية الأخيرة فهي أن القوة السنغالية التي كانت مع جيش الانتداب الفرنسي تركت عاداتها واحتفالها في هذه المنطقة الحميمة من طرابلس على شاطئ البحر. ومن بين الحكايا أيضاً أن أهالي الميناء كانوا مولعين بالأفلام السينمائية، وكانت لهم صالات بالعشرات تعرض الأفلام، وأنهم ربما تحت تأثير شرائط الكاوبوي بدأوا يقيمون هذا الطقس، الذي كبر بمرور الوقت، واكتسب أهمية.

وأياً تكن الجذور، فإن أهالي الميناء احتفلوا الأحد بمهرجانهم الأثير، ورقصوا وابتهجوا وسبحوا، وبدأوا صومهم الذي يتزامن هذه السنة مع شهر رمضان المبارك للمسلمين. ولم تعد الكنيسة تتحسس من هذا الاحتفال الذي لا علاقة له بالدين، ولا بالعبادات، وإنما هو مرح وفرح وضحك ورقص وموسيقى، وإن كان تم توقيته قبيل الصوم الكبير الذي يبدأ يوم الاثنين لدى الطوائف المسيحية.