بري يردّ طلب دياب «تفسير الدستور»: البلد في خطر وغرقه سيشمل الجميع

في جلسة تشريعية أقرت قانون استرداد الأموال المنهوبة

بري مترئساً جلسة البرلمان أمس (الوكالة الوطنية)
بري مترئساً جلسة البرلمان أمس (الوكالة الوطنية)
TT

بري يردّ طلب دياب «تفسير الدستور»: البلد في خطر وغرقه سيشمل الجميع

بري مترئساً جلسة البرلمان أمس (الوكالة الوطنية)
بري مترئساً جلسة البرلمان أمس (الوكالة الوطنية)

ردّ رئيس البرلمان نبيه بري كرة «تصريف أعمال الحكومة» إلى رئيسها حسان دياب، مؤكدا أن الدستور لا يحتاج إلى تفسير وعمل هذه الحكومة مرتبط بكل الأمور الضرورية التي تفيد أو تدفع الضرر عن الشعب، معلناً أنه أبلغ دياب «فليذهبوا ويشتغلوا».
كلام بري جاء خلال ترؤسه أمس (الاثنين) جلسة تشريعية للبرلمان أقر خلالها قانونا يتعلق بإعطاء سلفة خزينة لمؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 300 مليار ليرة، واقتراح قانون يتعلق باسترداد الأموال المتأتية من الفساد. وأحال المجلس إلى اللجان اقتراح قانون يتعلق بإعطاء تعويضات للجسم الطبي نتيجة جائحة «كورونا».
وفي افتتاح الجلسة، قال بري في مداخلة له: «المطلوب تطبيق القوانين، كنا بـ73 قانونا لم تطبق وصرنا الآن بـ74»، مستشهدا بما كان يقوله الوزير السابق يوسف جبران: «على المحامي أن يربح الدعوى مرتين مرة حين إصدار الحكم ومرة أخرى عند التنفيذ، وهذا الأمر يجب أن يطبق على الأفراد وعلى الدولة».
وحذّر بري من أن «البلد كله في خطر، وآن الأوان كي نستفيق. وإذا غرق البلد سيغرق الجميع من دون استثناء، وتغيير الدستور ليس موجودا على جدول أعمالنا. فيما يتعلق بالمادة 64 من الدستور، هذا النص لم يكن موجودا قبل الطائف. فيما يتعلق بالحكومة المستقيلة وصلاحياتها، الصلاحيات التي عندها هي النطاق الضيق، الدستور في هذا المجال لا يحتاج إلى تفسير فهو واضح تماما، يعني كل الأمور الضرورية التي تفيد أو تدفع الضرر عن الشعب».
وأضاف بري: «أتعجب بأن الحكومة لديها كل هذا الشغل، مع الأسف الشديد يأتون الآن ويطالبوننا بأن نفسر الدستور، هذا أولا. وثانيا، إذا كان المطلوب تغيير الدستور، هذا الأمر ليس موجودا على جدول أعمالنا، وبالتالي فليذهبوا ويشتغلوا، هذا ما أبلغته لرئيس الحكومة اليوم».
وكان دياب قد أصدر بيانا الأسبوع الماضي ردا على ما قال إنها «أصوات تتهمنا بالتقاعس عن تصريف الأعمال»، معتبرا أن «الجدل القائم حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال يؤكد الحاجة إلى تفسير دستوري يحدد سقف تصريف الأعمال ودور الحكومة المستقيلة في ظل الواقع القائم الناتج عن تأخر تشكيل حكومة جديدة. وهذا التفسير هو في عهدة المجلس النيابي الذي يمتلك حصرا هذا الحق».
وتطرق بري إلى تشكيل الحكومة المتعثر قائلاً: «البلد كله في خطر، البلد كله تايتانيك. هذا الكلام يحكى في الأوساط العالمية. لقد آن الأوان أن نستفيق لأنه في النهاية إذا ما غرقت السفينة فلن يبقى أحد وسوف يغرق البلد، وإذا غرق فسيغرق الجميع من دون استثناء».
وبعد إقرار بإعطاء سلفة خزينة لمؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 300 مليار ليرة، انتقل المجلس إلى مناقشة القانون المتعلق بالأموال المتأتية من الفساد المقدم من تكتل «التيار الوطني الحر»، الذي أقرّ بموافقة كل الكتل النيابية.
وكان تعليق من النائب في «القوات» جورج عقيص على الموضوع قائلا: «هذا القانون مبني على فكرتين. الربط بين القانون والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والصندوق مرتبطان باتفاقية سان دييغو، وعدم السير به هو رسالة سلبية».
بدوره، أكد النائب في حزب القوات جورج عدوان في الجلسة أن «المسألة ليست بسن القوانين بل بتنفيذها وعشرات القوانين أقرت ولم تنفذها الحكومة ومجلس النواب يقوم بدوره».
وبعد الجلسة اعتبر أمين سر تكتل «لبنان القوي» النائب إبراهيم كنعان أن قانون استعادة الأموال المتأتية من جرائم الفساد، المعروف بـ«الأموال المنهوبة»، يضع لبنان جديا تشريعيا بالمعاهدة الدولية للأمم المتحدة التي تفتح التعاون وتبادل المعلومات والتعاون القضائي مع أكثر من 90 دولة. و«هذا الموضوع أساسي، وليس مسألة مزايدات شعبوية وإعلامية وسياسية، والرهان يبقى على استكمال المنظومة التشريعية من خلال إقرار المحكمة الخاصة للجرائم المالية، التي باستقلاليتها عن السلطة السياسية وانتخاب أعضائها، من المجتمع المدني والجسم القضائي، تعطي إمكانية لعدالة حقيقية في لبنان ولكشف الجرائم المالية برمتها من خلال هذا التشريع».
وأكد أن «التنفيذ يبقى للقضاء المستقل، الذي يحتاج لتشريعات جديدة، وهذه التشريعات موجودة في لجنة المال والموازنة أو بلجنة الإدارة والعدل، ونحن جديون بالذهاب حتى النهاية لإصدار هذه القوانين، ولينتظم عمل القضاء والمؤسسات الدستورية تحت سقف القانون والمحاسبة العمومية والدستور، لا المزاجيات التي أوصلتنا بالسياسات العشوائية والغوغائية التي شهدناها سابقا وأوصلتنا إلى الانهيار الذي نحن فيه اليوم».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.