المحتجون يصعدون تحديهم للحكم العسكري في ميانمار

تايلاند تستعد لتدفق اللاجئين بعد أعمال القمع العسكرية

المحتجون خلف المتاريس أمس الاثنين في يانغون (رويترز)
المحتجون خلف المتاريس أمس الاثنين في يانغون (رويترز)
TT

المحتجون يصعدون تحديهم للحكم العسكري في ميانمار

المحتجون خلف المتاريس أمس الاثنين في يانغون (رويترز)
المحتجون خلف المتاريس أمس الاثنين في يانغون (رويترز)

بعد أكثر الأيام دموية منذ الانقلاب العسكري في الأول من فبراير (شباط)، الذي أسفر عن مقتل 114 شخصاً خلال عطلة نهاية الأسبوع، نزل آلاف المحتجين إلى الشوارع في العديد من مدن ميانمار مرة أخرى، أمس الاثنين، عازمين على إظهار معارضتهم للعودة إلى الحكم العسكري بعد عقد من الإصلاح الديمقراطي، طالبين مساعدة المجتمع الدولي في الضغط على قادة الانقلاب من أجل العودة للديمقراطية وإطلاق سراح القيادات المدنية المنتخبة. ورغم أعمال العنف، خرجت الحشود في بلدات بمختلف أرجاء البلاد، وفقاً لوسائل الإعلام ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي. وقال شاهد العيان ثيها سوي لـ«رويترز»، إن قوات الأمن «كانت تطلق النار عشوائياً... حتى على فريق الصليب الأحمر. لا يزال الأمر مستمراً وأنا أتحدث إليكم». وقُتل شخص وأصيب عدد آخر عندما أطلقت قوات الأمن النار في أحد أحياء يانغون أمس. وقال سوي إن القتيل (20 عاماً) «أصيب برصاصة في رأسه». ولم ترد الشرطة والمتحدث باسم المجلس العسكري على مكالمات «رويترز» لطلب التعليق. وقال الصليب الأحمر في ميانمار في رسالة، إنه يتحقق من صحة هذا التقرير. ودعت لجنة الإضراب العام للقوميات، وهي إحدى جماعات الاحتجاج الرئيسية، في رسالة مفتوحة على «فيسبوك»، قوات الأقليات العرقية، إلى مساعدة أولئك الذين يتصدون «لقمع» الجيش. وقالت اللجنة «يجب على التنظيمات العرقية المسلحة مجتمعة أن تحمي الناس».
وأدانت الحكومة الألمانية بأشد العبارات العنف الذي يمارسه الحكام العسكريون في ميانمار. وقال شتيفن زايبرت المتحدث باسم الحكومة الألمانية، أمس الاثنين، «هذا العنف الوحشي وصل مطلع الأسبوع الحالي للأسف إلى هوة جديدة محزنة». وأضاف زايبرت أن من المروع مشاهدة ضحايا للقتل بينهم أطفال أيضاً بشكل يومي تقريباً. وأشار زايبرت إلى التهديدات الصادرة عن حكام ميانمار، ووصف هذه التهديدات بالصادمة، وقال إن حكومة بلاده تطالب بالتخلي الفوري عن استخدام العنف وإطلاق سراح المعتقلين وعودة عمل المؤسسات الديمقراطية. من جانبها، قالت متحدثة باسم وازرة الخارجية إن السفارة الألمانية في ميانمار لا تزال تعمل.
وقالت روسيا، الحليفة لميانمار، الاثنين، إنها قلقة من العنف الذي يستهدف المدنيين. وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين للصحافيين، «نحن قلقون للغاية من تزايد عدد الضحايا المدنيين»، مضيفاً أن روسيا تطور علاقاتها مع ميانمار، لكنها لم تتغاض عن العنف. وفي اليوم السابق نزل المتظاهرون مجدداً إلى الشوارع غداة يوم السبت الأكثر دموية منذ الانقلاب مع مقتل 107 أشخاص على الأقل بينهم سبعة أطفال، في أعمال عنف نددت بها المجموعة الدولية بشدة. وقالت منظمة مساعدة السجناء السياسيين إن عدد القتلى منذ الانقلاب ارتفع إلى 423 على الأقل.
ونزل متظاهرون في وقت مبكر الأحد حاملين الأعلام إلى شوارع باغو بشمال شرقي رانغون وفي مونيوا (وسط) ومدينة موي كونغ الصغيرة في ولاية كاشين (شمال). وفي ماندالاي وجهت عائلة آيي كو، وهو أب لأربعة أطفال قتل ليل السبت الأحد، تحية له خلال مراسم نظمت الأحد. وقال أحد أقربائه لوكالة الصحافة الفرنسية، «كان المعيل الوحيد للعائلة، وخسارته تشكل خسارة كبيرة لنا».
ووصف الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الأحد، عنف الجيش في ميانمار بأنه «فظيع للغاية»، وقال إن واشنطن تعمل على فرض عقوبات. وقال بايدن في تصريحات نقلها صحافيون معه على متن الطائرة أثناء عودته من ديلاوير إلى واشنطن، إن الوضع في ميانمار «مروع». ورداً على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة سترد بفرض عقوبات، قال بايدن «نحن نعمل على ذلك الآن». وأضاف: «إنه أمر مشين للغاية، وبناءً على التقارير التي تلقيتها فقد قُتل عدد كبير من الأشخاص من دون أي داعٍ على الإطلاق». بدوره قال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، «التصعيد غير مقبول للعنف»، واصفاً ما جرى في هذا البلد بـ«يوم الرعب والعار». وقال بوريل، «سنواصل استخدام آليات الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك العقوبات، لاستهداف مرتكبي أعمال العنف هذه والمسؤولين عن إعادة مسار الديمقراطية والسلام إلى الخلف»، مطالباً «بمحاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على أفعالهم المخزية». وفي بيان مشترك، قالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، والمستشارة الخاصة للأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية أليس ويريمو نديريتو، إنه «يجب فوراً وقف الأعمال المخزية والجبانة والوحشية لعناصر الجيش والشرطة الذين صوروا وهم يطلقون النار على المتظاهرين أثناء فرارهم، ولم يستثنوا حتى الأطفال الصغار». وأفادت قناة «مياوادي تي في» التابعة للجيش عن سقوط 45 قتيلاً، وتوقيف 552 شخصاً، السبت، مبررة القمع بالقول إن المتظاهرين استخدموا أسلحة وقنابل ضد القوات المسلحة. وتستعد تايلاند لتدفق اللاجئين من ميانمار مع اشتداد وتيرة العنف. وقال رئيس الوزراء بريوث تشان أوشا، أمس الاثنين، «نحن على دراية بقضايا دولتنا الجارة ونحن نقوم بعمل تقديرات، ولكن من الأفضل أن نبقي الأمر داخلياً الآن». وأضاف: «لا نريد تدفقاً كبيراً نحو أراضينا، ولكن في الوقت نفسه علينا أن نأخذ في الاعتبار حقوق الإنسان». وأضاف أن السلطات سوف تعد أماكن لإيواء اللاجئين، ولكنه رفض توضيح مزيد من التفاصيل. وقال «أين سيذهبون، كم سيكون عددهم، سوف نتحدث في هذه الأمور لاحقاً». وقال سيتشاي جيدالوانغ حاكم إقليم ماي هونغ سورن في شمال تايلاند، الأحد، إن الإقليم استقبل بالفعل 2200 لاجئ من ميانمار، ومن المتوقع استقبال المزيد.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.