غويا... تناقضات الفنان

كانت لديه كراهية غريزية للسلطة من أي نوع في السياسة كما في الفن

لوحة «إعدام» الشهيرة لغويا
لوحة «إعدام» الشهيرة لغويا
TT

غويا... تناقضات الفنان

لوحة «إعدام» الشهيرة لغويا
لوحة «إعدام» الشهيرة لغويا

كان الرسام الإسباني فرانشيسكو غويا إي لوسينتيس كومة من التناقضات؛ كان ليبرالياً متعاطفاً في البدء مع الثورة الفرنسية، ولا يعجبه شيء أكثر من الذهاب للصيد مع عدد من الملوك الإسبان المتتالين المطلقي السلطات؛ كان مديراً مساعداً للأكاديمية الملكية في مدريد، ولكنه آمن بأن التدريب الأكاديمي التقليدي عديم الفائدة، مصراً على أنه «لا توجد قواعد للرسم»، وأن «الالتزام الخنوع بجعل الجميع يدرس أو يتبع الطريقة نفسها هو العائق الكبير أمام الشباب».
كان غويا بطبعه معارضاً للكهنوت، مع أنه كان سعيداً بتنفيذ كثير من الصور الدينية المصممة لإرضاء المتعبدين الإسبان الكاثوليك. كانت تلك اللوحات، صراحة، أقرب إلى المبالغة العاطفية: إنه الفنان الذي أبدع «اللوحات السوداء» و«لوس سوينيوس» و«كوارث الحرب» و«الثالث من مايو 1808» و«النزوات». لكن كما يتبين من هذه السيرة المتقصية المتوازنة، فإن كثيراً من هذه الأعمال التي تجد الترحيب غالباً على أنها «حديثة» على نحو مثير لا تمثل فن غويا أو شخصيته، ويساء تفسيرها في الغالب. كان غويا في أثناء حياته مشهوراً بالصور والبورتريهات الدينية، لكننا في الغالب نفضل الأعمال المختلفة جداً التي عملها لنفسها.
في عام 1793، حين كان في السابعة والأربعين، مرض غويا مرضاً شديداً أدى إلى إصابته بالصمم. ويقال إن تلك التجربة سببت له لعنة تمثلت في رؤى كابوسية وخوف من المرض العقلي.
لكن الأقرب أنه لم يتأثر كثيراً بذلك، كما تقترح توملنسون. وبدلاً من أن يتحول إلى شخص مضطرب معزول، ظل غويا طوال حياته اجتماعياً ظريفاً محباً للحياة الأسرية. «اللوحات السوداء»، وهو عنوان يعود إلى القرن العشرين، مثلاً، ربما قصد بها ببساطة أن تمتع أولئك الذين زاروا المنزل الريفي الذي امتلكه عام 1819.
يقول توملنسون إن غويا رسمها على مشهد من الزخارف الواضحة على الجدران هناك، وإنها صممت على شاكلة العروض الكابوسية التي يمكن مشاهدتها في مدريد المعاصرة. كانت في منطقة داخلية مظلمة، ولربما قصد بها أن تجعل الزائر يقفز، وتجعل زيارة غويا لتناول المشروب أشبه بزيارة غير مخطط لها إلى بيت للرعب في منطقة ألعاب. صحيح أن بعضها مروع: رأيت بالصدفة «ساترن يبتلع ابنه» في صباي المبكر؛ وكانت شيئاً مزعجاً، لكن اللوحات الأخرى ليست على الدرجة نفسها من الترويع، وكثير منها طريف بلا ريب، ومن ذلك لوحة «الكلب» التي بولغ في تفسيرها. وعلى رأس الكل البورتريه الجميل لرفيقة غويا، ليوكاديا فايس.
ومن الزاوية نفسها، ينبغي أن نتذكر أن مشاهد السحر الستة لدى غويا، التي اشترتها دوقة أوسونيا، لم تكن سجلاً لعقل تعذبه الرؤى بقدر ما كانت هجاء للخرافات الشائعة التي شجعتها الكنيسة. وفي الوقت نفسه، كان المشهد السيئ السمعة لمأوى المجانين الذي رسمه غويا واحداً من مجموعة لوحات أرسلها إلى الأكاديمية الملكية لكي تناقش. لا نعرف موضوعات اللوحات الأخرى، لكنها كلها كان القصد منها تأكيد أهمية الابتكار والمخيلة.
كان حس النكتة لدى غويا من أكثر صفاته جاذبية، وهي صفة لم يفقدها يوماً. في عام 1824، رسم أربعين مشهداً مصغراً على شظايا من العاج للاستمتاع في أثناء قيامه بتعليم بنت فايس، روزاريو، ذات الأحد عشر عاماً. وصف توملنسون لهذه الروائع الصغيرة التي لا تزيد على إنشين إلى ثلاثة إنشات مربعة تختزل مكمن القوة الأهم لهذا الكتاب، معرفتها المباشرة لتلك الأعمال، المعرفة التي تمكنها من تقييم أهمية ركام الحقائق التي جمعتها لتتبع مسار حياة غويا. ها هي تشرح عملية إبداعها:
«حضّر سطح العاج بمادة لازجة، ربما ببياض البيض أو صمغ عربي، ثم غطاه بكربون أسود ممزوج بقليل من الماء أو صفار البيض. شكل الماء المتساقط على الكربون الأسود الذي ما يزال مبللاً نقطة متعرجة من البياض التي ألهمت الصورة الآتية؛ يمكن مسح السواد المتبقي أو كشطه، وتضاف تفاصيل بضربات صغيرة من الألوان. الشكل الذي خلفه الماء على السطح هو الذي اقترح موضوعاته».
كانت لدى غويا كراهية غريزية للسلطة من أي نوع، في السياسة كما في الفن، لكنه أيضاً وهب غريزة قوية للبقاء. في عام 1799 مثلاً، أخرج مجموعات الثمانين كليشيهاً التي اشتملت على «النزوات»، لكنه سحبها بعد بيع سبع وعشرين منها فقط، ربما خوفاً من محاكم التفتيش (مع أن توملنسون تشكك في هذا التفسير). مهما يكن السبب، فإن قدراً كبيراً من شهرة «النزوات» جاءت بعد موت غويا. ويصدق ذلك على عدد كبير من الأعمال الأكثر شهرة لذلك الفنان. الطبعات الاثنتان والثمانون ضمن سلسلة «كوارث الحرب» التي أنجزها بين عامي 1810 و1820 لم تنشر إلا بعد مرور خمسة وثلاثين عاماً من موته عام 1828. ويبدو أن لوحة «الثالث من مايو 1808» التي تركت أثرها العميق على رسامين جاؤوا فيما بعد، من مانيه إلى بيكاسو، يبدو أنها لم تُرَ في أثناء حياة غويا، وكانت على الأرجح مُخزنة حتى أربعينيات القرن التاسع عشر. لا هي، ولا اللوحة المرافقة لها (الثاني من مايو)، رُسمت قبل مرور 6 أعوام على الأحداث التي تستعيد ذكراها إنهاء التمرد على المحتلين النابليونيين في مدريد، بقيادة واكيم مورات، وإعدامه لكل شخص دارت حوله شبهة الاشتراك في التمرد.
لقد أبقى غويا رأسه مطأطأ في أثناء التمرد، وسارع في ديسمبر (كانون الأول) 1808 إلى أداء قسم الولاء للملك الجديد، جوزيف بونابرت. فقط في عام 1814، بعودة بوربون فيرناندو السابع لاعتلاء العرش، شعر غويا بحرية أن يسجل انطباعاته حول التمرد. كان ما يزال رسام البلاط، والبورتريه الذي رسمه عام 1815 لفيرناندو الشديد القبح ربما يكون أكثر البورتريهات وحشية في تاريخ الفن كله لكائن وحشي يدير الأمور. من حسن حظ غويا أن فيرناندو كان أشد انشغالاً بنفسه من أن ينتبه.
وتنطبق على رسامي البورتريهات عبارة الدكتور جونسون، ببعض التعديل، التي تقول إنهم يعيشون ليمتعوا، وعليهم أن يمتعوا ليعيشوا. لم يكن غويا هكذا؛ رسم الناس بالضبط كما أراد، وليس كما تمنوا أن يراهم الآخرون. أحياناً، في البورتريهات الرسمية بصفة خاصة، يبدو أنه لا يحاول حتى أن يفعل ذلك. على الجانب الآخر من طرفي المعادلة، حين يلغي كل الضوابط في رسم الأصدقاء، ليس بإمكان أي شخص أن يمسه. في تلك الأعمال، كما في لوحته التي رسم بها سيباستيان مارتينيز عام 1792، يتضح أنه أستاذ في عمل الفرشاة. هنا، تقوم توملنسون بدورها الرائع في توضيح هذا العمل وغيره:
«حين رسم لنيل إعجاب محب للفن، استعمل غويا اللون والممارسة بطريقة مهدت لأعظم لوحاته في العقد التالي، مستعملاً صبغة زرقاء ذات سيولة عالية لرسم معطف مارتينيز المتسق مع الموضة، وبحيث يمكن رؤية الأرضية لإيجاد معادل في الرسم يساوي بريق المادة، ثم يضيف خطوطاً خضراء تزيد من وضوح الشكل».
هذه الإنجازات العجيبة كانت نتيجة دراسة غويا المدققة للوحات الرسام الإسباني الشهير فيلازكيز في المجموعة الملكية في أثناء اشتغاله على سلسلة من المطبوعات التي نشرها عام 1778. منذ تلك اللحظة، كان بإمكانه أن يرسم بمستوى فيلازكيز نفسه؛ لكنه فقط لم يرد أن يفعل ذلك. كان غويا مناقضاً حتى النهاية.
مراجعة لكتاب
«غويا: صورة الفنان»
لجانيس توملنسون



احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
TT

احذروا الإفراط في الوقوف خلال العمل

تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)
تحتاج بعض المهن إلى الوقوف فترات طويلة (معهد الصحة العامة الوبائية في تكساس)

توصّلت دراسة أجراها باحثون من جامعة توركو الفنلندية، إلى أنّ الوقوف لفترات طويلة في العمل له تأثير سلبي في قياسات ضغط الدم على مدى 24 ساعة.

وتكشف النتائج عن أنّ الوقوف لفترات طويلة يمكن أن يرفع ضغط الدم، إذ يعزّز الجسم مسارات الدورة الدموية إلى الأطراف السفلية عن طريق تضييق الأوعية الدموية وزيادة قوة ضخّ القلب. وعلى النقيض من ذلك، ارتبط قضاء مزيد من الوقت في وضعية الجلوس في العمل بتحسُّن ضغط الدم.

وتشير الدراسة، التي نُشرت في مجلة «ميديسين آند ساينس إن سبورتس آند إكسيرسيس»، إلى أنّ السلوكيات التي يغلب عليها النشاط في أثناء ساعات العمل قد تكون أكثر صلة بقياسات ضغط الدم على مدار 24 ساعة، مقارنةً بالنشاط البدني الترفيهي.

تقول الباحثة في الدراسة، الدكتورة جووا نورها، من جامعة «توركو» الفنلندية: «بدلاً من القياس الواحد، فإن قياس ضغط الدم على مدار 24 ساعة هو مؤشر أفضل لكيفية معرفة تأثير ضغط الدم في القلب والأوعية الدموية طوال اليوم والليل».

وتوضِّح في بيان منشور، الجمعة، على موقع الجامعة: «إذا كان ضغط الدم مرتفعاً قليلاً طوال اليوم ولم ينخفض ​​بشكل كافٍ حتى في الليل، فتبدأ الأوعية الدموية في التصلُّب؛ وعلى القلب أن يبذل جهداً أكبر للتعامل مع هذا الضغط المتزايد. وعلى مرّ السنوات، يمكن أن يؤدّي هذا إلى تطوّر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية».

وأظهرت دراسات سابقة أنّ ممارسة الرياضة في وقت الفراغ أكثر فائدة للجهاز القلبي الوعائي من النشاط البدني الناتج عن العمل، الذي ربما يكون ضاراً بالصحّة، مشدّدة على أنّ التمارين الرياضية المنتظمة مهمة للسيطرة على ضغط الدم.

وعلى وجه الخصوص، تعدّ التمارين الهوائية الأكثر قوة فعالةً في خفض ضغط الدم، ولكن وفق نتائج الدراسة الجديدة، فإنّ النشاط البدني اليومي يمكن أن يكون له أيضاً تأثير مفيد.

في الدراسة الفنلندية، تم قياس النشاط البدني لموظفي البلدية الذين يقتربون من سنّ التقاعد باستخدام أجهزة قياس التسارع التي يجري ارتداؤها على الفخذ خلال ساعات العمل، وأوقات الفراغ، وأيام الإجازة. بالإضافة إلى ذلك، استخدم المشاركون في البحث جهاز مراقبة ضغط الدم المحمول الذي يقيس ضغط الدم تلقائياً كل 30 دقيقة لمدّة 24 ساعة.

وتؤكد النتائج أنّ طبيعة النشاط البدني الذي نمارسه في العمل يمكن أن يكون ضاراً بالقلب والجهاز الدوري. وبشكل خاص، يمكن للوقوف لفترات طويلة أن يرفع ضغط الدم.

وتوصي نورها بأنه «يمكن أن يوفر الوقوف أحياناً تغييراً لطيفاً عن وضعية الجلوس المستمر على المكتب، ولكن الوقوف كثيراً يمكن أن يكون ضاراً. من الجيد أن تأخذ استراحة من الوقوف خلال العمل، إما بالمشي كل نصف ساعة أو الجلوس لبعض أجزاء من اليوم».

ويؤكد الباحثون أهمية النشاط البدني الترفيهي لكل من العاملين في المكاتب وفي أعمال البناء، وتشدّد نورها على أنه «جيد أن نتذكّر أنّ النشاط البدني في العمل ليس كافياً بذاته. وأنّ الانخراط في تمارين بدنية متنوّعة خلال وقت الفراغ يساعد على الحفاظ على اللياقة البدنية، مما يجعل الإجهاد المرتبط بالعمل أكثر قابلية للإدارة».