الحكومة اليمنية تستنفر... والانقلابيون يزعمون علاج «كورونا» بالمعجزات

TT

الحكومة اليمنية تستنفر... والانقلابيون يزعمون علاج «كورونا» بالمعجزات

أطلقت الحكومة اليمنية نداء استغاثة للمجتمع الدولي لمساعدتها في مواجهة الموجة الثالثة من فيروس «كورونا»، بعد أن امتلأت مراكز العزل بالمصابين مع نقص شديد في أجهزة التنفس الصناعي ونفاد أسطوانات الأكسجين.
في المقابل، دعت الميليشيات الحوثية - من جهتها - السكان في مناطق سيطرتها إلى الالتزام بما تسميه «الوضع الإيماني» بناء على تعليمات قائدها عبد الملك الحوثي الذي زعمت أن لديه «معجزة» في مواجهة الفيروس، في الوقت الذي حصدت فيه الجائحة عشرات الضحايا؛ بينهم قيادي بارز في الميليشيات ووالدته، و10 من أساتذة الجامعات.
وفي تسجيل لترؤسه اجتماعاً لقيادة الميليشيات، قال أحمد حامد؛ الذي يشغل منصب مدير مكتب رئيس مجلس حكم الانقلاب، إن «العالم يضج من (كورونا)، في حين أننا لا نستعمل كمامة واحدة، وهذا بفضل الرعاية الإلهية الكبرى»، زاعماً أن وسيلة إعلامية غربية بثت تقريراً عن انتشار «كورونا» في اليمن، وقدمت فيه مبررات لانخفاض معدلات الإصابة، وقالت إنه ربما حدثت هناك مناعة القطيع، أو أنه بسبب الوضع الاجتماعي، وأضاف: «لا هذا ولا ذاك؛ نحن نقول إنه الوضع الإيماني لدينا الذي جعلنا التزمنا بتوجيهات القيادة».
مصادر طبية في صنعاء أكدت لـ«الشرق الأوسط» انتشار فيروس «كورونا» في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي بشكل غير مسبوق، وأن 10 من أساتذة الجامعات فارقوا الحياة بعد إصابتهم بهذا الفيروس ودون أن يتلقوا أي رعاية طبية، حيث أغلقت الميليشيات أكبر مركز للعزل في «مستشفى الكويت الجامعي» وحولته إلى مستشفى خاص بمقاتليها.
كما لم تتخذ الميليشيات أي إجراءات احترازية رغم وفاة القيادي في جناحها العسكري زكريا الشامي ووالدته بهذا الفيروس فيما لا يزال والده؛ وهو قائد الجناح السياسي للميليشيات، في غرفة العناية المركزة في حالة صحية حرجة، ومثله رئيس حكومة الميليشيات عبد العزيز بن حبتور.
أما في مناطق سيطرة الشرعية، فجدد وزير الصحة قاسم بحيبح، خلال مؤتمر صحافي عقده في عدن، مناشدة المجتمع الدولي تقديم مساعدات عاجلة للقطاع الصحي لرفع قدرته على مواجهة الأعداد الكبيرة من المصابين بفيروس «كورونا»، وأعلن التوجه لافتتاح 4 مراكز عزل أخرى في مناطق سيطرة الحكومة إلى جانب 16 مركزاً تعمل حالياً. ومن بين المراكز الجديدة؛ مركز في «مستشفى الصداقة» بمدينة عدن لاستيعاب العدد الكبير من الإصابات، وآخر في محافظة أبين، ومثله في محافظة الضالع. وطالب بحيبح بمساعدات عاجلة من أجهزة التنفس الصناعي وأسطوانات الأكسيجين وأدوية غرف العناية المركزة، مؤكداً أن القدرة الاستيعابية لهذه المراكز وصلت إلى ذروتها.
هذه الدعوة أتت مع تطبيق إجراءات احترازية في مناطق سيطرة الشرعية؛ حيث أعلن وقف الدراسة في الجامعات، وإغلاق صالات الأفراح، وإيقاف الأنشطة الرياضية، وتحديد وقت زمني قصير لأداء الصلوات في المساجد مع الالتزام بارتداء الكمامات، ومنح جزء من موظفي الدوائر الحكومية إجازة من أعمالهم، فيما تستعد الوزارة لتسلم أول دفعة من اللقاح بكمية مقدارها 360 ألف جرعة مقدمة من «تحالف اللقاح العالمي» ويتوقع وصولها في آخر يوم من الشهر الحالي.
من جهتها، قالت منظمة «أوكسفام» للإغاثة إن أعداد المصابين بفيروس «كورونا» في اليمن ارتفعت بزيادة 22 ضعفاً مع انتشار الموجة الجديدة من الجائحة. وذكرت في بيان لها أن «الأرقام تشير إلى ارتفاع حاد في عدد الأشخاص الذين يجري إدخالهم إلى مرافق الرعاية الصحية الذين يعانون من أعراض حادة»، وأوضحت أن «العديد من اليمنيين يعانون في منازلهم من أعراض (كورونا) ولا يمكنهم الوصول أو تحمل تكلفة العلاج المنقذ للحياة».
المنظمة في بيانها توقعت أن تشهد البلاد مع حلول موسم الأمطار المتوقع في مايو (أيار) «تهديداً متجدداً من (الكوليرا) التي ستندمج مع (كورونا) لتطغى على النظام الصحي الذي تضرر بالفعل بسبب الحرب والانهيار الاقتصادي».
من ناحيته؛ وجه رئيس بعثة «أطباء بلا حدود»، رفاييل فيخت، الشكر للحكومة الشرعية «على الدعم الأساسي الذي تقدمه السلطات الصحية في اليمن». ومع ذلك؛ قال إن الارتفاع الحاد في حالات الإصابة بفيروس «كورونا» خلال الأسابيع الماضية يعدّ مثيراً للخوف ويشكل مدعاة كبيرة للقلق.
وأضاف أن اليمن «لا يزال يقف في آخر صف الدول التي تنتظر حصولها على اللقاح، مما يُبرز مجدداً عدم تكافؤ فرص الحصول على اللقاح حول العالم، علماً بأنه لم يتلق أحد جرعة منه حتى الآن في اليمن».


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.