المرضى النفسيون في ليبيا... ضحايا الحرب ونقص المشافي

اختصاصيون يرجعون تزايد أعدادهم للضغوط الاجتماعية

TT

المرضى النفسيون في ليبيا... ضحايا الحرب ونقص المشافي

ترى «منظمة الصحة العالمية» أن واحداً من كل خمسة أشخاص في أماكن النزاع بليبيا يعاني من مشاكل تتعلق بالصحة العقلية، ما يتطلب في كثير من الأحيان المساعدة من اختصاصيين، لكن البلاد التي عانت من الحرب والاشتباكات طوال عشرة أعوام تعاني نقصاً في المستشفيات اللازمة لاستقبال هذه النوعية من المرضى.
ويقول محمد غوار مدير مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعصبية بالعاصمة طرابلس، إن «الشريحة الأكبر ممن تضررت صحتهم النفسية بشدة كانوا من المدنيين، بسبب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية  التي أفرزتها الحروب والنزاعات التي شهدتها البلاد، وليس فقط من انخرطوا في الاقتتال على الجبهات، كما يتصور البعض». وأضاف غوار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الحرب في أي مكان بالعالم تعد سبباً رئيسياً في تفاقم الأمراض النفسية، وليبيا ليست استثناء، «إذ زادت نسبة المرضى بعد عام 2011 بمعدل 80 في المائة»، مشيراً إلى أن «المعاناة التي تحملها أرباب الأسر من الحرب وتداعياتها مثل قلة السيولة وأزمات انقطاع الكهرباء استنزفت قواهم النفسية».
ونوّه مدير مستشفى الرازي إلى تردي أوضاع القطاع الصحي منذ سنوات وخصوصاً المتعلقة بالصحة النفسية مما أثراً سلباً على تقديم هذه الخدمة في الوقت الراهن، متابعا: «الرازي أكبر مستشفى حكومي  للصحة النفسية بالبلاد، والوحيد الذي يقدم الخدمة الإيوائية والدواء بالمجان بالمنطقة الغربية، ويضم ما يقرب من 150 سريراً جميعها ممتلئة حالياً، وتستقبل عيادتها الخارجية ما يقرب من 210 إلى 220 مريضاً يومياً، ولدينا 32 طبيباً فقط».
واستكمل غوار قائلاً: «يوجد فقط ثلاث عيادات نفسية حكومية تقدم  خدمات الاستشارة والتشخيص ووصف الدواء، إحداهما بمستشفى طرابلس المركزي والثانية في مدينة مصراتة والثالثة بالزنتان، وبالطبع هذا لا يكفي ولا يتناسب مع عدد السكان بغرب البلاد»، لافتاً إلى «وجود اثنين من المستشفيات الخاصة في العاصمة ولكن تكاليف العلاج بهما مرتفعة».
في السياق ذاته، تحدث محمد عبد الله، الذي ينتمي إلى مدينة أوباري (جنوب غربي ليبيا) عن مأساة شقيقه الأكبر الذي يعاني منذ سنوات مرض الفصام، في ظل عدم وجود مستشفى متخصص في الصحة النفسية في الجنوب. وأشار عبد الله، وهو اسم مستعار نظراً لتخوف صاحبه من «الوصم»، إلى معاناة عائلته المكونة من ثمانية أفراد، وتخوفها من أن يصبح مصير شقيقه الشارع كما هو الحال لبعض المرضى النفسيين هناك، في ظل ارتفاع تكلفة العلاج وعدم توافره إلا بالمدن الرئيسية بشرق وغرب البلاد.
وحول نوعية الإصابات الموجودة في ليبيا، قال غوار: «الاكتئاب يأتي في مقدمة الأمراض النفسية الأكثر انتشاراً بالمجتمع  الليبي يليه الفصام واضطرابات ما بعد الصدمة، بالإضافة إلى نوبات الصرع والهيجان بسبب فقدان المريض لأحد أبنائه في الحرب، أو تهدم منزله في القصف».
ويتضح من بيانات مستشفى الرازي للعام الماضي أن نسبة 24 في المائة ممن ترددوا على عياداتها الخارجية والأقسام الإيوائية  كانت لمرضى جدد، و76 في المائة لمترددين سابقين. 
أما فيما يتعلق بالشرائح العمرية، فيوضح غوار، أن 90 في المائة من المرضى تتراوح أعمارهم ما بين 19 إلى 50 عاما أو أكثر قليلاً، «ويحتل الرجال الشريحة الأكبر منهم»، وهي الفئة الأكثر تعرضاً لتأثيرات الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر.
ولفت غوار إلى «وجود قطاع من الشباب ممن شاركوا في الصراع المسلح منذ 2011 وحتى وقت قريب، يعانون من صدمات نفسية بسبب مشاهدة الدماء والأطراف المبتورة والجثث المشوهة بجبهات القتال، بالإضافة إلى من تعرضوا للخطف والتعذيب». 
ويعتزم مستشفى الرازي قريباً تدشين أول عيادة للطب النفسي للأطفال في ليبيا، وهو الأمر الذي عدّه غوار «يكتسب قدراً كبيراً من الأهمية لما سيوفره من معلومات حول عدد وحالات المرضى النفسيين بتلك الشريحة». 
ويحمل غوار العائلات الليبية جزءا من المسؤولية عما تصل له بعض أوضاع  المرضى النفسيين، بسبب احتجازها لأبنائها في المنازل خوفاً من «الوصم» وهو ما يدفع بعضهم للهروب، ثم تتقطع بهم السبل ليستقروا في الشوارع.
ويلفت نائب مدير مستشفى النفسية ببنغازي حسن العمامي، إلى أن مؤسسته الطبية  «تعد المؤسسة الإيوائية المجانية الوحيدة بمناطق الشرق والوسط والجنوب الليبي». وقال العمامي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «المستشفى يضم 450 سريراً جميعها مشغولة في أغلب الأوقات، كما ستستقبل تقريباً 100 كشف يومي، في ظل وجود 27 طبيبا فقط»، لافتاً إلى أن تكلفة العلاج في الأسبوع الواحد بالمصحات الخاصة تزيد على 4 آلاف دينار ليبي.  ونوّه إلى أن بعض المرضى يتوقفون عن تناول أدويتهم لارتفاع ثمنها مما يؤدي لانتكاس وضعهم الصحي مجددا، وربط بين «حدوث قفزات في أعدادهم إلى وقوع كثير من الشباب في دائرة الإدمان».
وترى مديرة مكتب منظمة الصحة العالمية في ليبيا، إليزابيث هوف، أن «الشعب الليبي بمختلف فئاته العمرية تأثر نفسياً بسبب الصراعات التي استمرت قرابة عشر سنوات».  وحول أعداد المرضى النفسيين الذين وثقتهم المنظمة، في ليبيا، قالت هوف لـ«الشرق الأوسط»: «لا توجد أي آلية للإبلاغ عن بيانات الصحة النفسية».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.