الحزب الحاكم في البرازيل يحتفل بذكرى تأسيسه وسط فضيحة

انخفاض التأييد للرئيسة روسيف بمقدار النصف بعد 3 أشهر على التمديد لها

روسيف أثناء اجتماع مع «المجلس الوطني للتنمية الصناعية» في القصر الرئاسي ببرازيليا (رويترز)
روسيف أثناء اجتماع مع «المجلس الوطني للتنمية الصناعية» في القصر الرئاسي ببرازيليا (رويترز)
TT

الحزب الحاكم في البرازيل يحتفل بذكرى تأسيسه وسط فضيحة

روسيف أثناء اجتماع مع «المجلس الوطني للتنمية الصناعية» في القصر الرئاسي ببرازيليا (رويترز)
روسيف أثناء اجتماع مع «المجلس الوطني للتنمية الصناعية» في القصر الرئاسي ببرازيليا (رويترز)

ارتفعت أهازيج الإنشاد من المؤيدين لحزب العمال: «لولا، محارب الشعب البرازيلي!» أثناء صعود لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، الرئيس البرازيلي الشهير السابق، على المسرح هنا للاحتفال بمرور 35 عاما على إنشاء حزبه.
وكانت تحيط به خليفته، ديلما روسيف، ومعها رئيس أوروغواي المنتهية ولايته خوسيه موخيكا، وكان حريا بلولا أن يتيه فرحا لنجاحات حزبه الانتخابية، حيث يبدأ الولاية الرابعة على التوالي في الحكومة وهو أمر غير مسبوق في تاريخ البلاد.
بدلا من ذلك، فإن فضيحة «شركات النفط الكبرى» المتفاقمة – والتي يزعم المدعون أنه تم خلالها تحويل مئات الملايين من الدولارات خارج العقود التي أبرمتها شركة بتروبراس النفطية المملوكة للدولة – غيمت كسحابة سوداء قاتمة على أجواء الاحتفالات.
يواجه حزب العمال البرازيلي أزمة حقيقية، إذ يتجه الاقتصاد المتعثر ناحية الركود المتوقع هذا العام، في الوقت الذي يقترح فيه وزير مالية روسيف فرض تخفيضات جديدة وزيادة في الضرائب لا تحظى بالشعبية، مع حالة الجفاف الكبيرة التي تضرب المنطقة الاقتصادية الحيوية في جنوب شرقي البلاد. وأظهرت استطلاعات الرأي خلال الأسبوع الماضي هبوط نسبة التأييد للسيدة روسيف بمقدار النصف، عقب 3 شهور فحسب من فوزها بالانتخابات العامة هناك.
وقبل يوم واحد من خطاب لولا هنا، أذاعت القنوات التلفزيونية صورا صادرة عن الشرطة الاتحادية لضباط من الشرطة يعتلون البوابة الخارجية لمنزل خواو فاكاري، أمين صندوق الحزب الحاكم، في مدينة ساو باولو، لاستجوابه حيال التبرعات القانونية وغير القانونية التي أجراها. وأحد كبار الشهود في قضية فضيحة شركات النفط الكبرى يقدر سداد ما يقرب من 150 إلى 200 مليون دولار إلى حزب العمال الحاكم من عقود شركة بتروبراس خلال 10 سنوات. هذا وقد أطلق سراح فاكاري ولم توجه له الاتهامات. وقال لولا «يجب أن أكون حريصا ألا أنقل مشاعر السخط والغضب لدي إلى احتفال العام 35 لحزبنا».
ويناضل حزب العمال الحاكم لإعادة اكتشاف الذات عقب مرور 12 عاما في الحكم، في الوقت الذي تدفعه فضيحة شركات النفط الكبرى إلى اتخاذ الموقف الدفاعي حيالها، حيث تحول الحزب خلال تلك الأعوام من كونه تحالفا مثاليا للعمال، والاتحادات، والمفكرين إلى نخبة سياسية يتصاعد وصمها بالفساد مع مرور الأيام. في استطلاع الرأي السابق، قال 52 في المائة ممن شملهم الاستطلاع إنهم يعتقدون أن روسيف كانت تعلم بحالة الفساد الدائرة في شركة بتروبراس ولم تفعل شيئا لأجلها.
كما تتداول الأقاويل داخل أروقة المعارضة حول إقالة روسيف. ودعت مجموعة صغيرة من المتظاهرين هنا إلى التدخل العسكري من قبل الجيش والعودة إلى الحكم الديكتاتوري للبلاد. وقال محامي فاكاري في بيانه له إن الحزب لم يتلق إلا التبرعات القانونية، ولم تكن تلك التبرعات النقدية بحال من الأحوال. وقال لولا في خطابه «كل ما يصبون إليه هو تجريم الأموال المشروعة التي استخدمها حزب العمال في حملاته الانتخابية. ظل الناس متهمين عن طريق وسائل الإعلام والصحافة».
إنه ذلك الحزب الذي ينص بيانه الأصلي على «يهدف حزب العمال لأن يكون تعبيرا سياسيا حقيقيا لكل أولئك المستغلين بواسطة النظام الرأسمالي». وقد ساعد حزب العمال، من موقعه في السلطة، على تغيير حياة ملايين البرازيليين الفقراء من خلال دعم الدخول والإسكان المقدم للعائلات الفقيرة. لكن الحزب أصابه التورم وصار غير ذي فعالية. حيث يقول غويلهيرم سيمويس، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الاتحادية في ريو دي جانيرو «لقد تحول إلى شركة أكثر منه حزب سياسي».
وحتى مع دفاعه عن الحزب ضد ما وصفه بنفسه مع غيره من رؤساء الحزب بأنه هجوم من عناصر قوية في النخبة الحاكمة في البرازيل المتحالفة مع المصالح المركزة لوسائل الإعلام، إلا أن لولا اعترف بالمشكلة حين قال: «إذا لم نتمتع بالحذر، فلن يكون حزبا شعبيا مجددا وسوف يتحول إلى مجموعة من الخزائن».
بعض من كانوا على خشبة المسرح في بيلو هوريزونتي هم أعضاء سابقون في المقاومة المسلحة للديكتاتورية العسكرية البرازيلية والذين تعرضوا للسجن والتعذيب على يد النظام: روسيف، وروي فالكاو، رئيس الحزب، وفرناندو بيمنتل، المحافظ الجديد لولاية ميناس غيرايس، التي عاصمتها هي بيلو هوريزونتي.
في عام 1970. اعتادت روسيف على زيارة كارلوس أروخو، زوجها لاحقا، في نفس السجن في بورتو أليغري جنوب البرازيل، حيث كان بيمنتل وفالكاو محتجزين. وقال بيمنتل في كلمته «الرفيق روي فالكاو، حينما كنا في الزنزانة، لم نكن نتخيل أنك سوف تكون.. رئيسا للحزب، وأنني أصبح المحافظ، وديلما تتولى رئاسة الجمهورية». صعد لولا إلى السلطة في عام 2002 على موجة من التفاؤل. ونجت حكومته من فضيحة كبرى لشراء الأصوات عرفت باسم «مينسالاو» في 2005 التي شهدت كبار رجال الحزب يدخلون السجن بسببها في 2013.
بعد 10 سنوات، وجهت الاتهامات حتى الآن إلى 86 شخصية في فضيحة شركات النفط الكبرى. وفي 5 فبراير (شباط) أتاح المدعون الاتحاديون الشهادة الموسعة لبيدرو باروسكو، المدير التنفيذي السابق لشركة بتروبراس وشركة سيتيبرازيل، وهي الشركة التي أقيمت لإبرام عقود منصات الحفر لاستغلال الاحتياطات النفطية الضخمة في المياه العميقة.
ويعتبر باروسكو واحدا من 12 أكدوا أدلة الدولة حيال القضية. حيث أدلى بتفاصيل الرشاوى التي تلقاها لنفسه وللتنفيذيين الآخرين في شركتي بتروبراس وسيتيبرازيل وقال إن حزب العمال كان يتلقى نسبة 0.5 إلى 1 في المائة من قيمة كل عقد. وقال إن فاكاري كان يدير النسبة التي يتلقاها الحزب، باسمه المستعار «موخ» على جداول باروسكو نظرا لأنه كان دائما ما يحمل حقيبة يده، واسمها «موخيلا» باللغة البرتغالية. غير أن بيان حزب العمال أفاد بأن تلك الشهادة لم تأت بأي أدلة. وقال باروسكو إن مدفوعات الرشاوى داخل شركة بتروبراس كانت أشبه بالوباء وتحمل الطابع المؤسسي، وفقا لنص شهادته التي أدلى بها.
كانت غراسا فوستر، المديرة التنفيذية لشركة بتروبراس وكامل فريقها الإداري قد قدموا استقالاتهم. ولكن الأنباء عن تولي ألديمير بيندين، رئيس بنك البرازيل الصديق للحكومة، رئاسة الشركة النفطية قد قوبلت بحالة من الفزع في أوساط الأسواق المالية.
وتقول بريسيلا كارومنا مايا، مدير البرازيل لدى شركة راديوس العالمية، وهي مؤسسة استشارية تعمل مع الشركات الراغبة في الاستثمار داخل البرازيل «كنا نأمل في شخصية أخرى تعمل على إعادة الشعور بالثقة».
ودافع فالكاو خلال كلمته التي ألقاها في الاحتفالية الحزبية عن أن الحزب في حاجة إلى الخروج والدفاع عن حكومة روسيف: «لكي نفوز في ذلك التحدي، لا بد من إعادة ميلاد جديدة لحزب العمال، وعودة إلى القيم التي نشأنا عليها».
خط الدفاع الثاني لدى الحزب الحاكم يكمن في اقتراح طويل الأجل من الإصلاح السياسي، حيث يُحظر خلاله التبرعات الخاصة والتجارية للحملات الانتخابية واستبدالها بالتمويل الشعبي. كما يهدف الحزب إلى إصلاح النظام الضريبي في البرازيل، حتى يجبر المواطنين الأثرياء على سداد المزيد من أموالهم. ويقول تارسو غينرو، الوزير السابق لدى حزب العمال والمحافظ الأسبق كذلك لولاية ريو دي جانيرو «في رأيي الشخصي، سوف يعود لولا ليترشح للرئاسة في عام 2018».
وقال ويلينغتون دياز، النائب الذي أعيد انتخابه كمحافظ لولاية بياوي، معقل حزب العمال الحاكم شمال البرازيل، إن الحزب بذل المزيد من الجهود لمكافحة الفساد عن أي حزب آخر في البلاد: «إننا نعاني اليوم مزيدا من النزيف بسبب الفساد، وهناك الكثير من الشفافية كذلك».
عانت عائلة دياز، ذي الجذور الأصلية، من الجوع، وكان طالبا مفلسا حينما ساعد في تأسيس حزب العمال في ولايته عام 1980. ومن منصبه كمحافظ، بعد مرور 35 عاما، فإنه يطير إلى مسقط رأسه من بيلو هوريزونتي في طائرته الخاصة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.