أنقرة تنفي الاتفاق مع موسكو على معابر إدلب وحلب

حمّلت دمشق و«قسد» مسؤولية التصعيد في شمال سوريا

رجل يرفه عن الأطفال في مخيم كفر جالس بريف إدلب في 22 من الشهر الحالي (أ.ف.ب)
رجل يرفه عن الأطفال في مخيم كفر جالس بريف إدلب في 22 من الشهر الحالي (أ.ف.ب)
TT

أنقرة تنفي الاتفاق مع موسكو على معابر إدلب وحلب

رجل يرفه عن الأطفال في مخيم كفر جالس بريف إدلب في 22 من الشهر الحالي (أ.ف.ب)
رجل يرفه عن الأطفال في مخيم كفر جالس بريف إدلب في 22 من الشهر الحالي (أ.ف.ب)

نفت مصادر عسكرية تركية توصل أنقرة وموسكو إلى اتفاق على إعادة فتح 3 معابر في محافظتي إدلب وحلب بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام في شمال غربي سوريا. وقالت المصادر إن «المزاعم التي تحدثت عن التوصل إلى اتفاق مع الجانب التركي، بخصوص فتح 3 معابر بإدلب وحلب، لا تعكس الحقيقة».
ونقلت وكالة «الأناضول» التركية الرسمية عن المصادر التي لم تسمها أن الغارات الجوية، وهجمات النظام على إدلب، واستهداف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لمنطقتي عمليتي «درع الفرات» و«غصن الزيتون» الخاضعتين لسيطرة تركيا وفصائل المعارضة المسلحة الموالية لها «لا تزال مستمرة، عبر محاولات التسلل وتفجير السيارات المفخخة».
وأضافت المصادر أن روسيا عرضت، في فبراير (شباط) الماضي، تشكيل معبر تجاري يستخدمه سكان المنطقة عبر افتتاح معابر أبو الزندين في حلب وسراقب وميزناز في إدلب وحلب، موضحة أن معبر أبو الزندين الواقع في منطقة عملية «درع الفرات» في حلب مغلق في الأساس منذ تنفيذ عملية «درع الربيع» في إدلب، في أواخر فبراير (شباط) 2020، ولا يزال مغلقاً حتى اليوم.
وأوضحت المصادر أنه جرى التخطيط لفتح معبر سراقب في 18 أبريل (نيسان) 2020، ومعبر ميزناز في 30 من الشهر ذاته، لكن ذلك لم يتحقق بسبب احتجاجات الأهالي في إدلب ضد النظام، مشيرة إلى أن روسيا أعلنت في 22 فبراير (شباط) الماضي فتح المعابر من جانب واحد، وبقيت مفتوحة لمدة يومين، لكن هذه الفترة لم تشهد أي طلب للعبور من منطقة خفض التصعيد بإدلب ومنطقة عملية «درع الفرات» إلى منطقة سيطرة النظام.
وأكدت المصادر العسكرية التركية أن ممرات العبور التي افتتحت في أوقات سابقة بالمنطقة «لم تشهد استخداماً كثيفاً أيضاً، وأن أهالي المنطقة لا يمكن أن يشعروا بالأمان في ظل استمرار الغارات الجوية، وهجمات النظام على إدلب، وهجمات (قسد) من خلال التحرش ومحاولات التسلل وتفجير السيارات المفخخة، على منطقتي عمليتي (درع الفرات) و(غصن الزيتون)، انطلاقاً من منطقتي تل رفعت ومنبج».
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت، الأربعاء، عن توصلها إلى اتفاق مع الجانب التركي لإعادة فتح معبري سراقب وميزناز في إدلب، وأبو الزندين، في حل يهدف إلى تخفيف صعوبة الأوضاع الإنسانية هناك.
وقال النظام السوري، الخميس، إنه تم فتح معبري سراقب في إدلب وأبو الزندين في حلب، مع مناطق سيطرة المعارضة، في حين أكدت المعارضة عدم حصول أي اتفاق على فتح المعابر. وأكد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، العمل مع نظيره الروسي سيرغي شويغو للحيلولة دون استمرار انتهاكات وقف إطلاق النار في إدلب، الموقع في 5 مارس (آذار) 2020 بين تركيا وروسيا، والعمل على إرساء وقف دائم لإطلاق النار في شمال سوريا.
واحتج الأهالي على فتح المعابر مع النظام، ولم يخرج أحد منهم حتى الآن، بينما تقول وسائل الإعلام الروسية والسورية التابعة للنظام والموالية له إن من وصفتهم بـ«المجموعات الإرهابية» منعت وصول الأهالي إلى تلك المعابر.
وفي السياق، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بوقوع قصف متبادل، أمس (الجمعة)، بين قوات النظام والمعارضة، على محاور سفوهن والفطيرة والبارة وفليفل في ريف إدلب الجنوبي، وسط استهدافات متبادلة بين الطرفين بالرشاشات الثقيلة على محور العمقية بسهل الغاب في ريف حماة الشمالي الغربي. كما استهدفت قوات النظام بالرشاشات الثقيلة أيضاً أماكن في كفرعمة بريف حلب الغربي، فيما قصفت مناطق في محيط قليدين والعنكاوي بسهل الغاب، دون معلومات عن خسائر بشرية.
ومن ناحية أخرى، ساد هدوء حذر محاور التماس في ريف تل تمر ضمن محافظة الحسكة، بعد الاشتباكات العنيفة والقصف المكثف في المنطقة ليل أول من أمس، بين الفصائل الموالية لأنقرة من جانب و«قسد» من جانب آخر، عقب هجوم للفصائل على مواقع «قسد»، بإسناد صاروخي مكثف، وسط استنفار من قبل «قسد» تحسباً لهجوم مباغت جديد.
ومن جهته، قال مسؤول في «مجلس سوريا الديمقراطية» إن اتفاق المعابر الثلاثة بمناطق حلب وإدلب بين موسكو وأنقرة «يهدف إلى استبدال الحركة التجارية بين مناطق الإدارة الذاتية الواقعة شمال شرقي سوريا مع مناطق الحكومة السورية، لربطها بمناطق المعارضة المسلحة، وتطبيق عملي لنتائج الاجتماع الثلاثي بين وزراء خارجية تركيا وقطر وروسيا بداية الشهر الحالي».
وقال سلام حسين، عضو مكتب العلاقات العامة، إن الاتفاق «رضوخ للأمر الواقع، وقبول بالاحتلالات والتقسيمات العسكرية المفروضة على الجغرافيا السورية».
وتفرض الحكومة السورية منذ قرابة أسبوع قيوداً على الحركة التجارية وتنقل المدنيين في 3 معابر رئيسية تربطها مع مناطق الإدارة الذاتية. ونقل تجار وسكان محليون أن معابر الرقة والطبقة ومنبج التي تربطها مع مناطق النظام شبه متوقفة منذ أيام، وهو ما انعكس بشكل كبير على أسعار الخضراوات والفواكه والمواد الأساسية الآتية من العاصمة دمشق التي ارتفعت بنسبة تجاوزت 200 في المائة.



مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
TT

مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)
جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)

وصلت سلسلة إجراءات اتخذتها مقديشو تجاه رفض أي تدخُّل بشأن سيادتها على إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، إلى محطة استدعاء السفير الدنماركي ستين أندرسن، عقب مشاركته في متابعة انتخابات الإقليم الرئاسية، والتي أُجريت قبل أيام، وسط ترقب إثيوبي تداعيات الاقتراع، خصوصاً مع نتائج أولية تشير إلى فوز مرشح المعارضة عبد الرحمن عبد الله.

الاستدعاء الدبلوماسي الصومالي، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يُعد امتداداً لسلسلة إجراءات تبنّتها مقديشو، منذ بداية العام، عقب رفضها توقيع إثيوبيا اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال»؛ بهدف «تأكيد سيادتها وتضييق الخناق دولياً عليه»، مع توقعات بإمكانية استئناف المفاوضات للذهاب إلى حلول قد تكون سبباً في سحب البساط من تحت أقدام أديس أبابا، وخفض التصعيد بمنطقة القرن الأفريقي.

واستدعت وزارة الخارجية الصومالية السفير الدنماركي ستين أندرسن؛ على خلفية «انتهاكه سيادة وحدة البلاد»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية بالبلاد، الأحد، عن وزير الخارجية أحمد معلم فقي، عقب «توجّهه ضمن بعض السفراء لدى البلاد إلى مدينة هرجيسا للمشاركة في الانتخابات التي جرت مؤخراً دون أن يعلنوا، في خطابهم، عن الدولة التي جرى تعيينهم سفراء لها، واخترقوا البروتوكول الدبلوماسي»، مؤكداً أن «موقف الحكومة واضح تجاه الانتخابات في أرض الصومال، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من البلاد».

وحذّر وزير الخارجية الصومالي «بعض السفراء لدى البلاد بكتابة مقال يتعارض مع وحدة وسيادة البلاد عند الإعلان عن نتائج الانتخابات في أرض الصومال، والتي تعد شأناً داخلياً».

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (رويترز)

خطوط حمراء

ولم تكن تلك الخطوة الأولى ضمن الخطوط الحمراء التي رسمتها مقديشو في رفضها المساس بسيادتها، حيث وقَّع الرئيس حسن شيخ محمود قانوناً يُلغي اتفاقاً مبدئياً وقّعته إثيوبيا، في يناير (كانون الثاني) 2024، مع إقليم «أرض الصومال»، والذي تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري يتضمّن ميناء تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة، لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولةً مستقلة.

وتوجهت مقديشو إلى الجامعة العربية، وحصلت على دعم إضافي باجتماع طارئ ذهب، في يناير (كانون الثاني) 2024، إلى أن المذكرة باطلة. وتلا إصرار إثيوبيا على موقفها توقيع بروتوكول تعاون عسكري بين القاهرة المتوترة علاقاتها مع أديس أبابا، ومقديشو في أغسطس (آب) الماضي، وسط قلق إثيوبي، ومدّ مصر الصومال بأسلحة ومُعدات لمواجهة «الشباب» الإرهابية، وصولاً إلى إعلان وزير الدفاع الصومالي، عبد القادر محمد نور، في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، رسمياً، استبعاد القوات الإثيوبية من البعثة الأفريقية لحفظ السلام، المقررة بدءاً من 2025 حتى 2029. وأرجع ذلك إلى «انتهاكها الصارخ سيادة واستقلال الصومال».

وباعتقاد المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، فإن «قرار استدعاء السفير قد يُفهم بأنه تحرك دبلوماسي، في جزء من استراتيجية الصومال لتضييق الخناق على أرض الصومال، قبل العودة إلى أي مفاوضات مرتقبة، إذ تسعى الحكومة إلى تعزيز موقفها في مواجهة أي محاولات لانفصال أو استقلال أرض الصومال، مما قد يؤثر على استقرار المنطقة».

ويَعد المحلل الصومالي «قرار استدعاء سفير الدنمارك أيضاً خطوة تُظهر رغبة الحكومة في الحفاظ على سيادتها، ورفض أي تدخلات خارجية»، لافتاً إلى أن «تحرك بعض السفراء قد يُفسَّر بأنه في إطار ضغوط على الحكومة الصومالية لإحداث تغييرات معينة، أو قد يكون مجرد مراقبة روتينية للانتخابات والأوضاع السياسية، أو محاولة لتوسيع النفوذ الخارجي في منطقة تُعد ذات أهمية استراتيجية».

في المقابل، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد المنعم أبو إدريس، أن «تحركات السفراء الغربيين، احتفاء بالممارسة الديمقراطية التي تجري هناك لعدة دورات، وليست للتأثير على مقديشو»، موضحة أن «الدولة الغربية التي لديها تأثير كبير هي الولايات المتحدة، من خلال حلفها التاريخي مع إثيوبيا وتعاونهما في مكافحة الإرهاب».

أمل في استئناف المفاوضات

ورغم تلك الإجراءات فإن الصومال لم تقطع شعرة معاوية في التوصل لحلول. وأعرب وزير الخارجية أحمد معلم فقي، في كلمته، عن «أمله في استئناف المفاوضات مع إدارة أرض الصومال»، مؤكداً أن «الحكومة عازمة على إيجاد الحلول للشؤون الداخلية»، دون توضيح ماهية تلك الحلول.

وجاءت تلك الآمال الصومالية الرسمية، قبل أيام من إعلان نتائج الانتخابات في أرض الصومال المقررة في 21 نوفمبر الحالي، والتي تنافس فيها 3 مرشحين؛ بينهم الرئيس الحالي للإقليم موسى بيحي عبدي، والمعارض عبد الرحمن عبد الله، ومرشح حزب «العدالة والتنمية» فيصل ورابي، وجميعهم داعمون لمذكرة التفاهم، وتختلف رؤيتهم حول كيفية إدارة الأزمة مع الصومال. وتشير نتائج أولية إلى «تقدم كبير» للمعارض عبد الرحمن عبد الله، وفق وسائل إعلام صومالية.

وفي المقابل، استمرت إثيوبيا على موقفها الداعم لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وهنأته وزارة الخارجية الإثيوبية، الجمعة، على «النجاح في إجراء انتخابات سلمية وديمقراطية تعكس نضج الحكم». وسبقها، الخميس، تأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية نبيات غيتاتشو أن «أديس أبابا ستواصل عملياتها الحاسمة لإضعاف حركة (الشباب الإرهابية)؛ بهدف ضمان عدم تشكيلها تهديداً للأمن القومي الإثيوبي»؛ في إشارة لعدم الخروج من مقديشو.

ولا يعتقد الخبير في الشؤون الأفريقية عبد المنعم أبو إدريس أن «يكون لنتيجة الانتخابات في أرض الصومال تأثير على علاقة مقديشو مع الإقليم، خاصة أن المرشح عبد الرحمن عبد الله لم يُظهر معارضة لمذكرة التفاهم مع إثيوبيا». ويستدرك: «لكن يمكن أن تعود المفاوضات بين مقديشو وأرض الصومال في حال كان هناك طرح لشكل فيدرالي يعطي الأقاليم المختلفة في الصومال الكبير قدراً من الاستقلالية».

ويعتقد المحلل السياسي الصومالي عبد الولي جامع بري أن «تقارب مقديشو مع أرض الصومال قد يثير قلق أديس أبابا، وإذا كانت هناك رغبة في تعزيز العلاقات بين مقديشو وأرض الصومال، فقد تسعى إثيوبيا إلى عرقلة هذا المسار، ومن المحتمل أن تتدخل لإعادة تأكيد نفوذها في المنطقة، خاصةً في إطار مذكرة التفاهم القائمة».

ويؤكد أن «أي حل محتمل في هذه الأزمة سيكون له تأثير كبير على الأوضاع في القرن الأفريقي، واستقرار مقديشو وأرض الصومال، ويمكن أن يُفضي إلى تعزيز التعاون الإقليمي، بينما أي تصعيد قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية في المنطقة».