ضوء أنثوي ساطع في فنون عصر النهضة

معرض «مواهب نسائية» لسيدات الفن التشكيلي

لوحة من المعرض
لوحة من المعرض
TT
20

ضوء أنثوي ساطع في فنون عصر النهضة

لوحة من المعرض
لوحة من المعرض

حينما يطرح سؤال: هل توجد نساء فنانات في عصر النهضة الإيطالية الذي يقع بين عامي 1250 - 1550 أعظم فترات فن الرسم في تاريخ الفن الغربي، الذي شهد هيمنة الأسماء الذكورية على تاريخ الفن التشكيلي، مثل ليوناردو دافنشي، وميخائيل أنجلو، ورفائيل، وجورجوني، وتيتسيانو، وميساجو، وديل سارتو... إلخ، ولماذا ألقي بالنساء الفنانات إلى هوامش التغييب؟ فإن مثل هذا السؤال لا يقوض فقط حضور المرأة في تاريخ الفن، إلى جانب حضورها الثقافي والفكري والإبداعي، بل إنه سؤال يطرح إشكالية بدايات مساهمة المرأة للفن، ويشير ضمنياً إلى قضية مهمة، وهي أن المرأة انتقصت من مساهماتها في التحولات النهضوية، في ذلك العصر الذي شهد ترسيخ القليل جداً من حقوقها في المساواة في الفرص الوظيفية، والحقوق المادية والعلمية.
إلا أن المعرض الفني الكبير لسيدات الفن التشكيلي الإيطالي في الفترة الواقعة ما بين 1500 - 1600 الذي يقام حالياً في صالات القصر الملكي العريق في قلب مدينة ميلانو حتى نهاية شهر يوليو (تموز) المقبل تحت عنوان «مواهب نسائية» بدعم بلدية ميلانو ووزارة الكنوز الثقافية ومؤسسة «براكو» للثقافة والفنون، أكد أن هناك دائماً فنانات من النساء كما من الرجال. لكن من الواضح أن الفنانات غالباً ما يتم تذكرهن على أنهن نساء أولاً وأكثر مما ينظر إليهن على أنهن فنانات، ذلك أن الثقافة الأوروبية في القرون الوسطى، بالذات عصر النهضة الإيطالية، كرست النظرة إلى النساء عموماً ربطاً بجنسهن، ونسيان واقعهن كفنانات لديهن قدرات ومواهب متميزة تضاهي بكفاءاتهن المهنية ما أنتجه عدد كبير من الفنانين في عصر النهضة نفسه.
في المعرض، لوحات لأسماء فنية نسائية تركت بصماتها على ما أنتجته من إبداع فني مرموق مثل، أرتميسيا جنتليسكي، وسفونيسبا أكويسولا، ولافينيا فونتانا، وإليزابيتا سيراني، وفيدا كالتسيا، وجوفانا كارسوني، وكلاوديا بوفالو وأخريات بلغ عددهن 34 فنانة، عرض لهن نحو 150 عملاً فنياً زيتياً بمختلف الأحجام، ليكون رداً لهذا الغياب الذي أرخ له نقاد الثقافة الأوروبية التي لم تكن ترحب بالاختلاف والمغايرة.
تميزت أعمال الفنانات باستخدام الأسلوب الواقعي الذي كان هدف فناني القرن الخامس عشر، وكان مفهوم تلك الواقعية هو إيجاد طرق جديدة لإظهار العالم الخارجي. وقد اتسمت أعمالهن الفنية بتنوع الحجوم، واتقان الخطوط الهندسية، وتأثيرات الضوء والظل في إظهار الأشياء المحسوسة الموروثة عن التأنيقيين، أما الاختيارات فقد انصبت على الوسائل التصويرية، وبطرق تؤدي إلى الأسلوب الشخصي، ومجاراة الأساليب المتبعة في خلط العناصر الواقعية بالعناصر الرمزية، إلى جانب الميل إلى الفن التاريخي، كما اتسمت معظم أعمالهن، التي توزعت على قاعات القصر الملكي، بإحساس مكتمل بالأساطير والحياة الفعلية في أبعادها الثلاثة، وكل شيء متعلق بهذه الأعمال يتفجر حياة. إنهن يحببن الجسم الإنساني، والأردية التي تغطيه، والحركة الحرة والفعل، والطبيعة والحيوانات بألوانها وحيويتها، ويظهر هذا في لوحات الفنانة أرتيمسيا جينتليسكي، التي كانت تضع الأشياء التي ترغب برسمها خطوطاً أولى في البداية على الورق في البداية، ثم تتم نقلها بعد ذلك إلى لوحاتها الكبيرة.
وتميزت أعمال الفنانة كلاوديا بوفالو والفنانة لافينيا فونتانا في أغلب لوحاتهن بوجود صلة بين الموضوعات الدينية والأسطورية وبين المنظر الطبيعي الخلفي المضاء من اللوحة. لقد حققتا بأعمالهما الفنية إنجازاً رائعاً، لا من الناحية الفنية فقط، وإنما من الناحية الأخلاقية أيضاً. فقد حررتا هذا الاتجاه في الرسم من قيود الأسلوب والموضوع، ووضعتا الحياة الساكنة على القاعدة بدلاً من التمثال. هدفهما كان على الدوام إيجاد تعادل في ذلك الجمال التقليدي، فرسمتا القبح والرعب، فاستخدمت كل منهما ما استطاعت من ظلال قوية وخطوط هندسية متماسكة بأكبر تفصيل يدعو للروعة، وهو يشبه الحياة أيضاً.
وفي لوحات الفنانة إليزابيتا سيراني، تنتظم التصورات ضمن تأثير مألوف من الضوء والظل. وفي الوقت نفسه، كانت أهمية الجسم تتناقص لديها في حين ازدادت لديها أهمية التعبير. إن من طبيعة الأحزان العظيمة أن تعمق من روحية الإنسان، وهكذا كان الأمر مع 34 فنانة إيطالية، ممتلئات بعواطف إنسانية جياشة.



«الأسطوات»... أسرار صناعة الأغنية وكواليسها في مصر

كتاب «الأسطوات» رصد مسيرة صناع الأغنية من الشعراء المصريين (غلاف الكتاب)
كتاب «الأسطوات» رصد مسيرة صناع الأغنية من الشعراء المصريين (غلاف الكتاب)
TT
20

«الأسطوات»... أسرار صناعة الأغنية وكواليسها في مصر

كتاب «الأسطوات» رصد مسيرة صناع الأغنية من الشعراء المصريين (غلاف الكتاب)
كتاب «الأسطوات» رصد مسيرة صناع الأغنية من الشعراء المصريين (غلاف الكتاب)

تزخر صناعة الأغنية في مصر بالعديد من الكواليس والأسرار منذ بداية القرن الـ20 وحتى نهايته، وهو ما يرصده الكاتب والشاعر المصري ميسرة صلاح الدين من خلال تتبع مسيرة عدد من شعراء الأغنية. كيف دخلوا هذه الصناعة، وكيف تعاملوا مع المطربين والملحنين في كواليسها؟

في كتاب عنوانه «الأسطوات» يتناول صلاح الدين سوق صناعة الأغنية في مصر، متتبِّعاً كبار الشعراء منذ بداية القرن الـ20، مثل بديع خيري، ومأمون الشناوي، وحسين السيد، وحتى الشعراء المشهورين بخفة الظل مثل فتحي قورة، والشعبيين مثل حسن أبو عتمان، وانتهاءً بالشعراء الأحدث مثل عبد الرحيم منصور، وعصام عبد الله.

يُعرِّف الكاتب مصطلح «الأسطوات» الذي اختاره عنواناً، موضحاً أنه مصطلح تركي، ويعني «الماهر، أو الحرفي المتمرس». ويرى أن هذا المعنى ينطبق إلى حد كبير على الشخصيات العشرة التي اختارها، لقدرتهم على نقل الفن من أطره الفولكلورية والشعبية إلى أشكال فنية أكثر تعقيداً وتطوراً تعكس هوية مصر.

يقول ميسرة صلاح الدين لـ«الشرق الأوسط»: «إن فكرة الأسطوات جاءت من المهنية، وهؤلاء الشعراء يتميزون بالمهنية الشديدة التي تجمع بين الموهبة والصَّنعة، والدأب في المهنة، والإخلاص للفن، والعامل الثالث هو إدراكهم للحظتهم الاجتماعية والتاريخية، والتعبير عنها، والرابط بينهم أنهم جميعاً كانوا مخلصين للأغنية، حتى من أصدر ديواناً منهم كان نجاحه الأكبر في مجال الأغنية، بخلاف شعراء مثل صلاح جاهين، وفؤاد حداد، والأبنودي الذين اشتهروا في سياقات أخرى مختلفة رغم حضورهم في مضمار الغناء».

الشاعر المصري حسين السيد (من كتاب الأسطوات)
الشاعر المصري حسين السيد (من كتاب الأسطوات)

التنوع، هو السِّمة التي تحكم هؤلاء الشعراء، وكذلك ارتباط كل منهم تقريباً بمطرب، فمثلاً كان محمد عبد الوهاب يُعدُّ الشاعر حسين السيد اكتشافه الشخصي، وكان مأمون الشناوي مرتبطاً بدرجة كبيرة بفريد الأطرش، تماماً كما ارتبط أحمد رامي بأم كلثوم، وارتبط أيضاً فتحي قورة بأغاني شكوكو الخفيفة المرحة. كانت هذه وجهة نظر مرسي جميل عزيز في لقاء تلفزيوني، مؤكداً أنه تمرَّد على هذا الأمر، ولم يرتبط اسمه بمطرب معين، بل إنه «يعمل مع المطربين الصغيرين، ويكبرون بأغنياته»، على حد تعبيره.

ويشير صلاح الدين إلى أن «الكواليس كثيرة، والمنافسة كانت شديدة في المجال الفني بين الأسطوات، وشهدت تلك المنافسة محاولة إثبات التفرد، والحرب الإعلامية، وأحياناً فكرة الدعاية المبالغ فيها، لكن مع الحفاظ طوال الوقت على جودة العمل».

الشاعر حسن أبو عتمان صاحب أغنية زحمة لأحمد عدوية (كتاب الأسطوات)
الشاعر حسن أبو عتمان صاحب أغنية زحمة لأحمد عدوية (كتاب الأسطوات)

وأشار إلى أنه «كانت هناك تصريحات لحسين السيد يتحدث عن غيره من الشعراء، وينتقدهم، وقال إن عبد الرحيم منصور يكتب نثراً وليس أغنية أو قصيدة، كما أن مرسي جميل عزيز صرح بأنه كان الأقوى والأكثر جزالة، ووصف نفسه بأنه مثل الفتوة الذي دخل الفرح ليكسّره، بمعنى عدم رضاه عن الوضع الراهن وقتها، وسعيه لتغيير سياقات كتابة الأغنية، وصناعتها». ومن الحروب والمعارك التي دارت في كواليس صناعة الأغنية، الحرب التي شنَّها بعضهم ضد الشاعر الشعبي حسن أبو عتمان، الذي قدّم لمحمد رشدي أغنيات عدّة شهيرة، مثل «عرباوي»، و«ملحمة أدهم الشرقاوي»، ووصفوه بأنه «حلاق أو فلاح»، حتى نجحوا في إبعاده عن محمد رشدي، وفق تصريحات صلاح الدين. ليبدأ مرحلة جديدة هي الأكثر زهواً في تاريخه مع أحمد عدوية الذي قدم له أغنية «زحمة»، و«راحوا الحبايب»، و«بنت السلطان»، وغيرها من الأغنيات.

ورصد الكتاب الهجوم الشديد الذي تعرَّض له بليغ حمدي حين كتب بعض الأغنيات، كما رصد حسب ميسرة «تحوُّلاً كبيراً في حياة الشاعر عبد الفتاح مصطفى الذي بدأ بأغنيات عاطفية في غاية الرِّقة لأم كلثوم، ومن ثَمَّ ابتعد عن الشعر العاطفي وتوجّه تماماً إلى الأغنية الدينية، فقدّم أغنيات فيلم (الشيماء)، ومجموعة الأدعية لعبد الحليم حافظ».

مأمون الشناوي مع عبد الحليم حافظ (أرشيفية)
مأمون الشناوي مع عبد الحليم حافظ (أرشيفية)

تضمَّن الكتاب كثيراً من الحكايات عن الأغنيات الشهيرة مثل أغنية «الربيع» التي كتبها مأمون الشناوي لأم كلثوم، وأُعجبت بها، ولكنها طلبت تعديلات عليها، وكيف قادته الصدفة إلى لقاء فريد الأطرش الذي عرض عليه الأغنية ورحَّب بها، وعدّها كثيرون من أفضل الأغنيات التي قدمها فريد الأطرش، لكونها تمثل معزوفة أنطونيو فيفالدي الشهيرة «الفصول الأربعة»، كما رصد الكتاب عدداً من الشعراء الآخرين الأحدث من جيل الأسطوات مثل عصام عبد الله، الذي قدم كثيراً من الأغنيات لمحمد منير، وعلي الحجار، وكذلك سامح العجمي الذي حاول الكتابة بطريقة قريبة من أمل دنقل، وتغيَّرت معه فكرة كتابة الأغنية الشبابية الحديثة لتصبح مرتبطة إلى حد كبير بالإيقاع.