اعتقلت السلطات التركية فجر أمس (الأحد) النائب البارز في المجال الحقوقي عن حزب الشعوب الديمقراطية الموالي للأكراد، عمر فاروق جرجرلي أوغلو، من داخل مقر اعتصامه بالبرلمان بعدما أمضى 4 ليالٍ معتصماً بعد تجريده من عضويته بذريعة صدور حكم قضائي بالحبس سنتين ونصف السنة لاتهامات تتعلق بالإرهاب بسبب تغريدات على «تويتر». وتم الإفراج عنه بعد أخذ إفادته بمكتب المدعي العام للعاصمة أنقرة.
في الوقت ذاته، وجهت أوروبا تحذيرات لأنقرة بعد قرار انسحابها من اتفاقية المجلس الأوروبي لحماية المرأة المعروفة بـ«اتفاقية إسطنبول».
وقال مكتب المدعي العام بأنقرة إنه تم إطلاق سراح جرجرلي أوغلو، بعد 50 دقيقة استغرقها في تقديم إفادته في تهمة أخرى موجهة إليه، حيث كشفت وثيقة نشرها حزب الشعوب الديمقراطية عن أن التحقيق يتعلق بهتافات في البرلمان أثناء انتقاله من القاعة الرئيسية إلى قاعة اجتماعات نواب الحزب لبدء اعتصامه يوم الأربعاء الماضي، اعتبرت ترويجاً لمنظمة إرهابية (في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني المحظور).
وجاء في الوثيقة أنه تم سماع هتاف «يعيش الزعيم آبو»، في إشارة على ما يبدو إلى عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، المسجون منذ عام 1999. وأوضحت أنه في إطار التحقيق الجديد، قررت الشرطة أن جرجرلي أوغلو كان «لا يزال يتصرف مثل النائب (رغم إسقاط عضويته) وأنه، على نحو غير قانوني، لم يغادر مبنى حكومياً».
واعتقلت الشرطة التركية جرجرلي أوغلو، وهو محامٍ وناشط حقوقي وعضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان التركي ونائب حزب الشعوب الديمقراطية عن مدينة كوجا إيلي غرب البلاد، أثناء توجهه من مقر اعتصامه في قاعة اجتماعات المجموعة البرلمانية لحزبه للوضوء استعداداً لأداء صلاة الفجر، حيث لم يسمح له بتبديل ملابس النوم. ونشر حزب الشعوب الديمقراطية مقطعاً مصوراً للقبض على نائبه بالبرلمان أثناء استعداده لصلاة الفجر.
وتصدر هاشتاغ «نائب الشعب قيد الاعتقال» موقع «تويتر» في تركيا، بعد اعتقال قوات الشرطة له في مشهد تسبب في الكثير من الاستهجان. وغرد نحو 166 ألف مواطن تركي تحت الهاشتاغ، للتنديد بما فعلته الحكومة ضده ومطالبتها بالتراجع.
في المقابل، دافع نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، ماهر أونال، عن تصرف الشرطة والقبض على جرجرلي أوغلو من أثناء الوضوء لصلاة الفجر، قائلاً: «لوائح البرلمان واضحة في هذا الصدد... نعرف أن الجميع سيترك كل شيء ويقول لقد ألقوا القبض عليه وهو يتوضأ».
ويواجه حزب الشعوب الديمقراطية، ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي، حملة قمع بلغت ذروتها يوم الأربعاء، عندما تحرك المدعي العام لمحكمة الاستئناف العليا لإغلاقه بسبب اتهامات بأنه على صلة بـ«العمال الكردستاني»، وهي اتهامات ينفيها الحزب، الذي وصف دعوى إغلاقه المقدمة إلى المحكمة الدستورية العليا بأنها «انقلاب سياسي» على إرادة الناخبين.
وندد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بإسقاط عضوية جرجرلي أوغلو بالبرلمان وبتحرك الحكومة لإغلاق حزب الشعوب الديمقراطية، في حين دافع حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب إردوغان والذي يتمتع بأغلبية في البرلمان مع القوميين عن هذه الخطوة. واحتشد آلاف الأكراد الأتراك، السبت، في إسطنبول دعماً لحزب الشعوب الديمقراطية وتنديداً بمحاولات إغلاقه.
وقال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية ماهر أونال، في مقابلة تلفزيونية أمس، إن هناك خلطا متعمدا من جانب الشعوب الديمقراطية وأحزاب المعارضة الأخرى بين ما هو سياسي وما هو قانوني في مسألة الدعوى التي أقيمت لإغلاق الحزب، وهناك محاولة لتسييس القضية وإظهار الحكومة كما لو أنها تستغل القضاء كأداة للقمع السياسي.
تنديد أميركي وأوروبي
في سياق آخر، انتقد قادة الاتحاد الأوروبي قرار إردوغان، السبت، بانسحاب تركيا من اتفاقية المجلس الأوروبي لحماية المرأة من العنف المنزلي الموقعة عام 2011 في إسطنبول، التي تُعرف بـ«اتفاقية إسطنبول»، والتي صادق عليها البرلمان التركي في 2012، واصفين القرار بـ«المحير والداعي للقلق»، وطالبوا إردوغان بإعادة النظر في القرار.
فيما وصف الرئيس الأميركي جو بايدن الانسحاب التركي من الاتفاقية الدولية بأنه أمر «مخيب للآمال بشدة»، قائلاً أمس إنها خطوة إلى الوراء في الجهود المبذولة لإنهاء العنف ضد المرأة. وأضاف بايدن في بيان: «على الدول أن تعمل على تعزيز وتجديد التزاماتها بإنهاء العنف ضد المرأة، وليس رفض الاتفاقات الدولية الهادفة لحماية المرأة ومحاسبة المنتهكين... هذه خطوة محبطة إلى الوراء بالنسبة للحركة الدولية لإنهاء العنف ضد المرأة على مستوى العالم».
وتنص الاتفاقية على منع العنف الأسري ومقاضاة مرتكبيه والقضاء عليه وتعزيز المساواة. وقرر إردوغان انسحاب تركيا منها رغم الغضب الواسع في البلاد بسبب تصاعد جرائم قتل النساء وتعرضهن للعنف والتحرش والاغتصاب بمعدلات متصاعدة في السنوات الأخيرة.
وأبدت ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي الانزعاج من هذا القرار، وكانت تلك ثاني مرة خلال أربعة أيام ينتقد فيها قادة أوروبيون أنقرة بسبب قضايا حقوقية، وذلك بعد تحرك الادعاء التركي لإغلاق حزب الشعوب الديمقراطية.
وقال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي: «لا يسعنا إلا أن نبدي أسفنا العميق ونعبر عن عدم فهمنا لقرار الحكومة التركية الذي يجازف بتعريض حماية النساء والبنات في تركيا وحقوقهن الأساسية للخطر، ويطلق رسالة خطيرة في مختلف أنحاء العالم. ومن ثم لا يسعنا إلا أن نحث تركيا على العدول عن القرار».
بدورها، قالت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، التي ناقشت مع إردوغان قبل يوم من القرار علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي قبل انعقاد قمة الاتحاد في 25 مارس (آذار) الحالي والتي ستقيم العلاقات مع أنقرة: «النساء تستحق إطاراً قانونياً قوياً لحمايتهن»، ودعت كل الأطراف الموقعة على الاتفاقية إلى المصادقة عليها.
وقالت فرنسا إن انسحاب تركيا يمثل ردة جديدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، بينما قالت ألمانيا إنه لا يمكن أن تكون الثقافة أو الدين أو التقاليد ذريعة لتجاهل العنف ضد النساء.
وطُرح الانسحاب من الاتفاقية العام الماضي، وسط نزاع حول كيفية الحد من العنف الأسري في تركيا حيث زادت جرائم قتل المرأة إلى ثلاثة أضعافها في 10 سنوات، وأثار الأمر انقساماً في حزب إردوغان ورفضته ابنته، وهي عضو في مجلس إدارة وقف لحقوق المرأة في البلاد. لكن جماعات محافظة إلى جانب حزب الحركة القومية شريك حزب إردوغان في «تحالف الشعب»، ضغطت للانسحاب من الاتفاقية على اعتبار أنها تقوض بنية الأسرة وتشجع النساء على طلب الطلاق وتلغي التمييز على أساس التوجه الجنسي، بما يتعارض مع تقاليد وأخلاق المجتمع التركي.
ويعوّل إردوغان على جذب أصوات المحافظين والقوميين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 2023، وشهدت تركيا احتجاجات واسعة ومظاهرات شارك فيها آلاف النساء والرجال في أنحاء البلاد احتجاجاً على قرار إردوغان بالانسحاب من الاتفاقية.