تساؤلات حول «احتكار» منصات التواصل لتدفق الأخبار

تساؤلات حول «احتكار» منصات التواصل لتدفق الأخبار
TT

تساؤلات حول «احتكار» منصات التواصل لتدفق الأخبار

تساؤلات حول «احتكار» منصات التواصل لتدفق الأخبار

فجرت أزمة حجب «فيسبوك» لصفحات ومواقع في أستراليا، الشهر الماضي، تساؤلات حول «احتكار» المنصات الرقمية لتدفق الأخبار. ورغم احتواء الأزمة نسبياً، فإن بعض الخبراء أكدوا أن «الأزمة الأخيرة ليست الأولى التي تمارس فيها المنصات الرقمية الاحتكار، بل هي مجرد تجربة مصغرة لبيان مدى الأهداف التي قد تفرضها على حكومات الدول».
الخبراء أشاروا إلى أنه «كان من الأحرى أن يعلن (فيسبوك) للحكومة الأسترالية نيته حجب المحتوى الإخباري كي لا يضع الحكومة الأسترالية في موقف محرج». ويرى خبراء أن أزمة أستراليا برهنت على أن شركات التكنولوجيا العملاقة تستطيع التعامل مع الحكومات الديمقراطية بـ«ندية غير مسبوقة»، بل تستطيع أن تتدخل بشكل مباشر في سن قوانين؛ وهي تداعيات خطيرة.
الصحافي المصري نبيل النشار، المقيم في مدينة سيدني كبرى مدن أستراليا، كان واحداً من بين ملايين سكان الدولة - القارة الذين استيقظوا يوم 18 فبراير (شباط) الماضي على حجب «فيسبوك» صفحات المواقع الإخبارية المحلية والعالمية. وعلى هذه الخطوة، علق النشار -المهتم بملف الإعلام الرقمي- قائلاً إن «المواجهة التي دارت بين (فيسبوك) والحكومة الأسترالية لم تكن سوى تجربة مُصغرة أرادت بها تلك الشركة العملاقة أن تختبر إلى أي مدى تستطيع أن تفرض أهدافها على حكومات العالم».
وأردف قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا الاختبار لم يكن الأول من نوعه، إذ سبق لـ(فيسبوك) أن حجب حسابات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عقب اقتحام مناصروه مقر الكونغرس في يناير (كانون الثاني) الماضي. وهي تجربة عززت ثقة الشركة بقدرتها على اتخاذ مثل هذه القرارات مع أستراليا... وهكذا، بكبسة زر، وجدت القارة الأسترالية نفسها في تعتيم إعلامي شامل، وشلل في حركة نقل الأخبار المحلية والدولية».
وحقاً، كان مجلس النواب الأسترالي قد أقر مشروع قانون يرمي إلى «إرغام المنصات الإلكترونية على دفع مبالغ مالية للوسائل الإعلامية لدى الاستعانة بمحتوياتها، وهو يخضع حالياً للمناقشة في مجلس الشيوخ». وبحسب السلطات الأسترالية، فإن «من كل 100 دولار أسترالي تنفق على الإعلانات الرقمية في وسائل الإعلام الأسترالية، يذهب 81 دولاراً أسترالياً إلى (غوغل) و(فيسبوك)».
ورغم احتواء الأزمة، وعودة محتويات صفحات «فيسبوك» إلى الظهور أمام المتصفح الأسترالي كالسابق، فإن تلك الأزمة طرحت تساؤلات حول كيفية إنهاء أزمة احتكار وسائل التواصل الاجتماعي لتدفق الأخبار، خاصة أن التدابير الحكومية لمواجهة شركات التكنولوجيا العملاقة تصب في خانة حماية جبهة الصحافة التقليدية. ولكن بعدما أثبت تدخل «فيسبوك» قدرته على التدخل في منظومة القوانين لدولة مثل أستراليا، هل سيستطيع النظام العالمي التقليدي مواجهة شركات التكنولوجيا الكبرى، وممارستها الاحتكار على المحتوى؟
وفق إياد بركات، خبير التكنولوجيا والإعلام الرقمي الفلسطيني المقيم في العاصمة البريطانية لندن، فإن «هذا التصعيد بين أستراليا و(فيسبوك) لم يأتِ من فراغ، بل كان متوقعاً في إطار هجوم عدد من المنصات الرقمية، مثل (فيسبوك) و(غوغل) على الصحف والمؤسسات الإعلامية منذ فترة طويلة».
وتابع بركات، في تصريحه لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإعلام، بصفته مؤسسة تقليدية، لم يستطع التأقلم مع هذا التهديد الرقمي، مثل تهديد (فيسبوك)، خاصة أن البيروقراطية دائماً ما تكون بطيئة، عندما تكون في مواجهة العالم التقني السريع الذي يستطيع التحرك والتأقلم بسرعة».
ويعد بركات أن «التصعيد ضد الشركات الرقمية بدأ في الاتحاد الأوروبي منذ سنوات، عبر محاولاته إيجاد طرق لمواجهة تلك التحديات التي لها آثار اقتصادية كبيرة». ويضيف: «كثيرون من الصحافيين حول العالم يخسرون وظائفهم، وهناك تقدير يفيد بأن 50 في المائة من الصحافيين في غُرف الأخبار الأميركية خسروا وظائفهم، بينما كانت المنصات الرقمية تضاعف دخولها عشرات المرات في الفترة ذاتها».
وفي هذا الإطار، كان موقع «فويس أوف أميركا» قد أشار، في تقرير له خلال أبريل (نيسان) الماضي، إلى أن «الأزمات الاقتصادية التي تسبب فيها مرض (كوفيد-19) لاقتصاديات دول وشركات عالمية طالت المؤسسات الصحافية المحلية والعالمية في الولايات المتحدة على حد سواء». ووفق التقرير، فإن «تلك الأزمة فاقمتها ممارسات موقعي (فيسبوك) و(غوغل)... وعززت احتكارهما لسوق الإعلانات».
بركات يصف ما أقدم عليه «فيسبوك» بـ«التحركات الفجة»، معتبراً أن «أستراليا بدأت مجهوداتها قبل أشهر، بهدف جلوس قادة تلك الشركات التقنية الكبرى مع الصحف والمؤسسات الإعلامية، والاتفاق على عقد اتفاق مالي بينها... وهذا ما تحقق نسبياً، فقد استطاعت أستراليا جعلهم على الأقل يعترفون بأن هناك أزمة، بعدما كانوا يجادلون دائماً بأنهم يساعدون الإعلام والصحافة، سواء المؤسساتية أو الفردية».
ويعلق نبيل النشار قائلاً إن «المطالب الخجولة للحكومة الأسترالية في مفاوضاتها مع شركة (فيسبوك) تتقزم أمام أرباح (فيسبوك) و(غوغل) التي بلغت 4.97 مليار دولار من المحتوى الإخباري الأسترالي خلال عام واحد (هو عام 2019)». ثم يضيف: «مع ذلك، جاء قرار الحجب أحادياً مباغتاً... وهو مناورة غير عرَضية، بل جزء من التجربة لجس النبض، وتحديد الحد الأقصى لما هو مقبول من دون عواقب وخيمة. وكان من الأحرى أن يعلن (فيسبوك) للحكومة الأسترالية نيته حجب المحتوى الإخباري للمدة الفلانية، وبذلك يكون القرار جزءاً من المفاوضات، ولا يضع الحكومة الأسترالية في موقف محرج».
ومضى النشار شارحاً: «لم تمتلك الحكومة الأسترالية ما يذكر لتساوم عليه. ولولا الانتقادات اللاذعة من رؤساء حكومات آخرين لقرار (فيسبوك)، وحذر مؤسسها مارك زوكربيرغ، لما تراجعت الشركة عن قرارها. ولم يأتِ التراجع على أي حال إلا بعد رضوخ الحكومة الأسترالية لتعديل قانون المساومة الإعلامي (Media Bargaining Code) في البرلمان الفيدرالي، ليوافق (فيسبوك) على بنوده قبل التصديق عليه. وفي نهاية المطاف، دفع (غوغل) ملايين الدولارات لجهات إعلامية أسترالية، وقررت الشركة تخصيص مليار دولار على مدار العام المقبل للوصول إلى تسويات مماثلة مع جهات إعلامية أخرى في أستراليا والعالم. كذلك قرر (فيسبوك) تخصيص المبلغ نفسه على مدار السنوات الثلاث المقبلة». ويتأمل النشار تبعات أزمة «فيسبوك» ودروسها، ويعلق: «خلال الفترة الأخيرة، وبسبب ممارسات (فيسبوك)، أصبحنا أمام أسئلة كثيرة، من بينها: ماذا لو بكبسة زر قرر (فيسبوك) حجب المحتوى الترويجي من على حساب مرشح سياسي معين، وترك آخر (ربما منافسه) في حال سبيله؟ ولعل تجربتي الولايات المتحدة وأستراليا برهنتا على أن شركات التكنولوجيا العملاقة تستطيع التعامل مع الحكومات الديمقراطية بندية غير مسبوقة، بل تستطيع أن تفرض رؤيتها وتتدخل بشكل مباشر في عملية سن وتشريع القوانين لتناسبها. وهذه تداعيات خطيرة تمهد لسيناريوهات قد تعصف بعالم الصحافة والإعلام على وجه خاص، وحرية الرأي والسياسة والعملية الديمقراطية بشكل عام». بركات، من جانبه، يرى أن «قرارات (فيسبوك) الأحادية قد تكون لها تداعيات كبيرة على وسائل الإعلام والصحافيين في العالم»، مضيفاً: «أتمنى أن يقوم الصحافيون، قبل حتى إقرار القوانين، بمحاولة تغيير هذه الديناميكية الحالية بين الإعلام والمنصات الرقمية التي لم تتسبب فقط في خسائر هائلة للصحف، بل إنها ميعت معنى الإعلام والصحافة، وأدت إلى انتشار الأخبار الكاذبة التي بدأت تُهدد المجتمعات حول العالم».
ويتابع: «وصل العالم إلى مرحلة أكبر من النضوج والوعي في التعاطي مع تلك المنصات، وهو ما سيجعل هناك تحديات رقمية أكبر بين الجمهور والمنصات من جهة، وبين الحكومات والمنصات من جهة أخرى، وعلى رأسها مواضيع الخصوصية الفردية والخصوصية الوطنية، بما سيحمل ضغوطاً أكبر على تلك المنصات الإلكترونية خلال الفترة المقبلة».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.