ماكرون يحث طهران على وقف «مفاقمة» الأزمة النووية

باريس تريد إحياء عملية تفاوضية تتضمن السيطرة على أنشطة الصواريخ الباليستية الإيرانية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل نظيره الإسرائيلي رؤوفين رفيلن في قصر الإليزيه أمس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل نظيره الإسرائيلي رؤوفين رفيلن في قصر الإليزيه أمس (د.ب.أ)
TT

ماكرون يحث طهران على وقف «مفاقمة» الأزمة النووية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل نظيره الإسرائيلي رؤوفين رفيلن في قصر الإليزيه أمس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل نظيره الإسرائيلي رؤوفين رفيلن في قصر الإليزيه أمس (د.ب.أ)

هدفان لجولة الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الأوروبية، التي كانت باريس آخر محطاتها أمس؛ الضغط على الأطراف الأوروبية، لتتبنى موقفا متشددا بالنسبة للملف النووي الإيراني، في وجه ما تراه إسرائيل «تراخيا» أميركيا. والثاني، دفع برلين وفيينا وباريس لمساندة تل أبيب في رفضها التحقيق الذي قررت المحكمة الجنائية الدولية السير فيه.
وواضح، من خلال هذه الجولة أن ريفلين الذي لا يلعب سوى دور بروتوكولي، يستفيد من «انشغال» رئيس الوزراء نتنياهو، بالانتخابات العامة الرابعة من نوعها في عامين للعب دور سياسي، أو على الأقل لملء الفراغ جزئيا.
ولم يكن اختياره للعواصم الثلاث عشوائيا، إذ إن باريس وبرلين موقعتان على الاتفاق النووي لعام 2015، الذي انتهكت طهران العديد من التزاماته، فيما فيينا تحتضن الوكالة الدولية للطاقة النووية، وفيها يلتئم عادة شمل الدول الموقعة على الاتفاق النووي.
كذلك، فإن ريفلين اصطحب معه رئيس الأركان أفيف كوخافي الذي لا يتردد في الخوض علنا في مسائل عسكرية مثل التأكيد أن الجيش الإسرائيلي بصدد «تحديث» خططه لضرب المنشآت النووية الإيرانية في حال دعت الحاجة لذلك.
وبالتوازي مع اجتماع ريفلين بالرئيس ماكرون، عقد كوخافي اجتماعات في وزارة الدفاع الفرنسية مع نظيره رئيس الأركان ومسؤولين عسكريين آخرين.
يبدو أن ريفلين وجد في باريس وتحديدا لدى الرئيس إيمانويل ماكرون أذنا مستمعة و«تفهما» لموقف إسرائيل التي نقل، أول من أمس، عن مسؤول دفاعي كبير فيها أن كوخافي سينقل إلى الطرف الفرنسي موقفا «جديدا» قوامه أن إسرائيل يمكن أن تقبل اتفاقا نوويا مع إيران لكن الجيش الإسرائيلي «يريد من خلاله أن يجعل من المستحيل على إيران الحصول على السلاح النووي وأن تكون القيود التي ستفرض عليها غير محدودة زمنيا». وليس سرا أن نتنياهو أعرب علنا عن معارضته رغبة واشنطن في العودة إلى اتفاق 2015. من هنا، أهمية التواصل مع باريس وبرلين. وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت الأكثر تشددا في المفاوضات التي أفضت إلى الاتفاق المذكور لا بل إنها أحبطت مسودة شبه منتهية كان وزير الخارجية الأميركي وقتها جون كيري قد قبلها.
في حديثه إلى الصحافة، عقب اجتماعه بنظيره الإسرائيلي، استخدم ماكرون لغة قاسية بخصوص إيران التي دعاها إلى «التوقف عن دفع الملف النووي بالغ الخطورة إلى مزيد من التدهور من خلال مراكمة انتهاكات اتفاق فيينا». وترى باريس في التدابير المتلاحقة التي تقوم بها طهران وسيلة لمضاعفة الضغوط على إدارة الرئيس جو بايدن لدفعه إلى رفع العقوبات المفروضة عليها تحت طائلة الإسراع في تطوير برنامجها النووي.
وسبق للرئيس الفرنسي أن أعلن أن إيران «لم تكن يوما أقرب إلى الحصول على السلاح النووي مما هي عليه اليوم». وفيما يبدو أنه اقتراب فرنسي كبير من موقف الولايات المتحدة الأميركية التي تطالب طهران بالعودة عن انتهاكاتها النووية أولا والجلوس إلى طاولة المفاوضات قبل البدء برفع العقوبات، قال ماكرون إنه «يتعين على إيران أن تقوم بالمبادرات المنتظرة منها على صعيد الانتهاكات وأن تتصرف بشكل مسؤول». وإذ أشار ماكرون إلى أن بلاده «منخرطة تماما في العمل من أجل إعادة إطلاق مسار يوفر مخرجا من هذه الأزمة (النووية)، أي العودة إلى فرض الرقابة على الأنشطة النووية الإيرانية ولكن أيضا فرض الرقابة على نشاطها الباليستي في المنطقة».
حقيقة الأمر أن ماكرون يدافع عن هذا الموقف منذ عام 2017، وهذا ما ذكر به أمس، وإن غابت عنه الإشارة إلى أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار. وقد عرضت باريس القيام بوساطة بين طهران وواشنطن، الأمر الذي آل في النهاية إلى «مسؤول» السياسة الخارجية الأوروبي جوزيب بورل، وإلى سويسرا.
وقبل ثلاثة أيام، عزا وزير الخارجية جان إيف لو دريان، في مداخلة له أمام مجلس الشيوخ التأخر الحاصل في عودة التواصل بين واشنطن وطهران إلى «مشكلة تكتيكية وكذلك إلى مسألة داخلية لأننا نقترب من الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) القادم». وهذا التأخر ما زال قائما رغم أن الطرفين، عمليا، أخذا يتقبلان العمل بمبدأ «التماثلية» «أي خطوة من هذا الطرف تقابلها خطوة مماثلة من الطرف الآخر». وتنظر باريس إلى «مماطلة» طهران في قبول الدعوة إلى اجتماع غير رسمي ومتوسط المستوى بحضور الطرف الأميركي إلى أمرين: الأول، أنها تريد أن تحصل «سلفا» على شيء ما من الأميركيين أو على الأقل أن تتوافر لديها ضمانات حول «الثمن» الذي ستقبضه بعد الاجتماع. وتعمل الاتصالات الجارية بالواسطة على فك رموز هذه الأحجية، بينما تتعرض إدارة الرئيس بايدن لضغوطات داخلية وخارجية «ومنها إسرائيلية» لرفض إظهار الليونة إزاء إيران.



بعد ضرباتها في سوريا... إسرائيل تفترض «السيناريو الأسوأ»

دبابات إسرائيلية تتنقل بين السياجين داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا (إ.ب.أ)
دبابات إسرائيلية تتنقل بين السياجين داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا (إ.ب.أ)
TT

بعد ضرباتها في سوريا... إسرائيل تفترض «السيناريو الأسوأ»

دبابات إسرائيلية تتنقل بين السياجين داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا (إ.ب.أ)
دبابات إسرائيلية تتنقل بين السياجين داخل المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا (إ.ب.أ)

يرى محللون أن إسرائيل بتنفيذها ضربات واسعة على أهداف عسكرية سورية، وسيطرتها على المنطقة العازلة الخاضعة لمراقبة الأمم المتحدة في مرتفعات الجولان، تسعى إلى «تجنّب الأسوأ» بعد سقوط حكم آل الأسد.

وقال يوسي ميكيلبرغ، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في معهد تشاتام هاوس في لندن، إن «الحكومة الإسرائيلية... تتصرف على أساس أسوأ السيناريوهات»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وأشار محللون إلى أن بقاء بشار الأسد في السلطة كان أهون الشرور بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رغم تحالفه مع إيران، العدو اللدود للدولة العبرية، وحليفها «حزب الله» اللبناني، وذلك خوفاً من أن تؤدي إطاحته إلى فوضى.

وبُعيد سقوط الأسد، الأحد، شنّت إسرائيل خلال 48 ساعة مئات الضربات من الجو والبحر، قالت إنها طالت «أغلبية مخزونات الأسلحة الاستراتيجية في سوريا؛ خشية سقوطها بيد عناصر إرهابية».

واحتلت إسرائيل معظم هضبة الجولان السورية خلال حرب يونيو (حزيران) عام 1967. وبعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، أُقيمت منطقة عازلة منزوعة السلاح تحت سيطرة الأمم المتحدة، عقب اتفاق لفض الاشتباك بين القوات الإسرائيلية والسورية عام 1974. وضمت إسرائيل القسم المحتل من الجولان عام 1981، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي باستثناء الولايات المتحدة.

ومنذ اتفاق فض الاشتباك، لم تشهد جبهة الجولان أي تحرك عسكري من جانب سوريا.

والآن، يبدو أن القادة الإسرائيليين يخشون أن تكون الفوضى قد حلّت في سوريا أصلاً، ويتصّرفون وفقاً لذلك.

وفي يوم سقوط الأسد، أعلن نتنياهو أن اتفاق 1974 انهار، وأمر قواته بالسيطرة على المنطقة العازلة.

وقالت الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي للدولة العبرية، إن انتشار القوات الإسرائيلية في المنطقة العازلة يجب أن يكون «مؤقتاً»، بعدما قالت الأمم المتحدة إن إسرائيل تنتهك اتفاق الهدنة عام 1974.

ومذاك، شن الجيش الإسرائيلي مئات الضربات ضد أصول عسكرية سورية، مستهدفاً خصوصاً مخازن أسلحة كيميائية ودفاعات جوية تابعة للبحرية السورية؛ لإبعادها عن أيدي المقاتلين.

وقد دعا مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسن إلى وقف فوري لعمليات القصف الإسرائيلية.

من جهته، قال المحلّل داني سيترينوفيتش، من معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، إنه يتوقع أن توسّع إسرائيل ضرباتها، موضحاً: «كل شيء استراتيجي في سوريا (...) الصواريخ والطائرات، وكذلك مركز البحوث العلمية (التابع لوزارة الدفاع)، كل شيء سيقصف».

وأضاف: «لا نعرف من سيتصدى لنا من الجانب السوري، سواء كان تنظيم (القاعدة) أو (داعش) أو أي تنظيم آخر، لذلك علينا أن نكون مستعدين لحماية مدنيينا».

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إنه مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أصدر تعليمات للجيش «بإقامة منطقة خالية تماماً من السلاح والتهديدات الإرهابية في جنوب سوريا من دون وجود إسرائيلي دائم».

وقال أفيف أوريغ، المحلل في مركز المعلومات مئير عميت، إن مصدر القلق الرئيسي على المدى القصير بالنسبة إلى إسرائيل هو المخزونات المتبقية من الأسلحة الكيميائية، وغيرها من الأسلحة الاستراتيجية.

وذكّر بالماضي الجهادي لبعض فصائل المعارضة السورية، موضحاً: «إذا وقعت هذه الأسلحة بين أيديهم فمن يدري ماذا سيفعلون بها؟».

لكنّ ميكلبرغ رأى أن تلك الطريقة «ليست الأفضل لبناء الجسور مع الحكومة الجديدة»، لافتاً إلى كثافة الضربات الإسرائيلية وحجمها.

الأكراد والدروز

وفي وقت يسود فيه تفاؤل في سوريا بشأن مستقبل البلاد، يتوقع بعض المحللين الإسرائيليين أن تكون البلاد مجزأة.

وقال إيال بينكو، وهو ضابط بحري متقاعد وخبير أمني، إنه يتوقع أن تنقسم سوريا إلى مجموعات إثنية - دينية، موضحاً: «أعتقد أنه لن تعود هناك سوريا».

من هذا المنطلق، يمكن لإسرائيل أن تختار مجموعات دون أخرى للعمل معها.

والاثنين، قال وزير الخارجية جدعون ساعر إن أكراد سوريا الذين وصفهم بأنهم «قوة الاستقرار»، يجب أن يتمتعوا بحماية المجتمع الدولي، فيما تحدث سابقاً عن العمل مع الأكراد في شمال شرقي البلاد والدروز في الجنوب.

وقال بينكو: «لا أعتقد أنهم سيحكمون سوريا... لكن إسرائيل ستحاول الدخول في سلام مع من يرغب فيه».

من جهته، رأى ميكيلبرغ أن العمل العسكري في الجولان، وتفضيل مجموعات على أخرى، سيشكلان خطأ من شأنه أن يضر بأي علاقة مستقبلية.

محادثات نووية

على مدى عقود، كانت سوريا حليفاً وثيقاً لطهران، والركيزة الأساسية للجسر البري الذي كانت تصل عبره الأسلحة الإيرانية إلى «حزب الله».

وبعدما تضرر بشدّة خلال حربه الأخيرة مع إسرائيل، قد يجد «حزب الله» الآن صعوبة في إعادة تسليحه دون روابط بسوريا.

وقال سيترينوفيتش إن سوريا «أساسية» بالنسبة إلى «حزب الله»، «وأنا أقول إنه دون سوريا تحت تأثير إيران، فلن يكون هناك في الواقع محور مقاومة».

وأيّده بينكو في ذلك قائلاً: «الخطر المرتبط بالمحور، (حزب الله) وسوريا وإيران والميليشيات العراقية أيضاً، أقل بكثير» الآن.

لكن السؤال الأهم هو: كيف يمكن لإيران أن ترد بينما أصبح موقفها أضعف؟ وقال سيترينوفيتش إن طهران قد «تسارع لإنتاج قنبلة (نووية)».

وهو ما قاله أيضاً أوريغ، مشيراً إلى أن ذلك يشكّل مصدر القلق الاستراتيجي الرئيسي لإسرائيل؛ «لأنه عندما تتعامل مع إيران مسلّحة نووياً، فإن الأمر سيكون مختلفاً تماماً».

إذا بدأت إيران تصنيع أسلحة ذرية، فقد تقرر إسرائيل القيام بعمل عسكري كما يتوقع البعض، لكنّ آخرين قدموا فرضية بديلة، وهي أنه يمكن جعل إيران تتفاوض بعدما أُضعفت الآن.