من التاريخ: الإمبراطور تشي هوانغ داي

من التاريخ: الإمبراطور تشي هوانغ داي
TT

من التاريخ: الإمبراطور تشي هوانغ داي

من التاريخ: الإمبراطور تشي هوانغ داي

تابعنا في الأسبوع الماضي كيف استطاع ملك إمارة «كين» المعروف باسم ينج زينج في غرب الصين الصعود إلى سدة الحكم والقضاء على كل المنافسة التي كانت أمامه، وكيف أنه استطاع أن يُحجم أمه وعشيقها ويقضي على محاولتهما وضع ابنهما في سدة الحكم بدلا منه من خلال انقلاب من داخل القصر، وهكذا أصبح الرجل هو الحاكم القوي والوحيد لهذه الدويلة. وكما تابعنا، فقد استطاع الرجل أن يجهز جيشه ويطوره بشكل فتح له المجال للبدء في تنفيذ حلمه بتوحيد الدويلات الصينية السبع تحت حكمه وأسرته من بعده، وهو الجهد العسكري الذي سمح له بتأمين حدوده مع دويلة «زهاو» الشمالية ثم قيامه بغزو دويلة «هان» الغربية، وهو ما بات يهدد باقي الدويلات بشكل مزعج للغاية، فتحالفت هذه الدويلات ضده بأسرع مما كان يتصور، ولكنه استطاع بهدوء ورجاحة عقل أن يستولي عليها الواحدة تلو الأخرى بمزيج من الدبلوماسية والقوة العسكرية، فلقد قام بشكل منظم بتوجيه جهده الحربي في المرحلة التالية نحو ولاية «ويي» الغربية التي أصبحت في أحضان دولته بعدما استولى على الدويلتين في شمالها وجنوبها، فصارت محاصرة وأصبح الاستيلاء عليها مسألة وقت لا غير. وقد اقترف الملك الكثير من المجازر خاصة مع السجناء لمحاولة كسر عزيمة المقاومة للجيوش التي أصبحت أمامه. وقد جاءت هذه المجازر بأثر عكسي على خطط الملك؛ حيث أصبحت الجيوش الأخرى تخشى أن تلقى المصير نفسه، فزادت من استبسالها وصمودها في مواجهة جيشه، ولكن قوته كانت أكبر واقتصادات بلاده كانت أقوى من منافسيه، خاصة بعد ضم 3 دويلات إلى دولته، فوجه جهده بعد ذلك إلى أقوى الدويلات المتبقية، ولكنها استعصت عليه في البداية وهزمته عسكريا في عام 224 قبل الميلاد، ولكنه استطاع حشد مزيد من القوات، وعاد لينتصر عليها، ثم دانت له ولاية «كيي» بعدما فقدت الأمل في أي مناصرة أو تحالف. وبهذا استطاع الملك أن يوحد الصين في عام 221 قبل الميلاد، فدانت له البلاد تماما وأصبح هو موحد الصين، وبمجرد أن حقق هذا الحلم، قرر الرجل أن يمنح نفسه لقبا إمبراطوريا وهو تشي هوانج داي.
وعلى الفور بدأ الرجل في اتخاذ سلسلة من القرارات الفورية الهادفة إلى السيطرة الكاملة على الدولة الجديدة، فلقد رفض الرجل استبدال إقطاعيين من رجاله وجنرالاته بقيادات نظام الإقطاع، فقد أصبح الملك يتشكك كثيرا فيمن حوله، وكان يخشى الانقلاب عليه أو منح رجاله الكثير من السلطة بما يمكنهم من الانقلاب عليه، خاصة بعد تجربته التعيسة مع أمه وعشيقها، لذلك آثر الاستبدال بهذا النظام نظام الحاكم المركزي الذي يخضع لإمرته المباشرة من خلال تقسيم الصين إلى محافظات وأقاليم وقرى.. إلخ، التي خضعت بدورها لحكمه من خلال تعيين المحافظين بشكل مركزي، ومع ذلك، فهو لم يستطع القضاء على النظام الإقطاعي بوصفه كيانا اقتصاديا، لا سيما على ضوء عدم وجود نظام بديل له، ولكنه طوعه بشكل مركزي قضى من خلاله على فرص القلاقل السياسية. وقد بدأ الرجل سلسلة من الإصلاحات الداخلية هدفت لشق الطرق لربط الإمبراطورية الجديدة بعضها ببعض، كما قام بكثير من الإصلاحات في مجال الري وشق القنوات وغيرها من المشروعات المهمة التي ضمنت نوعا من الاستقرار الاقتصادي.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن الإمبراطور تشي هوانج داي رغم أن مشروعه التوسعي مصدره الأساسي شعوره بالعظمة ورغبته في إعلان نفسه إمبراطورا على الصين الموحدة، فإنه بشكل أو بآخر وضع اللبنة الأولى لوحدة الدولة الصينية من خلال كثير من الخطوات المهمة، وعلى رأسها قيامه بتوحيد الكتابة الصينية وتعميمها في كل ربوع الدولة الموحدة، ووضع نظام موحد للعملة الصينية، وكذا وضع نظاما موحدا للمقاييس حفاظا على الوحدة الاقتصادية والتكامل بين أجزاء الدولة الجديدة، وهو ما كان له أكبر الأثر في التوحد الصيني فيما بعد بعيدا عن الأنظمة المختلفة التي تبعته.
وإمعانا في تأمين هذا الهدف، فقد دأب الرجل على محاولة احتواء مملكته الجديدة من خلال بناء سور الصين العظيم الذي كان يمثل فاصلا بين دولته والعالم الخارجي، خاصة أمام القبائل المتنقلة، وهنا استخدم الرجل ما يقرب من مليون عامل صيني بالسخرة أو العبودية لبناء هذا الصرح الضخم في وقت قياسي، فبناء سور بارتفاع قرابة عشرة أمتار لمسافة تقارب خمسة آلاف كيلومتر لم يكن بالمشروع الهين، ولكن الرجل بأساليبه القسرية والعنيفة استطاع على حساب ما يقارب ربع مليون صيني أن يحقق هدفه الثمين.
وعلى الرغم من أن الإمبراطور استطاع أن يحقق حلمه وهو في سن مبكرة، تماما مثلما حدث مع الإسكندر الأكبر، فإن كل المصادر التاريخية تجمع على أن تاريخ الرجل وتجاربه باتت تؤثر على توازنه النفسي والانفعالي بشكل ملحوظ، فلقد بدأ الرجل يشعر بأن ما حققه ليس كافيا، خاصة إذا ما تلازم مع ذلك شعور بالعظمة الممزوج بنوع من «البارانويا» بسبب كثرة المؤامرات ومحاولات الاغتيال، وهو ما ساهم في تشكيل نفسية غير سوية مع مرور الوقت، فلقد بدأ الرجل يسعى مثل الإسكندر إلى تحدى الموت، وإذا ما كان الإسكندر قد اقتنع بأنه كان سيموت في عمر مبكر لأن الآلهة ستسمح له بتحقيق العظمة في سن مبكرة، فإن شيي هيوانج داي لم يكن على هذه القناعة نفسها، فلقد أراد الرجل أن يعيش عمرا أطول مما هو مكتوب له، فكانت محاولاته المستميتة لإيجاد وسيلة تسمح له بعمر مديد، وهو ما قربه من الروحانيين والعرافين الذين اقترحوا عليه كثرة معاشرة النساء لمد عمره فضلا عن تجرع جرعات من «الزئبق» التي كانوا يعتقدون أنها ستمد عمره، وهو ما أتى بنتائج عكسية تماما، حيث ساهم ذلك في إضعاف جسد الرجل تدريجيا إلى أن مات في عام 210 قبل الميلاد.
وهنا كرر التاريخ نفسه بعد موته، فسرعة التوحيد وعدم ترسيخ النظام الجديد لسنوات طويلة غالبا ما يكون من نتائجه تلاشي الحلم الذي بنيت من أجله الدولة الجديدة في وقت سريع، وهذا ما حدث؛ فلقد وقعت الدولة فريسة لمؤامرات القصر، حيث إن رئيس الوزراء لم يكن يميل لأن يتولى ابنه فوسو الحكم من بعد أبيه لأنه كان يأمل في أن يزيد من سلطاته من خلال السيطرة على الابن الأصغر للملك، ولكن في أقل من ثلاث سنوات انهارت الدولة الصينية الأولى، ولكن ليس قبل أن تكون قد رسخت في العقلية الصينية الدولة واللغة والثقافة والعملة الموحدة، وهي المكونات الأساسية التي تبنى عليها القومية في أي دولة.
أما على الصعيد الخاص بموحد الصين، فلقد ثبت من خلال تجربة هذا الرجل أن الاضطراب النفسي كثيرا ما يصاحب القوة التي لا يراجعها أحد والتي تتعرض للموت والمؤامرات، فسرعان ما حولت هذه العوامل الرجل إلى شخص مضطرب عانت من قيادته البلاد في أواخر أيامه أكثر مما استفادت، حيث بلغت به «البارانويا» آفاقا متقدمة، ولعل أكبر رموزها كان المقبرة العظيمة التي بناها الملك لنفسه تخليدا لحياته في العالم الآخر، وهي المقبرة التي تم اكتشافها في عام 1974 والتي احتوت في داخلها على خريطة مصنوعة للصين الموحدة، ومقبرة برونزية له، وما يقرب من سبعة آلاف تمثال لجيشه بالحجم الطبيعي، والمعروفة بالـ«Terracota»، مضافا إليها رفات كثيرين ممن شاركوا في بناء المقبرة والعالمين بمداخلها ومخارجها حفاظا على سرها، فضلا عن كثير من عشيقاته اللاتي آثرن الموت معه أو فرض عليهن الموت ليخففوا عن الملك آلام العالم الآخر وليوفرن له الاستقرار النفسي، وهذه من الحالات التي لم يأت فيها حب الملوك والتقرب منهم بفائدة عليهن!



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.