كوباني المدمرة.. تنتظر المجهول

عبء إعادة الحياة وتأهيل المرافق سيكون أثقل من عبء الحرب

كوباني المدمرة.. تنتظر المجهول
TT

كوباني المدمرة.. تنتظر المجهول

كوباني المدمرة.. تنتظر المجهول

بات سكان مدينة عين العرب (كوباني) في سوريا على أعتاب خطر جديد يحدق بهم بعد الحرب التي دارت بين التنظيم والمقاتلين الأكراد في وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات البيشمركة، فبعد معارك ضارية استمرت أكثر من أربعة أشهر، أصبحت كوباني مدينة مدمرة لم يبق فيها سوى أنقاض المباني والمنازل المهدمة.
وبحسب روايات سكان في المدينة وعناصر من القوات الكردية، فإنه ما زالت هناك المئات من جثث قتلى تنظيم داعش توجد تحت المباني المهدمة، والكثير من هذه الجثث بدأت في التفسخ، الأمر الذي سيتسبب في القريب في انتشار الكثير من الأوبئة والأمراض خاصة مع النقص الحاد في الغذاء بسبب قلة الإغاثة الإنسانية، وانعدام المياه الصالحة للشرب والخدمات الأساسية التي كانت تتمتع بها في الماضي.
الرائد عز الدين تمو، هو طبيب عسكري كردي رافق قوات إسناد بيشمركة إقليم كردستان العراق التي دخلت كوباني في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي لتقديم الدعم بالأسلحة الثقيلة لمقاتلي وحدات حماية الشعب والمرأة التي كانت تخوض معركة دفاعية ضد «داعش» الذي سلط كل زخمه العسكري من أجل السيطرة على المدينة. وقال تمو الذي يواصل مهامه العسكرية والإنسانية منذ أكثر من مائة يوم في كوباني، من خلال رئاسة اللجنة الطبية المرافقة لقوات الإسناد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك جثثا لقتلى (داعش) تحت كل مبنى مدمر، لكن بسبب الأجواء الباردة هنا لم نشعر بتفسخ هذه الجثث، لكن في الأيام المقبلة سيكون هناك وباء بسبب تفسخها خاصة مع ارتفاع حرارة الجو، لذلك يجب تدارك هذه الكارثة والتفكير في إزالة الجثث». وتابع تمو «عندما دخلت قوات البيشمركة إلى كوباني كان هناك مركز صحي صغير في المعبر الحدودي مع تركيا، يقدم العلاج لجرحى مقاتلي حماية الشعب والمرأة. الفريق الطبي المرافق للبيشمركة كان يحمل معه كمية كبيرة من كل أنواع الأدوية ولكل الأعمار، وما زالت حكومة إقليم كردستان العراق تقدم الأدوية والمستلزمات الطبية لهذه المدينة مع بدء كل وجبة من قوات البيشمركة لمهامها في كوباني، وأسس أبناء المدينة منظمة الهلال الأحمر الكردي وقدمنا جزءا من الأدوية التي وردتنا من كردستان العراق إلى هذه المنظمة».
المركز الطبي الموجود في معبر مرشد بينار الحدودي الفاصل بين المدينة والحدود التركية دمر بالكامل إثر هجوم بسيارة مفخخة لتنظيم داعش على المعبر، ففقدت كوباني المركز الصحي الوحيد لها بعد أن دمر مبنى مستشفى المدينة ولم يبق منه سوى هيكل منقوش بآثار الرصاص.
ويقول تمو «بعد تدمير المركز الصحي أنشأنا مستشفى ميدانيا في قبو أرضي تحت إحدى المدارس غرب المدينة التي كانت أقل دمارا من الأجزاء الأخرى لأنها كانت تحت سيطر القوات الكردية طيلة الحرب، هذا المستشفى يقدم خدماته لمقاتلي وحدات حماية الشعب وللمدنيين أيضا، ويعالج المصابين والمرضى بالاعتماد على المساعدات الطبية. كوادر المستشفى انقسموا إلى فريقين، أحدهما يشرف على المدنيين فقط والآخر على المقاتلين، حاليا الدواء الموجود كاف، لكن المشكلة ستكون بعد عودة السكان، لأننا سنحتاج في حينها إلى كميات كبيرة من الأدوية والمستلزمات الصحية، التي تتواكب مع العدد الهائل للسكان وكذلك ستكون هناك حاجة إلى كوادر طبية ومستشفيات وعيادات صحية أيضا لأن ما كان موجودا في كوباني في الماضي أصبح اليوم في عداد الأنقاض».
الواجب الذي يقع على كاهل الإدارة الذاتية في كوباني أو «كانتون كوباني» كما يسميه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا (بي واي دي)، سيكون أثقل من الحرب التي خاضها مقاتلوه في الأشهر الماضية، فالمناطق الجنوبية والشرقية وحتى الشمالية من كوباني مدمرة بالكامل، ولم تبق ملامح المدينة سوى في قسمها الغربي الذي تعرض هو الآخر لشبه تدمير خلال المعارك، لذا عملية إعادة الإعمار ستكون صعبة في ظل غياب الدعم الإنساني الدولي والإقليمي للأكراد في سوريا.
يقول إدريس نعسان، نائب رئيس العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لـ«كانتون كوباني»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «نتيجة حصار (داعش) لكوباني الذي دام قرابة العامين والحرب التي استمرت أكثر من أربعة أشهر ونزوح معظم أهالي المدينة إلى تركيا، انهارت الحياة بالكامل وتهدمت البنى التحية في كوباني. حاليا هناك نقص حاد في المواد الغذائية، والمدينة تعتمد على بعض الكميات الصغيرة من الإغاثة التي تدخل إلى كوباني عبر تركيا بصورة غير رسمية، بالإضافة إلى الاعتماد على ما بقي من مخزون غذائي في مستودعاتها ومؤن المنازل، أما مياه الإسالة فهي مقطوعة، لذا يضطر الموجودون من أهاليها إلى الاعتماد على مياه الآبار، وهذه المياه تلوثت بالمياه الثقيلة نتيجة قصف طيران التحالف الدولي الذي أحدث حفرا عميقة، فالمدنيون الموجودون في كوباني يعيشون بين الألغام والقذائف غير المتفجرة وركام الأبنية المهدمة، في ظل انعدام تام في مستلزمات الحياة الضرورية، إضافة إلى أن قطاع البنى التحتية والخدمات هو الأكثر تدميرا في المدينة».
ومضى نعسان بالقول «نحاول الآن جذب أنظار العالم لما يحدث من كارثة إنسانية في كوباني بعد الحرب. المدينة بحاجة إلى جسر إنساني دولي عبر تركيا لتوصيل الغذاء والدواء إلى المدنيين، لأن المنفذ الوحيد للدخول إليها يكون عن طريق معبر مرشد بينار مع تركيا، لكن ليست هناك أي خطوة جدية في هذا الاتجاه من قبل أنقرة، على العكس المسؤولون الأتراك يصرحون بين الفترة والأخرى بأنهم لن يشاركوا في إعمار كوباني، ويبقى هذا الحمل على عاتق المجتمع الدولي، فعلى التحالف الدولي الذي حارب (داعش) في كوباني أن يتحمل مسؤوليته الإنسانية تجاه هذه المدينة والضغط باتجاه فتح هذا الممر».
وينتظر نحو 200 ألف من اللاجئين الأكراد السوريين في تركيا العودة إلى مدينتهم كوباني، لكن حجم الدمار وقلة الخدمات والمخاوف الأمنية تحول دون السماح لعودتهم حاليا، وعن هذا الموضوع قال نعسان «تشهد المدينة يوميا عودة العشرات من أهليها الذين هربوا من المعارك إلى تركيا خلال الأشهر الماضية، وهم يتشوقون للعودة في أقرب فرصة، لكن نحن في الإدارة الذاتية الديمقراطية، قبل أن نسمح بعودة الأعداد الهائلة من السكان إلى كوباني، فيجب أن نجهز لهم مستلزمات الحياة، على الأقل أن نكون قادرين على إطعامهم، وتقديم الدواء لهم، وبالتالي نحاول أن نرسم هذه الصورة للعالم. حاليا عادت العائلات التي كانت موجودة في المنطقة المحرمة بين الحدود التركية وكوباني إلى المدينة خاصة في الأطراف الغربية، وهناك عودة يومية لمئات الشباب الذين يريدون الانخراط في عمليات تقديم الخدمات عن طريق الجهات الخدمية في المدينة التي بدأت فعليا بتنظيم أمورها لتنظيف المدينة وترتيبها وتوفير بعض المستلزمات فيها، ويوجد حاليا في كوباني 15 ألف مدني».
العشرات من شباب كوباني جمعوا التوقيعات مطالبين حكومة المدينة بعدم إعادة إعمار الجزء الشرقي منها، وإبقائه مدمرا ليكون متحفا حيا وشاهدا على ما تعرضت له مدينتهم من خراب على يد تنظيم داعش. وأشار نعسان إلى أن الإدارة الذاتية في كوباني شكلت هيئة لإعادة إعمارها، إلى جانب تشكيل سبع لجان لتقييم الأضرار الواقعة في القطاع العام، لا سيما الخدمية منها، فبعد توثيق أضرارها سينتقلون إلى قطاع آخر ومن ثم المباني المدنية. وعن دور قوات البيشمركة في مجال إعادة الإعمار أكد نعسان بالقول «دور قوات البيشمركة حاليا مقتصر على تقديم الإسناد العسكرية لقوات حماية الشعب والمرأة، لكن هناك مؤشرات تدل على أن إقليم كردستان سيسهم في إعادة إعمار كوباني، أما حاليا فليس هناك أي شيء على الأرض».
وعن جثث قتلى التنظيم الموجودة تحت ركام الأبنية، وكيفية التعامل معها للحول دون انتشار الأمراض في المدينة بعد تفسخ العشرات منها مؤخرا، كشف نعسان بالقول «بدأ الهلال الأحمر الكردي وبالتعاون مع بلدية كوباني، في انتشال هذه الجثث، ودفنها، بطريقة لائقة، لأننا عندما نحارب هؤلاء الإرهابيين بلا شك لا نستهدف القضاء عليهم فقط، بل نستهدف أيضا القضاء على هذا الفكر الإرهابي الذي ننبذه. لذا ومن منطلقنا الإنساني نتعامل مع الإنسان كإنسان أيا كان نوع هذا الإنسان خاصة بعد الموت، حيث يجب أن يحترم، بالإضافة إلى أن قواتنا تتعامل مع الأسرى تعاملا قانونيا حسب الأعراف والمواثيق الدولية».
وتوصل المجلس الوطني الكردي السوري وحركة المجتمع الديمقراطي السوري إلى اتفاق لتوحيد الصف السياسي الكردي في سوريا، بعد مفاوضات استمرت عدة أيام برعاية رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني في مدينة دهوك في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتلتها اتفاقية أخرى بين وحدات حماية الشعب الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (بي واي دي) وإقليم كردستان لإرسال قوة إسناد من البيشمركة إلى كوباني عبر الأراضي التركية للمساهمة في تحرير المدينة التي تمكن «داعش» من اختراق الخطوط الدفاعية فيها والسيطرة على معظم أجزائها، لكن مع دخول قوات إسناد البيشمركة إلى المدينة تغيرت موازين المعركة لصالح الأكراد بفعل الأسلحة الثقيلة التي أدخلتها البيشمركة والتي استطاعت وبإسناد من طيران التحالف الدولي أن تقدم الدعم اللازم لقوات حماية الشعب في الهجوم على تنظيم داعش وإرغامه على الانسحاب من مركز مدينة كوباني بعد أكثر من أربعة أشهر من المعارك الطاحنة بين الجانبين.
بدوره، قال العميد مصلح زيباري، قائد قوات بيشمركة إقليم كردستان المرابطة في كوباني، لـ«الشرق الأوسط»: «بعد استعادة السيطرة على مركز مدينة كوباني بدأت المرحلة الثانية من المعارك، وهي مرحلة تطهير ريف المدينة من مسلحي (داعش)، حيث تمكنت القوات الكردية من تحرير ما يقارب 150 قرية من قرى ريف كوباني البالغة 400 قرية ومزرعة، والعمليات العسكرية مستمرة في كل اتجاهات الريف الأربعة. دورنا يقتصر على تقديم الإسناد لقوات حماية الشعب والمرأة، ونحن نقدم لهم الإسناد بالأسلحة الثقيلة الموجودة لدينا، وتمكنت القوات الكردية من أن تؤمن مدينة كوباني، وأن تنشئ خط أمان يمتد مسافة 20 كم حول أطراف المدينة من كل الاتجاهات»، مبينا أن «تنظيم داعش فقد قوته الهجومية في كردستان سوريا تماما، ومسلحيه بدأوا بالفرار من الريف، فيما بدأت القوات الكردية في مطاردتهم، والأيام المقبلة ستشهد الإعلان عن تحرير ريف كوباني بالكامل».
ووحدت الحرب في كوباني الأكراد، وكانت سببا في التقارب بين الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا بزعامة صالح مسلم المقرب من حزب العمال الكردستاني في تركيا، وما آلت إليه من تنسيق على الأرض بين الوحدات الكردية في سوريا وبيشمركة إقليم كردستان العراق.
وقال زيباري، الذي يقود الوجبة الثالثة من البيشمركة في كوباني بعد عودة الوجبتين السابقتين إلى الإقليم «هناك تنسيق ميداني كبير بيننا وبين وحدات حماية الشعب وطيران التحالف الدولي. نحن في كوباني على اتصال مباشر مع غرفة تنسيق العمليات العسكرية في أربيل، وعند الحاجة إلى إسناد جوي نطلب مباشرة من الغرفة في أربيل ذلك لتباشر الطائرات بقصف مواقع العدو فورا»، مشددا على القول إن قرار عودتهم بعد الانتهاء من العملية العسكرية مرتبط بقرار من القائد العام لقوات البيشمركة الرئيس مسعود بارزاني.
بحسب إحصائية لقوات البيشمركة ووحدات حماية الشعب، فإن معارك كوباني خلفت 3710 قتيلا في صفوف مسلحي «داعش»، فيما بلغ عدد القتلى في صفوف المقاتلين الأكراد 408 قتلى، ودمرت القوات الكردية وطيران التحالف الدولي 87 عجلة عسكرية و16 دبابة وخمس سيارات مدرعة من نوع هامر وأربع مدافع رشاشة، واستولى الأكراد على مجموعة أخرى من الأسلحة التي وصفوها بالصالحة للاستعمال، إلى جانب وجود عدد آخر من أسلحة التنظيم الثقيلة تحت المباني المنهارة والتي تؤكد المصادر الكردية أن إخراجها يعتبر عملا صعبا حاليا لقلة الإمكانيات المتاحة في المدينة.
وكما هو معروف عن تنظيم داعش من استخدامه التفجيرات والمباني المفخخة في كل المعارك التي خاضها منذ ظهوره في سوريا قبل أكثر من عامين ودخوله العراق العام الماضي، فإن كوباني لم تكن بعيدة عن هذه المتفجرات التي زرعها «داعش»، حيث استخدم التنظيم خلال معاركه في كوباني وحدها أكثر من خمسين عجلة مفخخة، وفخخ مساحات واسعة من المدينة وأطرافها.
بدوره، قال العميد دحام غرغري، أحد قادة البيشمركة الرئيسيين في كوباني، لـ«الشرق الأوسط»: «تنظيم داعش زرع عددا كبيرا من العبوات الناسفة في مركز مدينة كوباني، أما في أطرافها فنستطيع القول إن العبوات الناسفة قليلة وغير موجودة في بعض المناطق. لا توجد لدى القوات الكردية في هذه المدينة أجهزة ومعدات خاصة بتفكيك العبوات الناسفة وإبطال مفعولها، فالمقاتلون الأكراد يستخدمون وسائل بدائية جدا للتطهير المناطق من الألغام، فيما زرع العدو هذه المتفجرات بطرق فنية، ولا يمكن إزالتها إلا باستخدام الأجهزة المتطورة، ويجب ألا ننسى أن طيران التحالف الدولي لعب دورا كبيرا في تدمير قوة داعش وإجهاض عملياته الانتحارية، ومن هنا نطالب المجتمع الدولي بتزويد القوات الكردية هنا بأجهزة كشف المتفجرات وإبطال مفعولها».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.