هل تدرّب العزلة رؤيتنا للعالم؟

هل تدرّب العزلة رؤيتنا للعالم؟
TT

هل تدرّب العزلة رؤيتنا للعالم؟

هل تدرّب العزلة رؤيتنا للعالم؟

تنتج العزلة دائماً بعض أسئلتها المريرة عن أنفسنا والآخرين، وعن العالم الذي بدأت تضيق المسافة بينه وبيننا، فيبدو وكأنه فارغ تقريباً. نحن هنا وهو هناك. تزورنا أشباحه فقط. تحوم في غرفنا، ثم تختفي حتى قبل أن نتعرف على شيء من ملامحها. ولكن هل كنا حقاً نرى ذلك العالم قبل أن نغلق أبوابنا علينا؟ هل كنا يوماً في داخله، نسمع صوته، ويتغلغل في نسيجنا ضوؤه السابح في الميادين والساحات والشوارع، المتراقص بين الفضاء والأرض؟
لم نكن نرى. كنا نأكل قوت يومنا، ونشرب قهوتنا مسرعين، حتى قبل أن تلامس مرارتها حلوقنا، ويستقر رغو منها فوق شفاهنا، ثم نهرع للشوارع الصاخبة، مصطدمين بالبشر المسرعين مثلنا نحو الخبر والمؤونة. هل كنا نسمع صوت هذا العالم بإيقاعه النقي المرهف النغمات، ونرى نوره البهي رغم سطوعه الشديد؟ لم نكن نرى.
نعم، نحن نفتح أعيننا، حين نفتحها، على كثير ولكن لا نرى.
نكتشف في العزلة، كم ضاعت منا أشياء مثيرة فات الأوان على استعادتها... أشياء صغيرة لم يكن اكتشافها يكلفنا الكثير... أشياء مرمية على حافة الطريق، كانت بحاجة فقط إلى أن نراها لتشع في دواخلنا، وتستقر فيها، مالئة إياها بالدفء والنور، واللون والموسيقى.
ينصح أحد الرسامين الكاتب الروسي كونستانسين باوستوفسكي حين كان شاباً مبتدئاً، كما ينقل لنا ذلك بنفسه في كتابه «الوردة الذهبية»، أن يرمي في سلة القمامة قصته الجديدة، ويعاود الكتابة من جديد بعد أن يدرب عينيه على الرؤية: «أنت يا عزيزي لا ترى بوضوح كافٍ. رؤيتك غائمة قليلاً. إنك تلاحظ فقط الألوان الأساسية، الملونة للغاية. أما التدرجات والتباينات فتندمج عندك في شيء رتيب. تدرب على الرؤية. العين الجيدة مسألة تدريب».
وينقل باوستوفسكي عن الشاعر والكاتب الروسي النوبلي إيفان بونين قوله: «يتكون العالم من مجموعة هائلة متشابكة من اللون والضوء. والإنسان الذي يستطيع أن يلتقط بسهولة ودقة هذا التشابك هو إنسان محظوظ، خاصة إن كان كاتباً أو رساماً». وكان بونين يرى كل إيماءة بسيطة وكل حركة للروح بشكل مدهش للغاية، وفي الوقت ذاته بشكل صارم ودقيق، وكان يؤمن بأن الكتابة عن الطبيعة بـ«يد غريبة» كما يصفها، «غير مجدية وبلا معنى تقريباً».
في العزلة، نعقد أصعب وأشق محاكمة في التاريخ: محاكمة الذات. يهبط الماضي على رؤوسنا بتفاصيله الدقيقة، وكأنه يريد منا أن نرممه من جديد. وكلما حدقنا فيه أعمق نرى ذوات غريبة كأنها ليست ذواتنا السابقة - هل أصبحت سابقة فعلاً؟ - ونكتشف أفعالاً نستغرب أننا ارتكبناها يوماً ما، وربما السؤال الأمرّ: كيف مضى هذا الماضي هكذا؟ كيف تسرب من بين أيدينا من دون أن نملأ ثغراته التي لا تزال فاتحة أفواهها على سعتها؟ كيف ضيعنا هذا الماضي عبثاً؟ كيف لم نرَ هذا الزمن الضائع كما ينبغي، ولم نصغ إلى إيقاعه الذي ضاع في ضجيجنا بلا معنى، وفيما لا ينفع حركة الروح، والعقل أيضاً، اللذين لا يمكن فصلهما عن تدفق الحياة البشرية اليومية، الذي أوقفته عزلة مفروضة ربما تعيد ترتيب علاقتنا مع العالم والطبيعة ومع أنفسنا أولاً إلى الأبد... هذا إذا كنا قد تعلمنا كيف ندرب أعيننا على الرؤية.
الرؤية الجيدة مسألة تدريب!



الخفافيش تتكيف مع فقدان السمع بخطة بديلة

الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
TT

الخفافيش تتكيف مع فقدان السمع بخطة بديلة

الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)

كشفت دراسة أميركية عن استراتيجية بديلة تلجأ إليها الخفافيش عندما تفقد قدرتها على السمع، وهي حاسة أساسية تستخدمها للتوجيه عبر تقنية الصدى الصوتي.

وأوضح الباحثون من جامعة جونز هوبكنز أن النتائج تثير تساؤلات في إمكانية وجود استجابات مشابهة لدى البشر أو الحيوانات الأخرى، مما يستدعي إجراء مزيد من الدراسات المستقبلية، ونُشرت النتائج، الاثنين، في دورية (Current Biology).

وتعتمد الخفافيش بشكل أساسي على حاسة السمع للتنقل والتواصل عبر نظام تحديد المواقع بالصدى (Echolocation)، إذ تُصدر إشارات صوتية عالية التّردد وتستمع إلى صدى ارتدادها عن الأشياء المحيطة لتحديد موقعها واتجاهها. وتعد هذه القدرة إحدى الحواس الأساسية لها.

وشملت الدراسة تدريب الخفافيش على الطيران في مسار محدد للحصول على مكافأة، ومن ثم تكرار التجربة بعد تعطيل مسار سمعي مهمٍّ في الدماغ باستخدام تقنية قابلة للعكس لمدة 90 دقيقة.

وعلى الرغم من تعطيل السمع، تمكنت الخفافيش من إتمام المسار، لكنها واجهت بعض الصعوبات مثل التصادم بالأشياء.

وأوضح الفريق البحثي أن الخفافيش تكيفت بسرعة بتغيير مسار طيرانها وزيادة عدد وطول إشاراتها الصوتية، مما عزّز قوة الإشارات الصدوية التي تعتمد عليها. كما وسّعت الخفافيش نطاق الترددات الصوتية لهذه الإشارات، وهي استجابة عادةً ما تحدث للتعويض عن الضوضاء الخارجية، لكنها في هذه الحالة كانت لمعالجة نقص داخلي في الدماغ.

وأظهرت النتائج أن هذه الاستجابات لم تكن مكتسبة، بل كانت فطرية ومبرمجة في دوائر الدماغ العصبية للخفافيش.

وأشار الباحثون إلى أن هذه المرونة «المذهلة» قد تعكس وجود مسارات غير معروفة مسبقاً تعزّز معالجة السمع في الدماغ.

وقالت الباحثة الرئيسية للدراسة، الدكتورة سينثيا موس، من جامعة جونز هوبكنز: «هذا السلوك التكيفي المذهل يعكس مدى مرونة دماغ الخفافيش في مواجهة التحديات».

وأضافت عبر موقع الجامعة، أن النتائج قد تفتح آفاقاً جديدة لفهم استجابات البشر والحيوانات الأخرى لفقدان السمع أو ضعف الإدراك الحسي.

ويخطط الفريق لإجراء مزيد من الأبحاث لمعرفة مدى تطبيق هذه النتائج على الحيوانات الأخرى والبشر، واستكشاف احتمال وجود مسارات سمعية غير معروفة في الدماغ يمكن أن تُستخدم في تطوير علاجات مبتكرة لمشكلات السمع لدى البشر.