بألوان مبهجة، وبفرشاة بين أناملها تشبه الفنانين في مراسمهم، عكفت المصرية منار عواد على نقل التجربة البلجيكية في تصنيع الشوكولاته بكل تفاصيلها وتعقيداتها وإبداعاتها، لدرجة مكّنتها من إطلاق علامة تجارية خاصة بها للتصنيع اليدوي في تجربة لاقت استحساناً واسعاً من زبائنها.
فمثل ملايين حول العالم وقعت منار في حب الشوكولاته منذ طفولتها، وكانت شديدة الشغف بشرائها وتذوقها، لكنها لم تكتف بذلك، بل تطور الأمر معها إلى التفكير في صناعتها رغم أن المطبخ لا يستهويها، والطهي ليس من ضمن هواياتها. تقول منار لـ«الشرق الأوسط»، «لم يكن يشغلني سوى الرسم وتصميم الأزياء؛ إذ سبق لي إطلاق علامة تجارية في (الفاشون)، إلا أن الصدفة قادتني ذات يوم إلى الشوكولاته»، وتتابع «كنت متوجهة إلى زيارة صديقة مقربة، وأفكر في جلب هدية مختلفة لها، وحينها تساءلت لماذا لا أخوض هذا مجال تصنيع الشوكولاته؟».
وأضاف «التحقت بمدرسة Ecole chocolate بكندا لمدة ثلاث سنوات، وهي واحدة من أشهر مدارس تعليم فنون ومهارات صناعة الشوكولاته، وفي وقت لاحق تلقيت تدريباً على يد الشيف المصرية ميرفت دسوقي، ثم بدأت أتابع باهتمام مجموعة من الشيفات العالميين من مبدعي الشوكولاته أمثال باتريك أوبريون وفيليب فانكايسيل حتى أتقنت هذه الصناعة بكل تفاصيلها».
وتابعت «تعلمت قواعد وأساسيات هذا العلم الذي يشمل جوانب نظرية وعملية، ومن ذلك تليين الشوكولاته وإذابتها، وإضافة قطع الشوكولاته الصلبة وتشكيلها إلى جانب البلورة المسبقة لحبيبات الشوكولاته البلجيكية، مع زبدة الكاكاو الطبيعية الخالصة، ودراسة المخاطر والتحديات والأخطاء التي قد تواجه الصانعين وسبل مواجهتها، وطرق التخزين والحفظ وتقنيات صب الشوكولاته تقطيعها، واللمسات النهائية».
عقب هذه الدراسة المستفيضة أطلقت منار عواد مدونتها «chocolatier Oh» التي تحتفي بكل ما يتعلق بالشوكولاته البلجيكية منذ نحو ثلاث سنوات، وتبع ذلك إطلاق علامتها التجارية بجودة وصفت بـ«الاستثنائية» إلى حد أن بعض الزبائن من المصريين والأجانب المقيمين يلفتون إلى أنها مطابقة للشوكولاته البلجيكية.
وترجع منار ذلك إلى أنها تستورد كل الخامات من بلجيكا، كما أنها تستطلع آراء عملائها، وبناءً على أمزجتهم يتم التصنيع من حيث المذاق والشكل والحشو والتفاصيل كافة «أستمع جيداً إلى المواصفات المطلوبة في المنتَج وفقاً لصناعة الشوكولاته البلجيكية، وأنفذه بدقة وأجد انبهاراً بالنتيجة النهائية».
لم يكن الأمر سهلاً، فتصنيع الشوكولاته البلجيكية من أصعب الأصناف والماركات، وفقاً لمنار، لكنها اختارتها لمذاقها المميز ولتاريخها العريق «بلجيكا هي عاصمة الشوكولاته، تعتمد على أجود الخامات الطبيعية، وتشتهر بصناعة أفخر الأنواع»
داخل معمل الشوكولاته الخاص بمنار في القاهرة تفوح رائحة الكاكاو الدافئ وتجسد كل قطعة نوعاً من الإبداع وساعات من العمل الجاد، فهي تقضي هناك أوقاتاً طويلة يومياً في صناعتها، تقول «المصريون مولعون بالشوكولاته، في الأعياد الدينية وحفلات الخطوبة والزواج، ورأس السنة، ويُعد شهرَا مارس (آذار) وأبريل (نيسان) من أهم المواسم؛ بسبب أعياد الربيع وشم النسيم وعيد الأم».
وفي المعمل تستطيع أن تستمتع بمراقبة منار أثناء مراحل العمل المختلفة، لكن تبهرك اللحظات التي تقوم أثناءها بتشكيل الشوكولاته، التي تتخذ في الغالب إلى جانب الألواح التقليدية، أشكالاً مثل القلوب والزهور، والكواكب، والشخصيات الكرتونية، وبعض الحيوانات المحببة للأطفال، تقول «الشوكولاته البلجيكية ليست كأي نوع؛ وذلك لارتفاع نسبة زبدة الكاكاو الطبيعية في تصنيعها، وهذا يتطلب العمل في درجة حرارة 30، من دون زيادة أو نقصان، ويتم صبها في قوالب بحسب الشكل المطلوب وحشوها»، وتلفت «أشعر وكأني أتعامل مع كائن حي صغير ورقيق يتطلب رعاية ورفق شديدين؛ ولذلك نستخدم قفازات خاصة بصانعي المجوهرات أثناء العمل».
تجد أمام منار على المائدة مجموعة ألوان تغمس فيها فرشاتها الصغيرة، ومن ثم تعود إلى الرسم على سطح قطعة الشوكولاته بدقة متناهية، وعندما تنتهي تشعر أنه أصبح بين يديك قطعة فنية بألوان مبهجة يتخللها الأصفر والأخضر والأزرق والوردي؛ إذ لا تكتفي بالشوكولاته بنية اللون أو الداكنة إنما يروق لها تقديم قطع بألوان مستلهمة من الطبيعة «هذه البالتة التي أمامي لا تحتوي على أي ألوان أو مواد صناعية، لكنها من أفخر أنواع زبدة الكاكاو المختلطة بألوان زيت طبيعية معدة خصيصاً على شكل بودرة لتلوين الشوكولاته».
وتتابع منار في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»، «أتبع كل الخطوات اليدوية في التصنيع، حتى في الرسم والتلوين؛ إذ أقوم بذلك من دون أي آلات أو طباعة».
بعد مرور 24 ساعة على حفظ الشوكولاته داخل ثلاجات، يتم استخراجها وتعبئتها وتغليفها في عبوات تتميز بجودة الصنع والخامات يعلوها لوغو من تصميم منار «أحرص على أن تصل على يد العميل في شكل جذاب، كي يستمتع بمذاقها الذي يزيده روعة طعم الحشو من المكسرات أو الفواكه المجففة أو الكراميل أو الكيك».
تعبّر منار عن شعورها بالفخر «لأنها تصنع منتجاً مبهجاً يجمع بين المذاق اللذيذ والشكل الفني، ولا يقل أهمية عن ذلك أنها جسر للحب والتقدير بين الناس، يحمل رسالة توصيل المشاعر الجميلة»، تضيف «من أسعد لحظاتي هي استمتاعي بطلبات خاصة من العميل حين تكون هدية لشخص يحبه، حيث يكون حريصاً على اختيار شكل أو كلمة بعينها يتم كتابتها على كل قطعة، مثل اسم أو أيقونة تخصهما».
أحياناً يشارك منار في الوقوف في المعمل طفلاها نوح وأليس، كما لم يمنعها التصنيع من الاهتمام بمدونتها، فهي تقدم نصائح لراغبي دراسة هذا العلم، وتوجههم إلى المدارس العالمية، تقول «أحلم أن تصل العلامة التجارية الخاصة بي إلى العالمية وافتتاح أكاديمية لتعليم الشوكولاته بأسس علمية».
منار عواد... من تصميم الأزياء إلى صناعة الشوكولاته
تبتكرها يدوياً بلمسات ومواد تحاكي المذاق البلجيكي
منار عواد... من تصميم الأزياء إلى صناعة الشوكولاته
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة