«تفاهم» مصر وتركيا... متغيرات إقليمية ومحددات أمنية وقومية

«تفاهم» مصر وتركيا... متغيرات إقليمية ومحددات أمنية وقومية
TT

«تفاهم» مصر وتركيا... متغيرات إقليمية ومحددات أمنية وقومية

«تفاهم» مصر وتركيا... متغيرات إقليمية ومحددات أمنية وقومية

عندما كان وزير الخارجية المصري سامح شكري، يُدلي بكلمته أمام الاجتماع الدوري لمجلس وزراء الخارجية العرب الذي عُقد في القاهرة قبل أقل من أسبوعين، داعياً إلى ضرورة «خروج الاحتلال التركي» من سوريا، كانت وكالات الأنباء تحمل في توقيت متزامن أخباراً عاجلة، تنقل عن أنقرة أنها «قد تتفاوض مع مصر على ترسيم الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط».
صحيح أن ملفَّي سوريا وأمن الطاقة قد يبدوان في نطاقين مختلفين، غير أن طريقة التعاطي المصرية والتركية خلال ذلك اليوم، قد تبدو مفسِّرة إلى حد كبير للسلوك السياسي للعاصمتين في الفترة المقبلة. فبينما تسعى أنقرة لـ«تفاهمات واجتماعات ثنائية الشكل والتناول»، تتمسك القاهرة بـ«مراعاة مقتضيات الأمن القومي العربي»، ووقف «التدخل التركي في الشؤون الداخلية لدول المنطقة».
وبالنظر إلى مستويات وطبيعة بث رسائل أنقرة بشأن القاهرة، والتي بلغت ذروتها بتعليق من الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي تحدث عن تعاون «اقتصادي ودبلوماسي واستخباراتي مع مصر»، في تعليق نادر لخلوّه من إشارات أو إيماءات بشأن نظام الحكم في مصر، تبدو المسألة جديرة بالفهم.
فما الذي تغير منذ الدعوات السابقة التي صدرت في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي وكان مصدرها مستويات وزارية وناطقة باسم الرئاسة؟
لعل من الضروري النظر إلى النسخة الأولى من الدعوات التركية إلى «تهيئة المناخ»، التي كانت تصدر مصحوبة بما وصفته القاهرة في حينه بـ«تناول سلبي حول ما شهدته مصر من تطورات سياسية، تتصل بـ(ثورة 30 يونيو - حزيران)». ورأت الخارجية المصرية حينها أن «الاستمرار في الحديث عن مصر بهذه النبرة السلبية، وفي الوقت نفسه بهذا القدر من التناقض، يكرّس افتقار المصداقية إزاء أي ادّعاء بالسعي لتهيئة المناخ المناسب لعلاقات قائمة على الاحترام، والالتزام بقواعد الشرعية الدولية».
لكنّ متغيرات أخرى يضعها وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي، في الاعتبار، بقوله لـ«الشرق الأوسط»، إن «ثمة ضغوطاً باتت تحيط بالسياسة الخارجية التركية في المنطقة، منها ما يصدر عن حلفاء مثل حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن تزايد المشكلات مع النطاق، ووصلت سياسة (صفر مشكلات) التي تبنّاها إردوغان في بداية حكمه إلى (مائة في المائة مشكلات)، خصوصاً مع وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض، واحتمالية عقد قمة أوروبية - أميركية، وربما تكون تركيا من بين أهدافها، سواء فيما يتعلق بمنظومة (S400) الصاروخية الروسية، التي ترفضها واشنطن، وكذلك الهجمات ضد الأكراد، فضلاً عن محاولة اللحاق بمنتدى غاز شرق المتوسط، أو خلق تباين بين مصر واليونان».
ورغم أن التصريحات التركية لم تتطرق إلى الشأن الإقليمي في إطار الدعوات للتعاطي الإيجابي مع مصر ودول عربية أخرى، فإن مصدراً مصرياً مسؤولاً تحدث إلى الوكالة الرسمية للبلاد أول من أمس، قائلاً إن «الارتقاء بمستوى العلاقة بين البلدين يتطلب مراعاة الأطر القانونية والدبلوماسية، التي تحكم العلاقات بين الدول على أساس احترام مبدأ السيادة، ومقتضيات الأمن القومي العربي»، منوهاً بأن مصر «تتوقع من أي دولة تتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية معها أن تلتزم بقواعد القانون الدولي، ومبادئ حسن الجوار، وأن تكفّ عن محاولات التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة».
وبشأن المكاسب الإقليمية، التي يمكن أن تحصدها أنقرة من «تفاهم» مع القاهرة، يرى العرابي أن من بينها «السعي لتثبيت أوضاع ومكاسب حققتها وتخشى ضياعها، مثل الوجود في ليبيا، وشمال سوريا، وشمال العراق؛ وعند تأمين العلاقات مع دولة عربية قوية ومحورية مثل مصر، فسيكون ذلك مكسباً استراتيجياً يعزز ثبات الموقف الراهن لأنقرة في المنطقة ككل»، لكنه استدرك بالقول: «يمكننا القول إن تركيا بصدد مرحلة راحة استراتيجية، يعقبها استئناف نفس المساعي، وما هو معروض حتى الآن لا يخرج عن دائرة التكتيكات البسيطة».
وإذا كان ما سبق هو ما تسعى أن تحققه أنقرة، وفق تقدير العرابي، فما محددات القاهرة في المقابل؟ يجيب وزير خارجية مصر الأسبق بالقول: «لا يمكن اختزال العلاقة لا في منتدى غاز المتوسط، أو الإخوان أو ليبيا أو غيرها. الأمر يُنظر له كوحدة واحدة، فتركيا في وجهة النظر المصرية دولة تحتل أجزاءً من دول عربية (سوريا، وليبيا، والعراق)، ولها أنشطة في اليمن، والصومال، ولبنان، ومع ذلك فإنه لا مانع من الحوار لسماع ما لدى أنقرة، خصوصاً أن مصر تحظى بالفعل بعلاقات اقتصادية وتجارية مع الشعب التركي دون تأثير. لكن المضيّ إلى ما هو أبعد من ذلك رهن بتحقيقٍ واقعي لسياسة (صفر مشكلات)».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.