أصحاب الودائع في البنوك اللبنانية يراكمون الخسائر

مصرفي يستبعد رفع سعر الدولار للسحوبات بالليرة

TT

أصحاب الودائع في البنوك اللبنانية يراكمون الخسائر

يترقب أصحاب الحسابات المحررة بالدولار في البنوك اللبنانية قراراً جديداً للبنك المركزي بشأن زيادة السعر الموازي للسحوبات، المحدد حالياً بـ3900 ليرة لكل دولار، طبقاً لمضمون التعميم رقم 151 الذي ينتهي مفعوله نهاية الشهر الحالي، وذلك وسط تضارب في المعلومات حول إمكانية التعديل وحدوده في ظل الضخ الكثيف للعملة الوطنية والخسارات المتوالية في قيمتها الشرائية. ونقل مدير عام مصرفي لـ«الشرق الأوسط»، مواقف حذرة للغاية من قبل صناع القرار في السلطة النقدية، وهي تقترب أكثر من عدم اتخاذ أي خطوات جديدة من شأنها زيادة الضخ بالنقد الوطني والمساهمة بتأجيج المضاربات على الليرة في الفترة الحالية. وهذا ما يشي بأن المجلس المركزي لمصرف لبنان سيقر قريباً ضرورة تمديد العمل مجدداً بالتعميم لستة أشهر من دون تعديل سعر الصرف المعتمد، ريثما تتضح معالم المشهد الداخلي، خصوصاً منه المتصل بالحكومة الموعودة.
وسرت في الأيام الأخيرة معلومات عن اتجاه البنك المركزي إلى رفع سعر المنصة إلى نحو 4500 ليرة لكل دولار، بل ذهب بعض المتفائلين إلى إمكانية اعتماد سعر 6 آلاف ليرة على منوال السعر المقترح كبدل للتمويل الخارجي الوارد للنازحين السوريين، وذلك بهدف الحد نسبياً من توسع الفجوة مع السعر الفعلي لليرة في التداولات النقدية، التي تتسبب بخسارة نحو ثلثي القيمة الأصلية لكل دولار يتم سحبه من الودائع، وترتفع إلى حوالي 72 في المائة في حال السحب بالشيكات، حيث يجري صرف كل مائة دولار بنحو 300 ألف ليرة فقط، أحياناً أقل.
ولاحظ المصرفي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن التعديل المنشود يمكن أن يحد قليلاً من جسامة الخسارة التي يتكبدها المودعون بالدولار الذين يضطرون إلى السحب النقدي لتغطية حاجاتهم المعيشية والاستهلاكية، لكن شراسة الأزمة وتفاقمها يوماً بعد يوم ستتكفلان بذوبان القيمة الإضافية. وهذه المعادلة تنطبق تماماً على اقتراح الزيادة الشهرية المؤقتة على رواتب العسكريين. فكل ضخ لمزيد من السيولة بالليرة سيرتد ارتفاعاً في سعر الدولار النقدي وزيادة مكافئة في مؤشر التضخم.
ومن خلال توسيع زاوية الرؤية، يلفت المصرفي إلى أن الأسابيع القادمة حافلة باستحقاقات مالية داهمة وحساسة للغاية تفرض التروي والسعي لمحاكاة موجباتها بالحد الأدنى من التداعيات والأضرار. والأرجح أن الأولى بالاهتمام حالياً النظر في كيفية تلافي الوصول إلى خروج معامل الكهرباء من الخدمة بسبب عدم توفر الاعتمادات لتمويل استيراد المشتقات النفطية اللازمة للتشغيل، وتمدد الهاجس عينه إلى مادة البنزين التي تنذر بشلل النقل والانتقال.
وفي السياق، يبرز ملف دعم المواد الاستراتيجية والأساسية، حيث تشير البيانات المالية لدى البنك المركزي إلى تواصل انحدار احتياطات العملات الصعبة لدى البنك المركزي، لتصل إلى ما دون 18 مليار دولار، بينها ما يفوق 16.5 مليار دولار كاحتياطات إلزامية للودائع في المصارف، مما يعني أن رصيد المناورة لتواصل الدعم للمواد والسلع وفق الآليات السائدة حالياً، لا يتعدى 1.4 مليار دولار، وبما يشمل المصاريف الخارجية للدول، وهو ما ينذر بقرب استحقاق الوقف الحكومي لكل أشكال الدعم، باستثناء القمح والمازوت والدواء، وحتى من دون الحاجة إلى قرار مرجعي تتخذه الحكومة المستقيلة أو المجلس النيابي. ويعتمد تمويل الدعم وتغطية كلفة استيراد مواده السعر الرسمي للدولار عند 1515 ليرة للقمح والمحروقات والدواء، وسعر المنصة (3900 ليرة للدولار) لتمويل مواد أولية مجددة للزراعة والصناعة وعشرات السلع الغذائية الأساسية والمستلزمات الطبية. والسعران استنزفا نحو 6 مليارات دولار من الاحتياطات لتغطية الدعم خلال العام الماضي، وهو ما يتعذر تواصله سوى لأسابيع معدودة لا تتعدى منتصف العام الحالي بأفضل السيناريوهات.
ويرى المصرفي أنه «بمعزل عن مشروعية الصرف من الودائع بالسعر الأعلى الممكن تمكيناً لأصحابها من جهة انهيار القدرات الشرائية وتواصل ارتفاع سعر الدولار، فإن أي إجراءات أو تعديلات جانبية ستظل عقيمة المفعول، ما لم تُبنَ على مقاربة الأسباب الجوهرية للأزمات المستشرية في البلاد، التي تترجمها الفوضى النقدية كمرآة عاكسة. ولا بد من الإقرار بأن دور البنك المركزي يتلاشى تباعاً، وهو يعجز موضوعياً وإمكانات عن إدارة التعامل الكفوء مع كل هذه الملفات الشائكة والمجتمعة. وبالتالي لا نتوقع أي تعديل جديد يخص تسعير السحوبات، ما لم تتم تغطيته بقرار سياسي لا تبدو فرصه متوفرة حالياً».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.