جدل سياسي يحيط بمطالبة «الوطني الحر» بمليار دولار لتغذية الكهرباء

متظاهر أمام مبنى مؤسسة كهرباء لبنان (إ.ب.أ)
متظاهر أمام مبنى مؤسسة كهرباء لبنان (إ.ب.أ)
TT

جدل سياسي يحيط بمطالبة «الوطني الحر» بمليار دولار لتغذية الكهرباء

متظاهر أمام مبنى مؤسسة كهرباء لبنان (إ.ب.أ)
متظاهر أمام مبنى مؤسسة كهرباء لبنان (إ.ب.أ)

يسعى نواب «التيار الوطني الحر» إلى تأمين سلفة خزينة بقيمة مليار دولار لمحروقات الكهرباء، منعاً لوصول لبنان إلى العتمة، في خطوة تلاقي الكثير من الانتقادات، ولا سيما أن احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية اقترب من النفاد.
وحذر وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر، أمس، من أن لبنان «قد يذهب إلى العتمة الشاملة في نهاية الشهر الجاري، في حال عدم منح مؤسسة كهرباء لبنان مساهمة مالية لشراء الفيول»، منبهاً إلى خطورة ما وصل إليه قطاع الطاقة في لبنان. وشدد على أن الحل يكمن في تحمل النواب مسؤوليتهم والتوقيع على قانون معجل مكرر لإعطاء مؤسسة كهرباء لبنان مساهمة مالية تمكنها من شراء الفيول لتأمين الحد الأدنى المطلوب من الكهرباء.
ويرى عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن أن تقدم «التيار» بطلب سلفة للكهرباء، لا يخرج عن السياسة العامة التي أداروا بها ملف كهرباء لبنان، والقائمة على استنزاف خزينة الدولة وغياب الطروحات الإصلاحية، معتبراً، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن «التيار الذي استأثر بهذه الوزارة أكثر من 10 سنوات يستخدم «الابتزاز» فإما المزيد من استنزاف الخزينة وإما العتمة.
وكان نواب «التيار الوطني الحر» تقدموا، في الأسبوع الماضي، باقتراح قانون معجل مكرر لإقرار سلفة خزينة لمحروقات الكهرباء بقيمة ١٥٠٠ مليار ليرة (ما يعادل 1.5 مليار دولار حسب سعر الصرف الرسمي)، بهدف تسديد عجز شراء المحروقات وتسديد فوائد وأقساط القروض لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، على أن تسدد هذه السلفة عبر الاقتطاع من المستحقات المتوجبة على الإدارات والمؤسسات العامة والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة لصالح مؤسسة كهرباء لبنان.
ويرى أبو الحسن أنه مع ارتفاع ساعات التقنين في الأيام المقبلة، قد تضطر الكتل النيابية إلى إقرار القانون لتسيير أمور البلد، وفي حال عدم تمريره سيخرج «التيار الوطني الحر» كعادته ويقول للمواطنين إن عدم تمرير القانون تسبب بانقطاع الكهرباء، وكأن ما وصلنا إليه ليس نتيجة التخبط وسوء الإدارة والهدر الذي مارسه في وزارة الطاقة.
ويستغرب أبو الحسن تمسك «الوطني الحر» بوزارة الطاقة حالياً «وكأنه يريد مكافأة نفسه على ما أوصل المواطنين إليه من ساعات مرتفعة لتقنين الكهرباء والمساهمة في استنزاف خزينة الدولة واحتياط العملات الأجنبية في هذا الملف».
ويرى أن السؤال الأهم الذي يجب طرحه حاليا هو «ماذا بعد؟»، ويضيف: «حتى لو أقر القانون والذي سيكون تأمين دولاراته عبر مصرف لبنان على حساب المودعين، هل نكون قد حلينا موضوع الكهرباء أم سنعود إلى التقنين وسنحتاج إلى المزيد من السلف؟»، ويتابع: «ملف الكهرباء يحتاج إلى إصلاح حقيقي يبدأ بتشكيل حكومة قادرة على التغيير والتعاطي مع هذا الملف بطريقة جديدة».
وورد في نص اقتراح القانون أن الأسباب الموجبة لتقديمه افتقاد المؤسسة للتوازن المالي نتيجة عوامل خارجة عن إرادتها، ما جعلها تتكبّد خسائر مالية جسيمة ناتجة ليس فقط عن الفارق الكبير بين سعر إنتاج الكهرباء وسعر بيعه، بل أيضاً عن الهدر الفني والتعليق على الشبكة وعدم قيام الإدارات والمؤسسات بتسديد مستحقاتها الواجبة عليها للمؤسسة، فضلاً عن ارتفاع ثمن المشتقات النفطية في الأسواق العالمية وارتفاع أسعار قطع الغيار بسبب ارتفاع سعر الدولار، ما أدى إلى اختلال في توازنها المالي.
وفي حال تمرير قانون السلفة، يمكن لوزارة الطاقة تأمين الفيول اللازم لتشغيل معامل الكهرباء حتى نهاية العام الحالي، إلا أن الأمر غير مضمون، كما يرى مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة غسان بيضون، في حديث مع «الشرق الأوسط» الذي قال إن كمية الفيول التي يمكن أن توفرها السلفة والمدة التي يمكن أن تسهم فيها بتغذية أفضل للكهرباء تعودان إلى مدى استقرار سعر الفيول عالمياً وسعر الدولار الذي سيعتمده مصرف لبنان للسلفة، ويسأل: هل سيؤمن دولار استيراد الفيول على أساس السعر الرسمي (1550 ليرة) أو سعر المنصة (3900) أم سعر السوق السوداء (يتجاوز 9 آلاف حالياً)؟
ومن العوامل الأخرى التي تدخل على خط تأجيل أو منع دخول لبنان في العتمة، احتمال انسحاب الباخرتين التركيتين «فاطمة غول» و«أورهان باي»، إذ إنهما تؤمنان 25 في المائة من إنتاج الكهرباء في لبنان، فضلاً عن ترجمة الاتفاقية النفطية مع العراق، والتي من المفترض أن يصل إلى لبنان بموجبها نفط يكفي فصلاً كاملاً أو ثلث حاجته السنوية.
ويرى بيضون أن سلف الخزينة التي تُعطى لمؤسسة كهرباء لبنان لتسديد ثمن المحروقات هي مخالفة لقانون المحاسبة العمومية، إذ تُعرف هذه السلفات على أنها إمدادات تُعطى من «موجودات الخزينة» لتغذية صناديق المؤسسات العامة، وليس هناك في الأصل موجودات فائضة لدى الخزينة لإعطاء سلفات خزينة للمحروقات وبآلاف المليارات، معتبراً أن تسديد سلفة الخزينة بمستندات وفواتير تعتبر «إبداعات جديدة» وكأنها سلفة موازنة على حساب موازنة الدولة تسدد بأوراق وفق أنظمة كهرباء لبنان، ما يجعل الأمر مجزرة مالية على حساب ما تبقى من أموال المودعين.



سكان في غرب اليمن يكابدون للحصول على المياه النظيفة

انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
TT

سكان في غرب اليمن يكابدون للحصول على المياه النظيفة

انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)
انخفاض خصوبة التربة وزيادة الملوحة في اليمن أدى إلى تهديد الزراعة (الأمم المتحدة)

مع دخول الحرب التي أشعلها الحوثيون عامها العاشر، لا يزال ملايين من النازحين يعانون جراء غياب الخدمات ويعيشون في تجمعات تفتقر لأبسط مقومات الحياة، حيث تشكل أزمة المياه النظيفة في مناطق الساحل الغربي لليمن واحدة من صور المعاناة التي يعيشها النازحون بسبب الحرب.

يقول حسن، وهو أب لأربعة أطفال وصل إلى منطقة «يختل» قبل خمس سنوات، إنهم يسيرون لساعات من أجل جلب بضعة صفائح من الماء، وفي بعض الأيام، يعود وأطفاله خالي الوفاض، حيث يبدو أن المياه تفرّ بعيداً عن متناول اليد.

الصراع من أجل المياه في اليمن تفاقم بسبب سنوات الحرب (الأمم المتحدة)

ولأن الحرب أجبرت أكثر من 4.5 مليون يمني على ترك منازلهم، فقد لجأ الكثير منهم إلى قرى ريفية مثل «يختل» القريبة من ميناء المخا على ساحل البحر الأحمر، ومع وصول المزيد من الأسر النازحة، وغالباً لا يحملون سوى الملابس على ظهورهم، زاد الضغط على الموارد الشحيحة بالفعل.

وفي ظل هذه الظروف، يتنافس السكان المتزايدون على الوصول إلى المياه والمأوى والخدمات الأساسية؛ مما يؤدي إلى تفاقم التحديات التي يواجهها كل من النازحين والسكان المحليين. كما أدى انخفاض خصوبة التربة وزيادة ملوحة مصادر المياه وارتفاع مستويات سطح البحر إلى تهديد الزراعة على طول الساحل الغربي، خصوصاً في هذه المنطقة.

لهذا؛ يجد سكان المنطقة، الذين اعتمدوا في السابق على الزراعة على نطاق صغير لإعالة أسرهم، أنه من المستحيل تقريباً زراعة المحاصيل أو إطعام مواشيهم، حيث أصبح المناخ معادياً بشكل متزايد لأساليب الزراعة التقليدية.

كما أن صيد الأسماك على نطاق صغير، الذي كان أيضاً شريان حياة للاقتصاد المحلي، في انحدار. ومع فشل المحاصيل وتناقص مخزون الأسماك، أصبح لدى السكان خيارات أقل.

مهمة صعبة

يقرّ محمد علي، وهو أحد سكان «يختل» بالصعوبة، حيث يستيقظ كل يوم قبل الفجر للبحث عن الماء، وهي مهمة تستهلك صباحاته وتستنزف طاقته، كما أن رحلاته اليومية إلى نقاط المياه المشتركة محفوفة بعدم اليقين، هل سيجد ما يكفي من المياه لأسرته أم لا.

وفق المنظمة الدولية للهجرة، تفاقم الصراع من أجل المياه بسبب سنوات الحرب التي دمَّرت البنية الأساسية التي كانت ذات يوم حيوية للبقاء؛ لأن نظام المياه، الذي تم بناؤه في الأصل لخدمة 200 منزل، أصبح الآن ممتداً إلى ما هو أبعد من حدوده، في محاولة لتلبية احتياجات أكثر من 1500 أسرة، بما في ذلك مئات النازحين الذين هربوا من العنف في مناطق خطوط التماس بين القوات الحكومية والحوثيين.

البحث اليومي عن المياه يستهلك وقت الأسر وطاقتها لفترة طويلة (الأمم المتحدة)

من خلال إعادة تأهيل خطوط الأنابيب وبناء نقاط مياه جديدة، ساعدت تدخلات المنظمة الأممية في تخفيف العبء على الأسر وتخفيف الصراع على الموارد. كما يعالج المشروع المخاطر الصحية من خلال ضمان حصول كل من المجتمعات المضيفة والأسر النازحة على وصول موثوق به إلى المياه النظيفة.

وجزءاً من هذه الجهود في منطقة «يختل»، يتم توسيع شبكة توزيع المياه. ويشمل ذلك تركيب أنابيب أكبر وبناء مرافق تخزين مياه إضافية، وضمان توزيع العرض المحدود بكفاءة عبر المجتمع.

وبحسب المنظمة الأممية، تم إدخال أنظمة ضخ المياه بالطاقة الشمسية؛ مما يوفر مصدر طاقة مستداماً يقلل من الاعتماد على الوقود الباهظ الثمن وغير المتاح في كثير من الأحيان، ومساعدة المجتمعات على تحمل التقلبات الجوية المتطرفة مثل الفيضانات بشكل أفضل.

مساعدة على الصمود

تتضمن جهود منظمة الهجرة الدولية ترقية نظام المياه لتحسين قدرته على الصمود في مواجهة الفيضانات، والتخطيط بعناية لتجنب المناطق المعرضة للفيضانات وإنشاء تدابير وقائية، بالإضافة إلى ذلك، سيتم تركيب أجهزة تعقيم المياه بالكلور الأوتوماتيكية لتطهير المياه.

وبينما يتم إحراز تقدم في منطقة «يختل»، تستمر صراعات مماثلة في أجزاء أخرى من الساحل الغربي اليمني وفقاً للمجتمع الإغاثي، ففي مخيم للنازحين في حيس، يشارك سامي، وهو أب لاثني عشر طفلاً، قصة مألوفة عن المشقة، ويذكر أن معظم الأشخاص الذين يذهبون لجلب المياه هم من الأطفال؛ فهم لا يذهبون إلى المدرسة لأنهم مضطرون إلى المساعدة.

الجفاف يهدد مناطق واسعة باليمن مما يتسبب في شح المياه (إ.ب.أ)

تؤكد المنظمات الإغاثية أن عدم القدرة على الحصول على المياه النظيفة أدى إلى حرمان أطفاله من التعليم؛ مما أجبرهم على القيام بدورة من الأعمال المنزلية اليومية.

وبغرض معالجة النقص الحاد في المياه، تشرف منظمة الهجرة الدولية على بناء بئر جديدة من شأنها أن توفر مياه نظيفة وموثوقة لآلاف الأسر النازحة والمجتمعات المضيفة.

تجزم المنظمات الإغاثية أنه ومن خلال توفير هذا المصدر الثابت للمياه، سيتم تخفيف العبء المادي على الأسر وتقليل المخاطر الصحية المرتبطة بالمياه الملوثة، لكن رغم ذلك، تظل التحديات هائلة، حيث يستمر تغير المناخ والأحداث الجوية المتطرفة في جميع أنحاء اليمن في تضخيم أزمة المياه؛ مما يزيد من ضغوط الصراع والنزوح.