صدر للباحث المصري في الشؤون الإسرائيلية الدكتور عمر كامل، كتاب «اليهود العرب في إسرائيل... رؤية معرفية» عن مكتبة الإسكندرية.
الكتاب في الأصل عبارة عن رسالة علمية حصل بمقتضاها الباحث عمر كامل على درجة الدكتوراه، من جامعة «لايبزيغ» الألمانية، وقامت بترجمتها الباحثة شيرين القباني. تضمّن الكتاب ستة فصول؛ الأول عنوانه «البناء الثقافي للواقع الاجتماعي كنموذج للهيمنة المجتمعية لدى أنطونيو غرامشي»، ويقدم الباحث خلاله معالجة نظرية للمجتمع الإسرائيلي ويحلل تركيبة اليهود العرب فيه، ويشرح أسباب سيطرة اليهود الأوروبيين «الأشكناز»، على مقدّرات يهود الشرق المعروفين بالسفارديم.
وذلك استناداً إلى ثنائية المثاقفة، والتي ترى أن اليهود الأشكناز، أبناء الثقافة والحضارة الأوروبية يتفوقون في مقابل السفارديم، أبناء الثقافة العربية المتأخرة، وتقدم أفكار غرامشي في هذا المجال شرحاً للهيمنة في إطارٍ تتوافق فيه المنهجية الاقتصادية مع العامل الثقافي. حيث تكون للمصلحة الاقتصادية أولوية في بناء تلك الهيمنة مع توظيف البعد الثقافي لإرسائها وجعلها واقعاً مُسلَّماً به.
اختلافات دينية
وفي الفصل الثاني «الإخوة الغرباء: يهود الإسلام ويهود المسيحية» يركز كامل على الاختلافات التي تفصل بين اليهود الأشكناز والسفارديم في المجال الديني، ويشير إلى أنها نتجت عن المنهج الذي أسّسته كل مجموعة في مناطق الشتات سواء كانت مسيحية أو إسلامية. ويلفت الباحث إلى أن حياة اليهود السفارديم في الأقاليم الإسلامية اختلفت بصورة واضحة عن الأشكناز في أوروبا المسيحية. فحياة الطائفة الأولى كانت أكثر سهولة من حياة الأخرى، وقد تم منحها كثيراً من الحقوق والحريات، ما سهّل لأبنائها المساهمة في المجتمع بكثير من الإبداعات المهمة آنذاك في المجتمعات الإسلامية. أما الطوائف الأشكنازية في أوروبا فقد وجدت نفسها تعيش نوعاً من التبعية الثقافية للسفارديم الذين عاشوا في مجتمعات إسلامية أكثر تقدماً ورقياً، امتدت من إسبانيا المسلمة حتى العراق وفارس وآسيا الوسطى في الشرق.
ويرى كامل أن هذه التبعية بدت واضحة في تقنين الشريعة اليهودية في العصر ما بعد التلمودي، وكان ذلك عملاً سفارديمياً على وجه الخصوص، فالسفارديم هم الذين قاموا بتقنينه وفقاً لمنهجهم، وقد أخذ العلماء الأشكناز المؤلفات السفارديمية، وعملوا على توفيقها مع منهجهم الأشكنازي، كما كانت هناك كتابات اعتمدت على المنهجين؛ مثل مؤلفات الحاخام آشر وابنه الحاخام يعقوب، والتي يمكن عدّها محاولة لتوحيد الطائفتين وفق منهج واحد، وقد تبعتها محاولة أخرى لتوحيد الطائفتين اليهوديتين، قام بها الحاخام السفارديمي يوسف كارو من خلال كتابه «المائدة المعداة»، واعتمد فيه على الحاخامين السفارديميين الفاسي وابن ميمون، والأشكنازي آشر، وقد اقترب في بنائه من كتاب «سيفر هاتوريم» الخاص بالحاخام الأشكنازي يعقوب بن آشر. وقد كاد سعي كارو في توحيد اليهود تحت مظلة منهج واحد يتحقق، لولا أن الحاخام البولندي الشهير موشي إيسرليس رفض آراءه. وقام بتحسين «المائدة المعداة» وطوّرها في كتاب أطلق عليه «مفرش المائدة»، اعتمد فيه المنهج البولندي على وجه الخصوص. وتمكن من خلاله من توحيد الأشكناز تحت منهج واحد. وقد أدى الاعتراف بكتاب «المائدة المعداة» كمرجعية تشريعية للسفارديم وكتاب «مفرش المائدة» كمرجعية للأشكناز، إلى انقسام الطائفتين في المسائل الدينية، وتحديد شكل العلاقة بين الطائفتين ليس فقط في الشتات، وإنما أيضاً داخل إسرائيل.
التنوير الأوروبي
ويشير كامل إلى أن حركات التنوير والتحديث في أوروبا خلّفت وراءها آثاراً بالغة تجلّت في عمليات تطور دائمة داخل اليهودية السفارديمية والأشكنازية، وأحدثت تغيرات راديكالية جذرية على الجانبين الأشكنازي والسفارديمي. ففي حالة الأشكناز أدت إلى إحداث نوع من الانقسام. أما السفارديم فقد تقبلوا أفكار التحديث الأوروبية من خلال التأثير الأوروبي المتزايد على المجتمعات العربية الإسلامية، وكذلك من خلال اليهود الأشكناز سواء من العلمانيين أو من التيار الديني القومي.
ويذكر كامل أن السفارديم حافظوا، عكس الأشكناز، على وحدتهم، وعلى الرغم من تأثير الأفكار الأوروبية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لمعظم المجتمعات العربية الإسلامية، فإن شكل التطور داخل اليهودية السفارديمية كان مختلفاً. فلم يرَ الحاخامات السفارديم أي خطر من أفكار التحديث، وقد ساعد اعتمادهم على مصادر يهودية مثل «الهالاخا» على استيعابها؛ كما حافظوا على وحدتهم من خلال استيعاب عملية التحديث داخل إطار «هالاخي»، وبذلك كوّنوا في إسرائيل وحدة دينية.
على ضوء ذلك وحسب رأي المؤلف، يمكن القول إن التطور اليهودي الداخلي في هيئة السكان اليهود في فلسطين قبل قيام إسرائيل، أدى إلى سيطرة الأشكناز على الأمور الدينية، كما فرض منهجهم سيطرته الكاملة داخل إسرائيل، وذلك في الوقت الذي فقد فيه المنهج السفارديمي أهميته، وقد استمرت سيطرة الأشكناز على الأمور الدينية داخل الدولة العبرية حتى ثمانينات القرن الماضي، إلى أن أصبحت منذ تأسيس حزب «شاس» 1983 – 1984 موضع تساؤل.
مفارقات وتشابه
وخصص الباحث الفصل الثالث، لاستعراض المصطلحات المستخدمة في كتابه من جهة، كما سعى إلى توضيح الإطار النظري الذي اتبعه في طرح ما جاء فيه من أفكار، واستعرض في الفصل الرابع صعود الهيمنة الأشكنازية في إسرائيل انطلاقاً من منهج غرامشي في كيفية بناء وتوطيد سيطرة فريق مجتمعي على آخر.
وذلك من خلال ثلاثة محاور؛ المحور الأول يلقي الضوء على الأب الروحي والمؤسس الحقيقي للهيمنة اللأشكنازية للصهيونية ذات الصبغة الاشتراكية على مقدرات المجتمع الإسرائيلي، ديفيد بن غوريون، ثم يوضح الدور المحوري الذي لعبه المثقف الإسرائيلي في بناء الهيمنة الأشكنازية وتحقيق المشروع الصهيوني في فلسطين. بالإضافة إلى دور الدين في الدولة العبرية، ثم يحلل طبيعة المجموعة المهيمنة، وكيف تكونت، ومن شارك فيها، وفي النهاية يقدم استعراضاً للفرق التي عارضت الهيمنة الأشكنازية، وكيف كانت صور معارضتها.
وفي ضوء تمرد يهود الشرق على الهيمنة الأشكنازية، يأتي الفصل الخامس، ليركز على الرؤية الصهيونية ليهود الشرق. أما الفصل السادس فيوضح الباحث من خلاله الطبيعة الآيديولوجية لحزب «شاس»، وأوجه الشبه بين صهيونية بن غوريون الاشتراكية وصهيونية عوفاديا يوسف الشرقية. ويشير المؤلف إلى أن حزب «شاس» وزعيمه عوفاديا يوسف يستهدفان، مثل الصهيونية الاشتراكية تحت زعامة بن غوريون، خلق إنسان يهودي جديد.
وهنا يظهر على الساحة بعد سياسي جديد. فإذا ما كان اليهودي الجديد وفقاً للآيديولوجية الصهيونية الأشكنازية، صهيونياً علمانياً، فإن «شاس» يطمح إلى نوع من الهيمنة بإنسان يهودي جديد مرجعيته صهيونية دينية تنطلق من المذهب السفارديمي، الذي نما وترعرع في محيط ثقافي عربي إسلامي.