اعتماد «العصا الأمنية» أداة للحل لا يوقف الانهيار

TT

اعتماد «العصا الأمنية» أداة للحل لا يوقف الانهيار

الصرخة التحذيرية التي أطلقها قائد الجيش العماد جوزف عون، احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، لم تكن حاضرة في الاجتماع الأمني والسياسي والمالي الموسع الذي رعاه الرئيس ميشال عون للبحث في الأسباب الكامنة وراء استمرار ارتفاع سعر الدولار، وارتأى معظم الذين شاركوا فيه، وعلى رأسهم صاحب الدعوة، أن خفضه يبدأ باعتماد «العصا الأمنية» لمكافحة الجهات والمنصات الخارجية التي تعمل على ضرب النقد ومكانة الدولة المالية ومحاصرتها، بغية شل قدرتها ووقف تلاعبها بأسعار الدولار.
وأشارت مصادر سياسية مواكبة للأجواء التي سادت اجتماع بعبدا إلى أن عون كان قد أُعلم بمضمون ما قاله قائد الجيش الذي بقي صامتاً طوال الجلسة، وقالت إن تحميل جهات خارجية مسؤولية التلاعب بأسعار الدولار هو محاولة للهروب إلى الأمام، للقفز فوق العامل الأساسي المتمثل بغياب الحل السياسي الذي يتسبب بتدحرج البلد نحو مزيد من الانهيار، في ظل التأزم الذي يعيق تشكيل حكومة مهمة، واستغربت رمي المسؤولية على تركيا، بذريعة أن هناك منصة خارجية مصدرها الأراضي التركية تتلاعب بأسعار الدولار، يديرها شخص يحمل الجنسية السورية، وتبين أن حجم التداول محدود جداً، ولا يؤثر على تدهور الليرة اللبنانية.
ولفتت المصادر نفسها إلى أن الاجتماع يأتي في سياق لزوم ما لا يلزم، وعزت السبب إلى أن عون وفريقه السياسي يغمزان من قناة القوى الأمنية، بتحميلها مسؤولية مزدوجة تتوزع بين تكليفها بخفض التلاعب بأسعار الدولار والطلب منها إخلاء الساحات والشوارع من المحتجين على تدهور الوضع.
وأكدت أن رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب، ومعه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ركزوا في مداخلاتهم على أن الأزمة لا تُحل إلا بإعطاء الأولوية للحل السياسي، وليس الأمني، بخلاف رئيس الجمهورية الذي رد بطريقة غير مباشرة على من يدعوه للاستقالة، معتبراً أن هدف معظم الذين ينزلون إلى الشارع محصور بالضغط لدفعه إلى الاستقالة.
وفي هذا السياق، نقلت المصادر عن عون قوله: «هناك من لا يعرفني، وما عليهم إلا السؤال عني، الذين تعاونوا معي، ومن بينهم من يجلس الآن على هذه الطاولة، فأنا لن أتنازل تحت الضغط، ومن رفض التنازل تحت ضغط قصف المدافع التي استهدفت القصر الجمهوري في أثناء وجودي على رأس الحكومة العسكرية، لن يتنازل تحت ضغط التلاعب بأسعار صرف الدولار، وهذا ما يعرفه السفير الفرنسي آنذاك (رينيه ألا)».
ونقلت عن عون اتهامه جهات محلية بأنها تشرف على إدارة غرفة عمليات تصدر أوامرها للذين ينزلون إلى الشوارع، ويقدمون على إقفالها في الوقت نفسه، وهذا ما يحصل في جميع المناطق. وأكدت أن مستشاره لشؤون رئاسة الجمهورية، الوزير السابق سليم جريصاتي، تحدث على الموجة نفسها، متهماً بعض الجهات بأنها تتآمر على النظام السياسي، وتستهدف الرمز الأول للدولة (أي رئيس الجمهورية)، مشدداً على ضرورة تحرك الأجهزة الأمنية لإقفال المنصات التي تتلاعب بالدولار، أكانت محلية أم خارجية.
وسألت المصادر السياسية إذا كان الحل الأمني باعتماد «العصا الأمنية» يوقف الانهيار، ويمكن الدولة من أن تستعيد ثقة من هم في الداخل أو في الخارج، ويفتح الباب أمام الخروج من الأزمة، ويؤمن انتقال البلد مع تشكيل حكومة مهمة إلى مرحلة التعافي، بحصوله على مساعدات مالية واقتصادية من الخارج.
وسألت كذلك عن امتناع من يعنيهم الأمر عن إحالة التقارير التي أعدتها قيادة الجيش والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي التي تُجمع على التحذير من الانفجار الاجتماعي، وضرورة إعطاء الأولوية للحل السياسي، على اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع. ورأت أن الصرخة التي أطلقها قائد الجيش، والتي تعبر عن وجع الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، كانت متوقعة، وربما أتت متأخرة، بعد أن فُقد الأمل من تجاوب السلطة السياسية مع ما ورد في تقارير القوى الأمنية التي لم يؤخذ بها. وقالت إن تجاهلهم لما ورد في هذه التقارير ينسحب أيضاً على عدم استجابتهم لدعوات المجتمع الدولي بتحقيق الإصلاحات.
وعدت أن من يقف على رأس الدولة يخطئ إذا كان لا يزال يراهن على أن الحل الأمني هو البديل عن الحل السياسي، لأنه يؤدي إلى استنزاف القوى الأمنية، وإقحامها في مواجهات مع الانتفاضات الشعبية التي انطلقت منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وتم التعامل مع تراجعها تحت وطأة اجتياح وباء فيروس «كورونا» للبنان كأنها شارفت على أفولها.
وأكدت المصادر أن جميع الأطراف باتت محشورة، والحشرة تحاصر عون، وبدرجة أقل الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، ورأت أن التفاف الفريق السياسي المحسوب على عون على المبادرة الفرنسية تسبب له بأزمة مع باريس ما زالت تلاحقه، ومن غير الجائز الرد عليها باتباع سياسة الإنكار والمكابرة.
وقالت إن مهمة القوى الأمنية، وعلى رأسها الجيش، تكمن في الحفاظ على الأمن والاستقرار، وحماية السلم الأهلي. أما أن يُطلب منها أن تنوب عن الطبقة السياسية، وصولاً إلى تحميلها مسؤولية إخفاقها في إنقاذ البلد، فإنها ستكتشف أن لعبتها لن تمر، ويبقى على عون أن يبادر بحثاً عن تسوية تحاكي المبادرة الفرنسية بكل تفاصيلها، لئلا يتدحرج «العهد القوي» نحو السقوط الحتمي.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.