أول مقابلة للأسد مع صحافي أميركي منذ عامين

جوناثان تبرمان: فوضى على الحدود.. والكهرباء مقطوعة في القصر.. وكومبيوتر ماكنتوش على مكتب الرئيس

الأسد في لقائه مع جوناثان تبرمان صحافي دورية «فورين أفيرز» (شؤون دولية) التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية ورئاسته في نيويورك («الشرق الأوسط»)
الأسد في لقائه مع جوناثان تبرمان صحافي دورية «فورين أفيرز» (شؤون دولية) التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية ورئاسته في نيويورك («الشرق الأوسط»)
TT

أول مقابلة للأسد مع صحافي أميركي منذ عامين

الأسد في لقائه مع جوناثان تبرمان صحافي دورية «فورين أفيرز» (شؤون دولية) التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية ورئاسته في نيويورك («الشرق الأوسط»)
الأسد في لقائه مع جوناثان تبرمان صحافي دورية «فورين أفيرز» (شؤون دولية) التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية ورئاسته في نيويورك («الشرق الأوسط»)

عادة، يقابل الحكام العرب، وغير العرب، صحفا أو مجلات أميركية، لكن، قابل الرئيس السوري بشار الأسد دورية أميركية، تصدر كل شهرين، هي دورية «فورين أفيرز» (شؤون دولية) التي يصدرها مجلس العلاقات الخارجية، ورئاسته في نيويورك.
أيضا، جاءت موافقة الأسد على المقابلة فجأة، وكما قال الصحافي الأميركي الذي أجرى المقابلة، جوناثان تبرمان، رئيس تحرير الدورية التنفيذي، انتظر عامين، حتى وافق الأسد.
وقال الصحافي: «في عام 2013، قدمت طلب المقابلة بالإيميل إلى المكتب الصحافي للأسد، حسب عنوان أخذته من سفارته في واشنطن. وخلال العامين التاليين تقريبا نسيت الطلب. لكن، في منتصف الشهر الماضي، قبل المقابلة بـ10 أيام، وفي السادسة صباحا، دق التليفون وأنا في المطبخ في منزلي. كنت أعد فنجان قهوة الصباح. نظرت إلى الرقم، وكان غريبا، ومن دولة أجنبية، ولم أرد على الاتصال. وبعد ساعة تقريبا، وصلتني رسالة إيميل من سوريا، من المكتب الصحافي للأسد. وفيها أنهم راجعوا طلبات الصحافيين منذ عام 2013، ووجدوا طلبي، وسألوا إذا كنت ما زلت أريد مقابلة الأسد. طبعا، رددت بالموافقة. ثم ردوا أنه، حسب جدول الأسد، لا بد أن أقابله خلال 5 أيام. وطبعا، وافقت مرة أخرى».
وقال الصحافي إنه وصل إلى بيروت، ثم استأجر سيارة تاكسي إلى نقطة العبور على الحدود بين لبنان وسوريا. ولاحظ كثرة الناس، وبؤس كثير منهم، والحزن، والبكاء. ولم يكن صف الناس منظما، بل كان فوضى. وأزعجه هذا كثيرا، ولم يصدق هذه الفوضى، حتى دخل سوريا.
وقال: «اضطررت لأن أفعل شيئا لم أكن أتوقع أنني سأفعله كل حياتي. رفعت جواز سفري الأميركي، وصرخت، وكررت: أنا أميركي، أنا أميركي. اسمحوا لي بالدخول». وقال إن حيلته نجحت.
وعندما وصل إلى دمشق، لاحظ عددا كبيرا من الجنود، ومتاريس عسكرية. لكنه وجد الناس يعيشون حياة عادية، أو شبه عادية، وكأن الحرب ليست على بعد أميال قليلة.
قابل الأسد في قصر الشعب. ولم يلاحظ حراسة متشددة أكثر من الحراسة العادية. ودخل عن طريق باب جانبي. وكانت الكهرباء مقطوعة. وقالوا له إن السبب هو نظافة البيئة، وتقليل صرف الكهرباء (لا أزمة وقود في بلد تعصف به حرب أهلية منذ 3 سنوات).
وقال الصحافي إن الأسد استقبله ببشاشة، ولاحظ مكتبا كبيرا، وأنيقا، وكومبيوتر «ماكنتوش» بالقرب من الأسد. وأيضا، تماثيل من لندن (كان الأسد طبيبا في بريطانيا قبل أن يدعوه والده إلى سوريا تمهيدا لخلافته).
وقال الصحافي إن الأسد بدا «مرتاحا جدا» أثناء المقابلة، وإن هذا كان مفاجأة له. لم يكن الأسد صورة «الحاكم الديكتاتوري الدموي». كان صورة «طبيب في لندن». وكان يتكلم في هدوء، وهو يشرب قهوة «كاباتشينو».
وعن ردود الأسد عن أجوبته، قال إن الأسد أصر على أن الحرب في سوريا تسير في صالحه، وإنه لن يقدم أي تنازلات، وقلل من أهمية المفاوضات الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب، واتهم أعداءه، في المنطقة وفي الغرب، بنشر أكاذيب عن قوة المعارضة وضعف قواته. وانتقد الولايات المتحدة. وقال إن دورها يجب أن يكون «للمساعدة في تحقيق السلام في المنطقة، لمكافحة الإرهاب، لتعزيز العلمانية، لدعم هذا المنطقة اقتصاديا». و«لا لإطلاق الحروب. إن شن حرب لا يجعلك قوة عظمى».
وأضاف أنه سيستمر في الحرب حتى ينتصر. وأن «كل الحروب في أي مكان في العالم قد انتهت إلى حل سياسي». لكنه أضاف: «لا يزال الشعب السوري مع وحدة سوريا. لا يزال يدعم الحكومة».
ولاحظ الصحافي أن الأسد، أثناء المقابلة، وهي أول مقابلة للأسد مع صحافي أميركي منذ عامين، «يخلط، باستمرار، بين العقلانية واللامعقول. ويستعمل خدعا بلاغية أنيقة. وبسبب هذا، يبدو أكثر مصداقية. أضف إلى ذلك قناعة تامة من جانبه بصحة ما يقول. أو هكذا يبدو».
وأضاف الصحافي: «إما أن الرئيس السوري مخرف تماما. وفي هذه الحالة، فإنه مجرد معتل اجتماعيا (سايكوبات). أو هو فعلا يصدق أكاذيبه. وفي هذه الحالة، فإنه أكثر خطورة. إنه مثل مختل عقلي موهوم حقا. لهذا، لماذا يعقد اتفاقا لإنهاء الحرب التي يعتقد أنه يفوز فيها؟».
وقال الصحافي إن الأسد، في شبه تردد، لكن في هدوء، رفض تكرارا أن يتحمل مسؤولية ما حدث، ناهيك عن أن يعتذر، «رغم أنه يترأس حربا وحشية، دمرت بلاده، وقتلت نحو 200 ألف شخص، وحولت أكثر من 7 ملايين سوري إلى مشردين، وأدت إلى تقسيم سوريا إلى 3 دويلات طائفية».
وإن الأسد «أصر على أنه لا يعرف خطأ واحدا ارتكبه». وقال له الأسد: «يجب أن أعود إلى المسؤولين على الأرض (للعثور على أي خطأ). لا يوجد شيء في ذهني».
ورفض الأسد تحمل مسؤولية التعذيب الجماعي للآلاف، واستخدام الأسلحة الكيميائية والقنابل البرميلية على المدنيين. وقال إن هذه أخبار ملفقة جمعها أعداؤه.
وأضاف: «إنها كلها ادعاءات من دون أدلة». وإن دولة قطر تمول الأجهزة التي تنقل هذه الأخبار.
ولاحظ الصحافي تشدد الأسد مرات كثيرة، مثلا عندما رفض، رغم أسئلة الصحافي المكررة، أن يتحدث في تفصيل عن المفاوضات التي تدعمها، مع دول أخرى، الولايات المتحدة وروسيا، ناهيك عن أن يشجعها. وتجاهل شرح أي جهود من جانبه لدفع هذه المفاوضات إلى الأمام.
وعن احتمال أن يقدم أي تنازلات، قال إن التنازلات، وبناء الثقة، ليستا من أهم المواضيع بالنسبة له. وأضاف: «إنها ليست موضوع علاقات شخصية. يجب عليك، في مثل هذه المواضيع، أن لا تثق بأي شخص».
وقال الصحافي إن الأسد تعمد حديثا طويلا عن الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» في فرنسا، والخطوات التي اتخذتها فرنسا، وبقية الدول الغربية، لمواجهة الإرهاب، قال الأسد إنه ظل، منذ سنوات، يدعو الدول الغربية للتحالف لمواجهة إرهاب المتطرفين، وإنه يرى أنه والغربيين يجب أن يكونوا «حلفاء» في ذلك.
وقال الصحافي إن تركيز الأسد على هذا الموضوع جعله يتذكر توقيت الموافقة على المقابلة، بعد حادث «شارلي إيبدو».
وفي نهاية المقابلة، أوضح الأسد، كما قال الصحافي، «أنه ليس مستعدا للتنازل عن أي شيء على الإطلاق لجلب الطرفين معا».
وقال الصحافي: «في نهاية المطاف، لا يمكن للطاغية أن يتصور غير طريق واحد لإنهاء هذا الصراع الدموي. إنه يرى أن كل أعدائه، في المنطقة، وفي الغرب، يجب أن يستسلموا، ويقبلوا مزايا حججه الملتوية. حتى ذلك الحين، سوف يواصل القتل».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.