تلويح دياب بالاعتكاف «قنبلة صوتية» ليس أكثر

دياب ملوحاً بالاعتكاف قبل أيام في السراي الحكومية (دالاتي ونهرا)
دياب ملوحاً بالاعتكاف قبل أيام في السراي الحكومية (دالاتي ونهرا)
TT

تلويح دياب بالاعتكاف «قنبلة صوتية» ليس أكثر

دياب ملوحاً بالاعتكاف قبل أيام في السراي الحكومية (دالاتي ونهرا)
دياب ملوحاً بالاعتكاف قبل أيام في السراي الحكومية (دالاتي ونهرا)

تلويح رئيس الحكومة اللبنانية المستقيلة حسان دياب بالاعتكاف يرفع من منسوب الفراغ في السلطة التنفيذية، ويخلي الساحة بلا أي مبرر لرئيس الجمهورية ميشال عون ليتصرف كما يشاء، ويزيد من الأعباء الملقاة على عاتق القوى الأمنية وعلى رأسها الجيش، فيما الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في 19 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 تعود مجدداً لإثبات وجودها في الشارع، وإنما هذه المرة بشكل يومي وبمشاركة ملحوظة للأحزاب من مختلف الاتجاهات، مع أن تلويحه - كما يقول رئيس حكومة سابق لـ«الشرق الأوسط» - يشكّل سابقة للمرة الأولى في تاريخ الحكومات، وإن كان يهدف من خلالها الضغط على المعنيين بتشكيل الحكومة وإخراجها من التأزم الذي يحاصرها وصولاً إلى رمي المسؤولية في هذا الخصوص على عاتق عون وفريقه السياسي في ضوء ما يتردد بأنه يدير شؤون البلد بحكومة ظل اتخذت من القصر الجمهوري في بعبدا مقراً لها من دون العودة إليه.
ويلفت رئيس الحكومة السابق الذي فضّل عدم ذكر اسمه إلى أنه لم يسبق لرئيس حكومة مستقيلة أن لوّح بالاعتكاف، ويعزو السبب إلى أن مجرّد التلويح بمثل هذه الخطوة يسبق تحضير الأجواء للاستقالة ما لم يتجاوب معه رئيس الجمهورية لتفعيل العمل الحكومي وإخراجه من الجمود القاتل، وبالتالي فإن خطوته غير دستورية لأنه «يستقيل من الاستقالة» ولن يكون لها من مفاعيل، ويكاد يكون اعتكافه أشبه بإلقاء «قنبلة صوتية» في الهواء الطلق.
ويؤكد أن دياب ماضٍ في اعتكافه، ولا يتردد إلى مكتبه في «السراي» إلا نادراً، وهو كان صارح عدداً من الوزراء برغبته في الاعتكاف، لكنه لم يلق منهم التجاوب المطلوب لاعتقادهم بأنه من غير الجائز تخلّيهم عن مسؤولياتهم في تصريف الأعمال، ويقول إنه أراد أن يوفّر لنفسه الحماية عندما لوّح، وفي العلن هذه المرة، بالاعتكاف من جهة، وتوخى في المقابل تمرير رسالة إلى الداخل ومنه إلى الخارج مفادها أنه يضغط لتسريع تشكيل الحكومة لدرء الأخطار التي تهدد البلد مع عودة الانتفاضة إلى الشارع.
ويرى أن عون هو المستهدف الأول من تلويح دياب بالاعتكاف في ظل انقطاع التواصل بينهما الذي أتاح لرئيس الجمهورية التصرف وكأنّه الآمر الناهي ولا يتشاور معه إلا نادراً، ما يعني أنه مرتاح لوضعه بصرف النظر عن تردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية مع الارتفاع الجنوني لسعر الدولار، وبالتالي فهو يعقد الاجتماعات بالتعاون مع فريقه السياسي الذي بات يشكّل حكومة ظل يعاونها فريق آخر من كبار المستشارين هم بمثابة «غرفة أوضاع» ويصدر الفرمانات ويعطي التوجيهات حتى أنه لم يبادر منذ فترة إلى دعوة المجلس الأعلى للدفاع للانعقاد كما جرت العادة سابقا.
ويعتبر رئيس الحكومة السابق، ومن وجهة نظر دياب، بأن تلويحه بالاعتكاف يوفّر له الحماية السياسية في شارعه بعد أن أدّى الادعاء عليه في ملف تفجير مرفأ بيروت إلى فتح قنوات التواصل مع رؤساء الحكومات السابقين بعد أشهر على القطيعة السياسية الناجمة عن ترؤسه لحكومة من لون سياسي واحد، ويستبعد في نفس الوقت بأنه يرمي بتلويحه هذا في وجه الرئيس المكلف سعد الحريري.
ويعتقد بأن دياب رمى بكرة النار في حضن عون لأنه لا يريد - كما يقول أحد الوزراء لـ«الشرق الأوسط» - أن يتحوّل إلى شاهد زور، فيما بات البلد مهدّداً في أي لحظة بانفجار اجتماعي وليس هناك من يتحرك لتفاديه.
وعليه، فإن الدولة بكل إداراتها تقترب من الزوال ولم يعد من حضور لها إلا من خلال القوى الأمنية وعلى رأسها الجيش في مقابل تصاعد تبادل الحملات بين عون وتياره السياسي وبين تيار «المستقبل»، في الوقت الذي هدأت فيه الأحوال بين الأخير و«حزب الله» على خلفية السجال الذي خلّفه قول نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم بأن الحريري ينتظر أن يرضى عليه الخارج ليشكل الحكومة. وتردد بأن رئيس المجلس النيابي نبيه بري بتدخّله أعاد الهدوء بينهما إلى ما كان عليه قبل أن يدلو الشيخ قاسم بدلوه الذي استدعى رداً من المكتب الإعلامي للحريري.
وبالعودة إلى دور الجيش والقوى الأمنية الأخرى مع عودة الانتفاضة الشعبية إلى الشارع، أكد مصدر أمني رفيع لـ«الشرق الأوسط» أن الجيش يشكل رأس حربة لملء الفراغ بغياب الدولة وتخلّيها عن مسؤولياتها، وهو يتولى بالتعاون مع هذه القوى وتحديداً قوى الأمن الداخلي الحفاظ على الأمن والاستقرار رغم اتساع المساحة الجغرافية لحركات الاحتجاج التي تغطي جميع المناطق اللبنانية.
ولفت المصدر الأمني إلى أن الجيش بتوجيهات قيادته ينطلق في الحفاظ على الأمن والاستقرار من معادلة يحرص على تطبيقها ولا يفرّط فيها وتقوم على حرية التعبير عن الرأي والتجمُّع احتجاجاً على تردّي الأوضاع المعيشية التي بلغت ذروتها في مقابل حماية الأملاك العامة والخاصة، ومنع التعرّض لها وفتح الطرقات. وأكد أن الجيش برغم حجم المعاناة التي يشكو منها السواد الأعظم من اللبنانيين، يشكّل صمّام الأمان لقطع الطريق على إقحام البلد في الفوضى وأن تحرّكهم هو في وجه السلطة السياسية التي يُفترض فيها الاستجابة للحد الأدنى من مطالبهم.
ورأى أن الجيش الذي يحافظ على الاستقرار بالتعاون مع القوى الأمنية الأخرى هو كسائر اللبنانيين يشكو من تردّي الأوضاع لكنه يعضّ على الجرح، ويحاول استيعاب الحركات الاحتجاجية من دون الصدام مع المحتجين، وهو يستخدم «القوة الناعمة» لضبط التحرّكات في الشارع، وينأى بنفسه عن الإفراط في استخدام القوة إلا في حال حصول صدامات تؤشر إلى أبعاد طائفية ومذهبية أو العودة إلى خطوط التماس التي كانت قائمة طوال اندلاع الحرب الأهلية.
وبكلام آخر، فإن الجيش سيتصدّى لكل محاولة يراد منها حرف الاحتجاجات الشعبية عن مسارها باتجاه حصول صدامات بين هذا الشارع أو ذاك، وهو يمارس أقصى درجات ضبط النفس لإعادة فتح الطرقات وعدم السماح بتجاوز الخطوط الحمراء التي تدفع باتجاه إحداث فتن متنقّلة، وبالتالي يتقيّد بالمعادلة التي رسمها لنفسه بإشراف قيادته لئلا يتحول إلى طرف في النزاع، ويبقى على المعنيين التعاطي بجدية مع المحتجين بدءاً بتشكيل «حكومة مهمة».



خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
TT

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

في خطوة إضافية نحو مكافحة الفساد ومنع التجاوزات المالية، أحال رئيس الوزراء اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس إحدى المؤسسات النفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

تأتي الخطوة متزامنة مع توجيه وزارة المالية خطاباً إلى جميع الجهات الحكومية على المستوى المركزي والسلطات المحلية، أبلغتها فيه بالامتناع عن إجراء أي عقود للشراء أو التزامات مالية جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة.

الخزينة اليمنية خسرت نحو 3 مليارات دولار نتيجة توقف تصدير النفط (إعلام محلي)

وقال بن مبارك في حسابه على «إكس» إنه أحال ملفاً جديداً في قضايا الفساد إلى النائب العام، ضمن إجراءات مستمرة، انطلاقاً من التزام الحكومة المطلق بنهج مكافحة الفساد وإعلاء الشفافية والمساءلة بوصفه موقفاً وليس مجرد شعار.

وأكد أن الحكومة والأجهزة القضائية والرقابية ماضون في هذا الاتجاه دون تهاون، مشدداً على أنه لا حماية لمن يثبت تورطه في نهب المال العام أو الفساد المالي والإداري، مهما كان موقعه الوظيفي.

في السياق نفسه، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن مخالفات جديدة في قضايا فساد وجرائم تمس المال العام تمت إحالتها إلى النائب العام للتحقيق واتخاذ ما يلزم، من خلال خطاب وجّه إلى النيابة العامة، يتضمن المخالفات التي ارتكبها المدير التنفيذي لشركة الاستثمارات النفطية، وعدم التزامه بالحفاظ على الممتلكات العامة والتصرف بشكل فردي في مباحثات تتعلق بنقل وتشغيل أحد القطاعات النفطية.

وتضمن الخطاب -وفق المصدر- ملفاً متكاملاً بالمخالفات التي ارتكبها المسؤول النفطي، وهي الوقائع التي على ضوئها تمت إحالته للتحقيق. لكنه لم يذكر تفاصيل هذه المخالفات كما كانت عليه الحال في إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة التسبب في إهدار 180 مليون دولار.

وجدّد المصدر التزام الحكومة المُطلق بالمحافظة على المال العام، ومحاربة جميع أنواع الفساد، باعتبار ذلك أولوية قصوى. وأشار إلى أن القضاء هو الحكم والفيصل في هذه القضايا، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون.

تدابير مالية

في سياق متصل بمكافحة الفساد والتجاوزات والحد من الإنفاق، عمّمت وزارة المالية اليمنية على جميع الجهات الحكومية عدم الدخول في أي التزامات مالية جديدة إلا بعد موافقتها على المستويات المحلية والمركزية.

تعميم وزارة المالية اليمنية بشأن ترشيد الإنفاق (إعلام حكومي)

وذكر التعميم أنه، وارتباطاً بخصوصية الوضع الاقتصادي الراهن، واستناداً إلى قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 30 لعام 2022، بشأن وضع المعالجات لمواجهة التطورات في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي إطار دور وزارة المالية بالموازنة بين النفقات والإيرادات، فإنها تهيب بجميع الجهات المشمولة بالموازنة العامة للدولة والموازنات الملحقة والمستقلة الالتزام بالإجراءات القانونية وعدم الدخول في أي التزامات جديدة أو البدء في إجراءات عملية الشراء إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة منها.

وأكد التعميم أن أي جهة تُخالف هذا الإجراء ستكون غير مسؤولة عن الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. وقال: «في حال وجود توجيهات عليا بشأن أي التزامات مالية فإنه يجري عرضها على وزارة المالية قبل البدء في إجراءات الشراء أو التعاقد».

دعم صيني للإصلاحات

وناقش نائب محافظ البنك المركزي اليمني، محمد باناجة، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن، تشاو تشنغ، مستجدات الأوضاع المتعلقة بتفاقم الأزمات المالية التي يشهدها اليمن، والتقلبات الحادة في أسعار الصرف التي تُعد نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي أثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي.

وأعاد المسؤول اليمني أسباب هذا التدهور إلى اعتداء «ميليشيات الحوثي» على منشآت تصدير النفط، ما أدى إلى توقف التصدير، الذي يُعد أهم مصدر لتمويل خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، والذي تسبب في مضاعفة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

نائب محافظ البنك المركزي اليمني خلال لقائه القائم بالأعمال الصيني (إعلام حكومي)

وخلال اللقاء الذي جرى بمقر البنك المركزي في عدن، أكد نائب المحافظ أن إدارة البنك تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المُتاحة. وأشار إلى استجابة البنك بالكامل لكل البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب «نظام السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن.

وأعاد المسؤول اليمني التذكير بأن الحوثيين لم يتخذوا أي خطوات ملموسة، ولم يصدروا بياناً يعبرون فيه عن حسن نياتهم، في حين أكد القائم بأعمال السفارة الصينية دعم الحكومة الصينية للحكومة اليمنية في كل المجالات، ومنها القطاع المصرفي، للإسهام في تنفيذ الإصلاحات.