الهند تتحول إلى مركز لتصنيع اللقاحات المضادة لـ«كوفيد ـ 19»

الهند تتحول إلى مركز لتصنيع اللقاحات المضادة لـ«كوفيد ـ 19»
TT

الهند تتحول إلى مركز لتصنيع اللقاحات المضادة لـ«كوفيد ـ 19»

الهند تتحول إلى مركز لتصنيع اللقاحات المضادة لـ«كوفيد ـ 19»

بدأت الهند التي كثيراً ما توصف بـ«صيدلية العالم» في فرض نفسها على الساحة الدولية، بصفتها مركزاً عالمياً لتصنيع لقاحات «كوفيد-19». وليس ذلك مستغرباً، إذ لطالما لعبت دوراً مهماً في مجال تصنيع اللقاحات، حتى قبل انتشار وباء «كوفيد-19»، حيث إنها تصنع نحو 62 في المائة من لقاحات العالم.
ولقد «أدركت نيودلهي مبكراً أن القدرة الإنتاجية التي تتمتع بها الهند سوف تكون ضرورية في جهود التغلب على الوباء»، على حد قول أشوك مالك، مستشار السياسات في وزارة الشؤون الخارجية، الذي يضيف أنه «قبل نحو عام، عندما كانت الشركات الهندية المصنعة للعقاقير تصدر لدول العالم العقار المضاد للملاريا (هيدروكسي كلوروكين) الذي أثنى عليه حينها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، كان ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي، يتحدث بالفعل مع قادة العالم عن توفير لقاحات مضادة للفيروس».
وفي مطلع العام الحالي، أقرت الهند استخدام لقاحين للاستخدام العاجل، هما: «كوفاكسين» الذي تصنعه شركة «بهارات بيوتيك»، ومقرها حيدر آباد؛ و«كوفي شيلد»، وهو الاسم المحلي للقاح طورته شركة «أسترازينيكا» وجامعة «أكسفورد»، ويتولى إنتاجه معهد «سيروم إنستيتيوت أوف إنديا» لإنتاج اللقاحات. كذلك، توشك الشركات المحلية الأخرى، مثل «زايدوس» و«بهارات بيوتيك» و«جينوفا»، على إنتاج لقاحات محلية.
إلى ذلك، أبرم المعهد الهندي اتفاقاً مع شركة «نوفافاكس» الأميركية لإنتاج ملياري جرعة سنوياً، وكذلك طلبت الهند مليار جرعة من اللقاح المضاد لفيروس «كوفيد-19» الذي تطوره الشركة نفسها. ويمر اللقاح حالياً بالمرحلتين الثانية والثالثة من التجارب، ومن المرجح أن يتوافر تجارياً في منتصف عام 2021.
وتم تطوير لقاح «كوفاكسين» من سلالة غير نشطة من فيروس «سارس-كوف-2» الذي يسبب الإصابة بـ«كوفيد-19». واستخرجت السلالة من شخص لا تظهر عليه الأعراض في منشأة عزل في حيدر آباد. وبدورها، تعمل شركة «زايدوس كاديلا»، ومقرها ولاية غوجارات، على إنتاج اللقاح بطريقة الحمض النووي الوراثي التي استخدمتها لتصنيع اللقاح المضاد لفيروس التهاب الكبد الوبائي (سي) الذي يتم تسويقه منذ عام 2011.
وتلقى مودي لقاح «كوفاكسين» الذي يعد بمثابة لقاح يوفر حماية ضد سلالات فيروس «كوفيد-19» بجميع تحوراته، على خلاف اللقاحات الأخرى التي تحتاج إلى تعديلات، على حد قول اختصاصي فيروسات هندي بارز. وقال دكتور في رافي، العميد السابق اختصاصي العلوم الأساسية في المعهد الوطني للصحة العقلية والعلوم العصبية، لـ«الشرق الأوسط» في مقابلة تمت عبر الهاتف: «يمكن القول بعبارات بسيطة إن لقاح (كوفاكسين) مثل مأدبة متنوعة، حيث يساعد الجسم على إفراز أجسام مضادة متنوعة، في حين تكون اللقاحات التي تستهدف سلالة بعينها محدودة، لا ينتج الجسم عند تلقيها إلا أجسام مضادة لبروتين واحد أو اثنين».
وتابع: «لذا، سيكون لقاح (كوفاكسين) فعالاً ضد كل التحورات، نظراً لأنه يحفز الجهاز المناعي على إنتاج أجسام مضادة قادرة على التصدي للفيروس». ويرى رافي أن كل اللقاحات الأخرى التي تستخدم أجزاء من الفيروس أو ناقلات فيروسية، لكن ليس الفيروس بأكمله، مثل «فايزر» و«موديرنا» و«سبوتنيك» و«أسترازينيكا»، لن تنجح في مقاومة الفيروس المتحور بشكل كاف، وربما تحتاج إلى تعديل أو تحسين؛ يُشار إلى أن عدداً من هذه الشركات أكدت فاعلية لقاحاتها، بنسب متفاوتة، في التصدي للفيروس.
كانت الحكومة الهندية في مصاف الدول التي سارعت نحو الانخراط في «دبلوماسية اللقاحات»، في إجراء لمساعدة الدول التي تجد صعوبة في الحصول على اللقاحات التي يتم العمل على إنتاجها، حيث شحنت ملايين الجرعات منذ بدء تصدير اللقاحات في يناير (كانون الثاني) الماضي. ويقول مانوج جوشي، الصحافي كاتب الرأي البارز: «رغم أن دبلوماسية اللقاحات الجديدة التي تتبناها الهند محدودة، فإنها تمثل وسيلة ذات قيمة كبيرة لتعزيز محاولات نيودلهي لتأمين (احتياجات) دول الجوار، والتصدي لهيمنة الصين على المنطقة، وتُمثل إضافة تساعد في تحسين وضع الهند. وسوف تحقق نيودلهي مكاسب جيوسياسية هائلة من خلال تبني هذا النهج، في ظل وجود شكوك في فاعلية اللقاح الصيني».
وقد قامت الهند بتوزيع 10 ملايين جرعة من اللقاحات مجاناً في دول جنوب آسيا ومنطقة المحيط الهندي، في حين صدرت 10 ملايين جرعة أخرى من اللقاحات في إطار معاملات تجارية. وتضع دبلوماسية اللقاحات الهندية البلاد في منافسة مباشرة مع الصين التي أعلنت أن توزيعها للقاح يتم في إطار أكبر متمثل في طموحاتها الجيوسياسية. كذلك، أوضح مانيش تشيبر، الكاتب الصحافي البارز، أن مودي يستخدم قوة الهند، بصفتها أكبر دولة مصنعة للقاحات الفيروسية، من أجل تحسين العلاقات الإقليمية، والتصدي للهيمنة السياسية والاقتصادية الصينية، مشيراً إلى أن بكين قد جعلت إنتاج اللقاح جزءاً من الجانب الصحي من مبادرة طريق الحرير التي تستهدف تعزيز قوة الصين الناعمة على الساحة الدولية.
وعلى الجانب الآخر، هناك طلب متزايد على اللقاحات الهندية، في ظل نقص كبير في جرعات اللقاحات على مستوى العالم. كما تُعد اللقاحات المصنعة في الهند أرخص كثيراً من منافساتها، وأسهل في الاستخدام، حيث يمكن تخزينها في درجات التبريد العادية التي تتراوح بين درجتين و8 درجات، على عكس اللقاحات غربية الصنع، مثل «فايزر» و«موديرنا» التي يجب حفظها في بيئة درجة حرارتها سالب 80 درجة، وتحتاج إلى بنية تحتية باهظة التكلفة من التبريد.
إلى ذلك، تتوقع مؤسسة «ديلويت» أن تصبح الهند في المركز الثاني بعد الولايات المتحدة الأميركية، فيما يتعلق بإنتاج اللقاحات خلال العام الحالي. ويقدر حجم إنتاج الهند المتوقع من الجرعات بنحو 3.5 مليار جرعة خلال عام 2021، في حين يتوقع أن يصل حجم إنتاج الولايات المتحدة إلى 4 مليارات جرعة. كما يُنتظر أن تصل القيمة التقديرية لحجم سوق اللقاحات الهندي إلى 252 مليار روبية بحلول عام 2025، في الوقت الذي كانت القيمة التقديرية له تبلغ 94 مليار روبية عام 2019. وبحسب تقرير لشركة «إيمارك»، حصلت اللقاحات الهندية على واحد من أهم وأبرز أختام الجودة التي يمكن أن يحصل عليه منتج في مجال الصحة، وهو تصنيف «مؤهل مسبقاً» للإنتاج من منظمة الصحة العالمية. وتدعم نيودلهي الإجراءات الخاصة بتعليق إصدار حقوق الملكية الفكرية للقاح «كوفيد-19»، حتى يتيح ذلك إنتاج جرعات بسرعة فائقة. كما دعمت أيضاً قرار منظمة الصحة العالمية الذي يدعو إلى التعاون الدولي من أجل ضمان حصول جميع دول العالم على اللقاح.
إلى ذلك، قدمت كل من الهند، وجنوب أفريقيا التي تشغل حالياً منصب رئيس مجلس حقوق الملكية الفكرية للأمور المتعلقة بالتجارة، طلباً للتنازل عن حقوق الملكية الفكرية الخاصة بلقاح «كوفيد-19» إلى منظمة التجارة العالمية في أكتوبر (تشرين الأول) 2020. لكن هذا الطلب واجه معارضة من جانب بعض الدول الغنية. ويرى خبراء عالميون أن موقف بعض هذه الدول المتقدمة يضفي «طابعاً قومياً» على اللقاحات، ويهدد خوض معركة موحدة ضد الوباء. وربما تتسبب مقاومة الدول المتقدمة الواضحة في منظمة التجارة العالمية لهذا التوجه في تهميش فقراء العالم، وجعلهم مجرد مشاهدين لمواطني دول العالم المتقدم وهم يتلقون لقاح «كوفيد» وقت توافره.
وتخضع العقاقير واللقاحات لنظام منظمة التجارة العالمية، نظراً لكونها سلعاً يتم المتاجرة بها. ومع ذلك، لا يزال موقف الخبراء في مجال اللقاحات غير واضح، فيما يتعلق بما إذا كانت اللقاحات المتاحة سوف توفر حماية مدى الحياة، أم أنه ستكون هناك حاجة إلى إنتاج لقاحات سنوياً. وعلينا أن نتذكر أنه قد تمت الموافقة على اللقاحات بشكل عاجل، ونظراً للوضع الطارئ الراهن، وهو أمر يحدث عادة طبقاً لأعراف منظمة الصحة العالمية، بعد إثبات فاعلية اللقاح بنسبة 50 في المائة على الأقل.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.