البابا في ختام زيارة تاريخية: العراق سيبقى دائماً معي

البابا فرنسيس لدى وصوله إلى ملعب فرانسو الحريري في أربيل لإحياء قداسه الأخير بالعراق (د.ب.أ)
البابا فرنسيس لدى وصوله إلى ملعب فرانسو الحريري في أربيل لإحياء قداسه الأخير بالعراق (د.ب.أ)
TT

البابا في ختام زيارة تاريخية: العراق سيبقى دائماً معي

البابا فرنسيس لدى وصوله إلى ملعب فرانسو الحريري في أربيل لإحياء قداسه الأخير بالعراق (د.ب.أ)
البابا فرنسيس لدى وصوله إلى ملعب فرانسو الحريري في أربيل لإحياء قداسه الأخير بالعراق (د.ب.أ)

في آخر محطة عامة من زيارته التاريخية إلى العراق، ترأس البابا فرنسيس، بعد ظهر اليوم (الأحد)، قداساً احتفالياً في أربيل في كردستان، شارك فيه الآلاف وسط إجراءات صحية وأمنية، وودّع العراقيين قائلاً: «العراق سيبقى معي وفي قلبي».
وبعد ثلاثة أيام حافلة بالتنقلات بالطائرة والمروحية وسيارة مصفحة في بلد طوى صفحة تنظيم «داعش» الإرهابي قبل ثلاث سنوات فقط ولا يزال يشهد توترات أمنية ناتجة عن وجود فصائل مسلحة خارجة عن السيطرة، قال البابا في ختام القداس: «الآن، اقتربت لحظة العودة إلى روما... لكنّ العراق سيبقى دائماً معي وفي قلبي»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
وأنهى زيارته برسالة أمل قائلاً: «في هذه الأيام التي أمضيتها بينكم، سمعت أصوات ألمٍ وشدّة، ولكن سمعت أيضاً أصواتاً فيها رجاءٌ وعزاء»، قبل أن يحيي الحضور بعبارات «سلام، سلام، سلام... شكراً! بارككم الله جميعاً! بارك الله العراق!»، ثم «الله معكم!» بالعربية.
وبتأثر واضح، قالت بيداء سافو البالغة من العمر 54 عاماً التي شاركت في القداس في ملعب فرنسو حريري في أربيل مع أولادها: «نعرف الآن أن هناك من يفكر فينا، ويشعر بما نفكر به». وأضافت: «سيشجع ذلك المسيحيين للعودة إلى أرضهم».
وسافو بين آلاف المسيحيين الذين فروا من الموصل في شمال العراق إلى أربيل بعد سيطرة تنظيم «داعش» على المنطقة بين 2014 و2017.
وكان البابا زار في وقت سابق مدينة الموصل حيث صلّى على أرواح «ضحايا الحرب». كما زار قرقوش، البلدة المسيحية التي نزح كل أهلها خلال سيطرة تنظيم «داعش»، وعاد جزء منهم خلال السنوات الماضية.
ووصل البابا بمواكبة أمنية كبيرة إلى الملعب في سيارة الـ«باباموبيلي» الشهيرة التي ألقى منها التحية على الحشد الذي تجمع لاستقباله والمشاركة في القداس.
ويتسع ملعب فرنسو حريري الذي يحمل اسم سياسي أشوري عراقي اغتيل قبل 20 عاماً في أربيل، لعشرين ألف شخص، لكن عدد الحاضرين كان أقل من ذلك بكثير، إذ فرض على المشاركين الحصول مسبقاً على بطاقة خاصة وتمّ تحديد العدد، وذلك في إطار تدابير الوقاية من وباء «كوفيد - 19».
وفي المدينة التي تعرّض مطارها أواخر فبراير (شباط) لهجوم صاروخي استهدف الوجود الأميركي، لاقى الآلاف البابا رافعين أعلام الفاتيكان وكردستان وأغصان الزيتون.
وفي الموصل، أسف البابا لـ«التناقص المأساوي بأعداد تلاميذ المسيح» في الشرق الأوسط. وقال على أنقاض كنيسة الطاهرة السريانية الكاثوليكية، إن هذا «ضرر جسيم لا يمكن تقديره، ليس فقط للأشخاص والجماعات المعنية، بل للمجتمع نفسه الذي تركوه وراءهم».
وصلّى من الموقع الأثري الشاهد على انتهاكات «الجهاديين»: «من أجل ضحايا الحرب والنزاعات المسلحة»، مؤكداً أن «الرجاء أقوى من الموت، والسلام أقوى من الحرب».
ثم توجه إلى قرقوش، حيث أدى صلاة في كنيسة الطاهرة الكبرى التي تشهد أيضاً على الانتهاكات العديدة لتنظيم «داعش» في شمال البلاد. وقام بجولة بعربة غولف في المدينة وسط حشد صغير رافقه بالزغاريد والتحيات.
ويعاني البابا البالغ من العمر 84 عاماً من التهاب في العصب الوركي ويواجه صعوبة في السير.
وقالت هلا رعد بعد أن مرّ البابا من أمامها، «هذا أجمل يوم!». وأضافت المرأة المسيحية التي فرت من الموصل عند سيطرة الإرهابيين عليها: «نأمل الآن أن نعيش بأمان، هذا هو الأهم».
وأرغم العديد من مسيحيي العراق، بفعل الحروب والنزاعات وتردي الأوضاع المعيشية، على الهجرة. ولم يبقَ في العراق اليوم سوى 400 ألف مسيحي من سكانه البالغ عددهم 40 مليوناً بعدما كان عددهم 1.5 مليون عام 2003 قبل الاجتياح الأميركي للعراق.
وقال البابا في كلمته من الموصل: «إنها لقسوة شديدة أن تكون هذه البلاد، مهد الحضارات قد تعرّضت لمثل هذه العاصفة اللاإنسانية التي دمّرت دور العبادة القديمة».
ورأى المسيحيون الذين عملوا منذ أسابيع على ترميم وتنظيف كنائسهم المدمرة والمحروقة، في هذه الزيارة البابوية الأولى في تاريخ العراق، رسالة أمل.
وقال منير جبرائيل الذي شارك في استقبال البابا في قرقوش: «ربما تساعد زيارة البابا في إعادة بناء البلاد، وإحضار السلام والحب أخيراً... شكراً له».
واستقبل سكان البلدة البابا بسعف النخيل، قبل أن يدخل الكنيسة على وقع الألحان السريانية ويؤدي فيها صلاة أشار فيها إلى ضرورة إعادة بناء ما دمّرته سنوات من «العنف والكراهية».
وأحرق تنظيم «داعش» هذه الكنيسة في قرقوش الواقعة على بعد نحو 30 كلم إلى جنوب مدينة الموصل، قبل أن يعاد ترميمها. ولحق دمار كبير ببلدة قرقوش على يد التنظيم، ولا يزال الوضع الأمني متوتراً مع انتشار مجموعات مسلحة بأعداد كبيرة في السهول المحيطة.
وقال البابا في كلمته: «قد يكون الطريق إلى الشفاء الكامل ما زال طويلاً، لكني أطلب منكم، من فضلكم، ألا تيأسوا».
وتعرّض عشرات الآلاف من مسيحيي نينوى للتهجير في عام 2014 بسبب سيطرة تنظيم «داعش»، وتثق قلّة منهم حالياً بالقوات الأمنية التي يقولون إنها تخلّت عنهم، ويخشى العديد منهم حتى الآن العودة إلى بيوتهم.
وبالإضافة إلى التحديات الأمنية، تأتي الزيارة وسط تحدٍّ صحي أيضاً مع زيادة بأعداد الإصابات بـ«كوفيد - 19» حرمت الحشود من ملاقاة البابا وإلقاء التحية عليه.
وقال المتحدث باسم الفاتيكان أتيو بروني (الأحد): «هذه رحلة لها طابع خاص نظراً للظروف الصحية والأمنية». وأضاف: «لكنها مبادرة حبّ وسلام لهذه الأرض وهذا الشعب».
وفي اليوم الثاني من زيارته التاريخية، التقى البابا (السبت) في النجف المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني الذي أعلن اهتمامه بـ«أمن وسلام» المسيحيين العراقيين.
ويغادر البابا أربيل مساء اليوم إلى بغداد استعداداً للعودة (الاثنين) إلى روما.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».