اعتقال مسؤول سابق في إدارة ترمب بتهمة اقتحام {الكابيتول}

«إف بي آي» يحقق في علاقة متطرفين بالبيت الأبيض

إنريكي تاريو (يمين)، زعيم حزب «براود بويز» اتصل بروجر ستون، أحد المقربين من ترمب أثناء احتجاجات الكابيتول (رويترز)
إنريكي تاريو (يمين)، زعيم حزب «براود بويز» اتصل بروجر ستون، أحد المقربين من ترمب أثناء احتجاجات الكابيتول (رويترز)
TT

اعتقال مسؤول سابق في إدارة ترمب بتهمة اقتحام {الكابيتول}

إنريكي تاريو (يمين)، زعيم حزب «براود بويز» اتصل بروجر ستون، أحد المقربين من ترمب أثناء احتجاجات الكابيتول (رويترز)
إنريكي تاريو (يمين)، زعيم حزب «براود بويز» اتصل بروجر ستون، أحد المقربين من ترمب أثناء احتجاجات الكابيتول (رويترز)

أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي «إف بي أي» أنه ألقى القبض على مساعد سابق في وزارة الخارجية بتهم تتعلق بالهجوم على مبنى الكابيتول الذي وقع في 6 يناير (كانون الثاني) الماضي، بما في ذلك الدخول غير القانوني والسلوك العنيف وغير المنضبط وعرقلة الكونغرس وعمل الشرطة والاعتداء على ضباطها بسلاح خطير. المساعد السابق يدعى فيديريكو كلاين، وهو أول عضو في إدارة ترمب يواجه تهماً جنائية فيما يتعلق باقتحام مبنى الكابيتول، حيث شوهد في مقاطع فيديو وهو يهاجم الضباط بدرع مكافحة الشغب. وجرى اعتقاله يوم الجمعة في ولاية فيرجينيا بعدما تم التثبت من هويته. وشكل اعتقال كلاين الرابط الأكثر مباشرة حتى الآن بين إدارة ترمب والمشاغبين، رغم محاولات بعض المحافظين فصل ما جرى عن الرئيس السابق. ووصف العديد من الأشخاص الذين يزيد عددهم على 300 شخص ووجهت إليهم تهم تتعلق بالتمرد، أنفسهم بأنهم من أنصار ترمب. في حين أن البعض لهم صلات بجماعات متطرفة مثل «براود بويز» التي صنفتها كندا جماعة إرهابية وكذلك من جماعة «أوث كيبرز» أو من المحافظين على القسم. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية إن كلاين شغل منصباً سياسياً في الوزارة من عام 2017 حتى استقالته في يناير وأنه يخضع للاستجواب من مكتب التحقيقات الفيدرالي. وقال المكتب إن كلاين لديه تصريح أمني سري للغاية تم تجديده منه في عام 2019. ويظهر ملفه أنه كان نشطاً سياسياً في الحزب الجمهوري منذ عام 2008 على الأقل، عندما بدأ التطوع في الحملات السياسية. ومن ثم انضم إلى وزارة الخارجية في عام 2017، حيث عمل أيضاً في حملة ترمب، التي دفعت له راتباً شهرياً قدره 15 ألف دولار. وقال مكتب التحقيقات الفيدرالي إن كلاين كان لا يزال يعمل في وزارة الخارجية كمساعد للموظفين في 6 يناير عندما انضم إلى حشد من الغوغاء عبر نفق يؤدي إلى مبنى الكابيتول.
من جهة أخرى، كشفت تحقيقات «إف بي أي» أن عضواً من جماعة «براود بويز» اليمينية المتطرفة، كان على اتصال مباشر مع أحد المساعدين في البيت الأبيض، في الأيام التي سبقت هجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول. وكشفت تسجيلات لمكالمات هاتفية عن تلك العلاقة التي تسعى التحقيقات فيها، إلى كشف ما إذا كان الهجوم مدبراً بالتواطؤ مع البيت الأبيض وأعضاء الكونغرس المحافظين في الأيام التي سبقت الهجوم. وقال مسؤولون إن البيانات نفسها لم تكشف عن أي دليل على وجود اتصالات بين مثيري الشغب وأعضاء الكونغرس، ما يقوض مزاعم الديمقراطيين بأن بعض المشرعين الجمهوريين كانوا مشاركين نشطين في الهجوم. وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أن إنريكي تاريو، زعيم حزب «براود بويز» اتصل بروجر ستون، أحد المقربين من ترمب أثناء الاحتجاجات التي وقعت أمام منزل السيناتور الجمهوري ماركو روبيو قبل أيام من الاحتجاجات التي جرت في 6 يناير أمام الكابيتول. وأضاف أن ستون تحدث بالمحتجين بمكبر للصوت. وأضافت الصحيفة، نقلاً عن أحد مسؤولي إنفاذ القانون، أن الاتصال بين تاريو وستون أمام منزل روبيو لم يكن هو مادة التحقيق، بل محاولة معرفة علاقة عضوين من المجموعة بأشخاص مرتبطين بالبيت الأبيض. ونفى ستون «أي تورط أو معرفة بالهجوم على مبنى الكابيتول» في بيان الشهر الماضي رغم أنه كان حاضراً التجمع الذي جرى في ذلك اليوم. واتهمت وزارة العدل أكثر من 12 عضواً من «براود بويز» بارتكاب جرائم تتعلق بالهجوم، بما في ذلك التآمر لعرقلة المصادقة النهائية على فوز الرئيس بايدن ومهاجمة ضباط إنفاذ القانون. وتم اكتشاف الاتصال بين الشخص المرتبط بالبيت الأبيض وعضو «براود بويز» جزئياً من خلال البيانات التي قدمها مكتب التحقيقات الفيدرالي، حصل عليها من شركات التكنولوجيا والاتصالات مباشرة بعد الاعتداء. وأظهرت وثائق المحكمة أن مكتب التحقيقات الفيدرالي حصل على موافقات للحصول على قائمة بجميع الهواتف المرتبطة بالأبراج الخلوية التي تخدم مبنى الكابيتول، وأنه تلقى معلومات من شركات الهواتف المحمولة الكبرى عن تلك الأرقام. ورغم أن المحققين لم يجدوا أي اتصال بين مثيري الشغب وأعضاء الكونغرس أثناء الهجوم، فقد أظهرت سجلات المكالمات الهاتفية أدلة في الأيام التي سبقت 6 يناير، عن اتصالات بين المتطرفين اليمينيين وعدد من المشرعين الذين كانوا يخططون لحضور التجمع الذي دعا إليه ترمب قبل الهجوم مباشرة، بحسب أحد المسؤولين. وقال المسؤول إن وزارة العدل تدرس هذه الاتصالات، لكنها لم تفتح تحقيقاً مع أي من المشرعين المعنيين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟