عُقد في العراق صباح اليوم (السبت) لقاءٌ غير مسبوق بين البابا فرنسيس الزعيم الروحي لـ1.3 مليار مسيحي في العالم، والمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، في النجف، في واحدة من أهم محطات زيارة البابا إلى البلاد، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وبعدما التقى زعماء الطوائف الكاثوليكية أمس (الجمعة) في بغداد، يمد البابا اليد إلى المسلمين الشيعة بزيارته السيستاني البالغ من العمر 90 عاماً، الذي لا يظهر في العلن أبداً، في منزله بمدينة النجف على بعد 200 كلم إلى جنوب بغداد.
وعقد الرجلان لقاءً مغلقاً استمر لنحو ساعة يأتي بعد عامين من توقيع البابا فرنسيس وثيقة الأخوة الإنسانية مع إمام الأزهر، إحدى أبرز المؤسسات التابعة للمسلمين السنة ومقرها مصر.
وأكّد السيستاني على «اهتمامه بأن يعيش المواطنون المسيحيون كسائر العراقيين في أمن وسلام»، بحسب بيان صدر عن مكتبه عقب اللقاء التاريخي الذي جمعه مع البابا فرنسيس.
وشدّد السيستاني خلال اللقاء الذي بدأ نحو الساعة التاسعة (7,00 ت غ) في منزله وانتهى بعد خمسين دقيقة، على ضرورة أن يتمتع المسيحيون «بكامل حقوقهم الدستورية»، شاكراً الحبر الأعظم على زيارته. ونشر الموقع الرسمي لأخبار الفاتيكان صورة تجمع الرجلين.
ويشكل السنة تسعين في المائة من مسلمي العالم، بينما يشكل الشيعة عشرة في المائة يتركز معظمهم في العراق وإيران، حسب معهد الأبحاث الأميركي «بيو» (بيو ريسرش سنتر).
ورفعت في بعض شوارع النجف لوحات عليها صور البابا فرنسيس والسيستاني مع عبارة بالإنجليزية «اللقاء التاريخي».
يقول رجل الدين الشيعي محمد علي بحر العلوم لوكالة الصحافة الفرنسية، إن هذه الزيارة تشكل مصدر «اعتزاز».
في مطار بغداد الدولي الذي نزل به الحبر الأعظم، أمس، رفعت لافتة كبرى فيها دعوة إلى التعايش والحوار بين الأديان.
والسيستاني أعلى مرجع لغالبية الشيعة في العراق. وهو من أهم مراجع الشيعة في العالم البالغ عددهم مائتي مليون، بسحب معهد «بيو»، ويشكلون أقلية من 1.8 مليار مسلم بالإجمال، حسب معهد «بيو».
ويمثل السيستاني المولود في إيران مرجعية النجف التي تؤيد أن يكون دور المرجعية استشارياً للسياسيين وليس مُقرراً، مقابل مرجعية قم في إيران التي تؤكد أن لرجال الدين دوراً في إعطاء توجيهات سياسية.
ويرى الكادرينال الإسباني ميغيل أنخيل أيوسو، الذي يرأس المجلس البابوي للحوار بين الأديان، أن «مدرسة النجف الفقهية أكثر علمانية من مدرسة قم التي لها اتجاه أكثر تديناً»، مضيفاً أن النجف «تعطي أهمية أكبر للبعد الاجتماعي» أيضاً.
ألقى السيستاني بثقله في عام 2019 لإسقاط الحكومة حينها بعد أشهر من تظاهرات قادها شباب احتجاجاً على الفساد والتردي في الأوضاع الاجتماعية في بلادهم.
وينحو البابا، كما السيستاني، إلى إطلاق مواقف سياسية غالباً. لكن كلاهما يعتمدان أسلوباً موزوناً في إطلاق مثل هذه المواقف. وفي خطابه أمس في بغداد، تطرق البابا إلى مواضيع حساسة وقضايا يعاني منها العراق خلال لقائه الرئيس برهم صالح.
فقال: «لتصمت الأسلحة! ولنضع حداً لانتشارها هنا وفي كل مكان! ولتتوقف المصالح الخاصة، المصالح الخارجية التي لا تهتم بالسكان المحليين. ولنستمع لمن يبني ويصنع السلام!». وأضاف: «كفى عنفاً وتطرفاً وتحزبات وعدم تسامح! ليعط المجال لكل المواطنين الذين يريدون أن يبنوا معاً هذا البلد في الجوار وفي مواجهة صريحة وصادقة وبناءة».
ودعا أيضاً إلى «التصدي لآفة الفساد وسوء استعمال السلطة، وكل ما هو غير شرعي».
وتجري زيارة البابا وسط إجراءات أمنية مشددة، وفي ظل إغلاق تام سببه ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا مع أكثر من خمسة آلاف إصابة في اليوم.
وتلقى البابا لقاحاً مضاداً للفيروس، فيما لم يشر مكتب السيستاني إلى أنه حصل على لقاح من جهته.
بعد النجف، يتوجه البابا فرنسيس جنوباً أيضاً إلى أور، الموقع الأثري الذي يعتقد أنه مكان مولد النبي إبراهيم، أب الديانات السماوية. وسيشارك هناك في صلاة مشتركة مع رجال دين شيعة وسنة وإيزيديين وصابئة.