الانتقال بالتمويل الإسلامي إلى المستوى التالي

الانتقال بالتمويل الإسلامي إلى المستوى التالي
TT

الانتقال بالتمويل الإسلامي إلى المستوى التالي

الانتقال بالتمويل الإسلامي إلى المستوى التالي

ترسّخ قطاع التمويل الإسلامي، مع تزايد الاقتناع به، ومع جلائه ووضوحه، باعتباره أحد المجالات الأكثر ديناميكية في القطاع المالي الأوسع على مستوى العالم. لقد أصبح هذا القطاع، بالنسبة لعديد من الدول ذات الغالبية المسلمة، أحد العناصر المهمة الممنهجة في صناعة المال. ومن الممكن، انطلاقا من القاعدة الحالية للأصول المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية عالميا التي تبلغ 1.8 تريليون دولار أميركي تقريبا، أن نتوقع وصول معدلات النمو السنوية لهذه الأصول إلى رقم مكون من خانتين، وربما يرتفع الإجمالي إلى 4 تريليونات دولار بحلول نهاية هذا العقد. توجد على وجه الخصوص 3 عوامل ستقود حالة الزخم في هذا القطاع خلال السنوات المقبلة.
أولا: استمرار توسع قطاع التمويل الإسلامي عالميا، مع وجود دعم حكومي نشط في كثير من الأحيان، فهناك عدد من الدول التي تقوم بإنشاء الإطار التنظيمي اللازم للأنشطة المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، أو القضاء على العقبات التي تسببت في إعاقة المنتجات والهياكل المتوافقة مع الشريعة. وهناك نمو قوي يحدث بالفعل في أسواق مهمة مثل تركيا وإندونيسيا، بينما تتشكل فرص نمو جديدة في شمال أفريقيا، وفي عدد متزايد من الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، وفي أجزاء من قارة آسيا حيث تعد ماليزيا وباكستان من الناحية التاريخية معقلين رئيسيين في قطاع التمويل الإسلامي. وهناك ما هو أبعد من ذلك، حيث يجري اتخاذ مزيد من المبادرات بهدف خدمة الأسواق التي توجد فيها أقليات مسلمة كبيرة، مثل الصين والهند، ناهيك عن المهاجرين في الغرب. حتى في بعض الأسواق الأكثر رسوخا، هناك بعض المؤسسات التي تتحول من التمويل التقليدي أو المختلط إلى التمويل الإسلامي البحت.
وفي الوقت نفسه، هناك حالة زخم في الجهود المبذولة في مجال تطوير البنية الأساسية للمنتجات والأسواق، إلى جانب الإصلاح التنظيمي. ويتضح هذا بشكل خاص في حالة أسواق المال المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، حيث شهد إصدار الصكوك نموا تحويليا خلال السنوات الأخيرة، ومجموعة الجهات المصدِّرة والهياكل وفترات السريان آخذة في الاتساع. على سبيل المثال، اختفى السقف الزمني الفعلي الذي كان مفروضا فيما مضى، وهو 5 سنوات، ليحل محله مجموعة كاملة من الخيارات. وانتشرت المنصات في أسواق التداولات الثانوية، رغم أن السيولة لا تزال تشكل تحديا، وما زال النمو العضوي متواصلا عبر مجموعة من المنتجات الإسلامية، رغم أن القائمة الشاملة لا تزال ضيقة وغير متكافئة نسبيا. ولا تزال قدرة التمويل الإسلامي على تلبية الاحتياجات المالية لعملائه بطريقة شاملة ومرنة وبتكلفة تنافسية في كثير من الأحيان أقل من تلك التي توفرها الكيانات التقليدية. ويعد هذا الأمر ذا أهمية خاصة في وقت يتواصل فيه نمو عدد وحجم المستثمرين بالكامل في القطاع المتوافق مع الشريعة الإسلامية.
ثالثا: تتزايد جاذبية التمويل الإسلامي للعملاء من غير المسلمين. في بعض الحالات، تسمح الصناديق المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بتمكين المستثمرين من الوصول لأسواق جديدة. وبشكل أكثر عموما، تسمح الخصائص الفريدة للمنتجات المالية الإسلامية باستخدام هذه المنتجات لأغراض تنويع المحافظ. وأخيرا، فإن طبيعة التمويل الإسلامي القائمة على المبادئ تلقى تجاوبا من العملاء الذين يبحثون عن بدائل للمنتجات السائدة. وساعدت الأزمة المالية العالمية، بطرق عديدة، في تعزيز الانجذاب إلى تلك المبادئ، وزيادة النفور من الروافع المالية والمضاربة.
ورغم أن كثيرا من المراقبين ينظرون إليها باعتبارها قوة دفع إيجابية للقطاع، فإنه لا تزال هناك حاجة لبذل جهود كبيرة وواسعة النطاق لدعم تطوير هذا القطاع، فلكي تترسخ مكانة قطاع التمويل الإسلامي باعتباره صناعة عالمية حقيقية، ينبغي توافر مزيد من البنائين ومواد البناء، فالوجود العالمي المتنامي وتطور التمويل الإسلامي يتطلب أعدادا كبيرة من الممارسين المؤهلين تأهيلا مناسبا. من جهته، يقوم معهد البحرين للدراسات المصرفية والمالية وكذلك الجامعات المحلية في مملكة البحرين بطرح حلول تدريبية للأسواق المتوافقة مع الشريعة الإسلامية التي يتزايد عددها يوما يعد يوم. وسيتطلب اتساع مكانة السوق الإسلامية العالمية مزيدا من الجهود الرماية لزيادة وتوسيع نطاق طرح البرامج، بالإضافة إلى زيادة الاتصال مع المؤسسات والعملاء في أجزاء أخرى من العالم.
ينبغي أن تكون الأعداد المتزايدة من المتخصصين في القطاع المالي الإسلامي مسؤولة عن العملية المستمرة وبالغة الأهمية لتطوير وابتكار المنتجات. وينبغي أن يكون الهدف الأساسي من التمويل الإسلامي - كما هو الحال بالنسبة للتمويل بشكل عام - هو تجميع رؤوس أموال وتعبئتها بغرض التنمية الاقتصادية. وتتطلب الكفاءة الاقتصادية منتجات ومؤسسات لنظام إيكولوجي شامل، إلا أن عناصرها لا تزال ناشئة على أفضل تقدير. وتوجد فجوات خطيرة في مجالات، مثل المدخرات طويلة الأجل والمستثمرين من المؤسسات. علاوة على ذلك، لا تزال هناك حاجة ماسة لإيجاد هياكل جديدة تلبي، على نحو أفضل، متطلبات العميل، وتعكس بشكل أكثر صدقا أحكام الشريعة الإسلامية، وتطرح حلولا تنافسية من حيث التكلفة. وتلعب مؤسسات رئيسية متعددة الأطراف، مثل البنك الإسلامي للتنمية، دورا محوريا في قيادة هذه العملية. وتوفر كيانات مثل مجلس الخدمات المالية الإسلامية في ماليزيا وكيانات قائمة في مملكة البحرين، مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية والسوق المالية الإسلامية الدولية والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، بالإضافة إلى كثير من الكيانات الأخرى، أساسا قويا لإيجاد مزيد من الابتكار والإبداع الذي قد يساعد على دفع التمويل الإسلامي إلى مستوى جديد.
تميزت العقود الأولى من التمويل الإسلامي بظهور مراكز لعبت دورا رائدا في دفع عجلة التنمية في هذا القطاع في وقت مبكر. ومع وصول هذه الصناعة إلى مرحلة النضج، من المرجح أن النقاش بشأن دينامياتها سيولي اهتماما أقل بمجموعات الأفراد، بينما يتزايد حول الحاجة لإنشاء شبكة متكاملة في جميع أنحاء العالم ذات تواصل وتنسيق حقيقي. وسيكون توحيد المقاييس والشفافية من الأمور المهمة في تعزيز السيولة في السوق وتعزيز النمو فيها تبعا لذلك. ويمكن، عندئذ فقط، أن ينشأ موقع لسوق التمويل الإسلامية العالمية بمنتجات وتكاليف تنافسية. ويعد تحقيق هذا الهدف نقطة تحول لتشجيع التعاون بين رواد الصناعة، وذلك دون المساس بالمنافسة، التي قد تجلب الإبداع للسوق على نطاق أوسع.

* كبير الاقتصاديين في مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».