موسكو تتهم منظمتين دوليتين بـ«تصفية حسابات» مع دمشق

قالت إن «حظر الكيماوي» و«الطاقة الذرية» أداتان لـ«أطراف غربية»

سوريون يعبرون «باب الفرج» في دمشق القديمة مطلع الشهر الحالي (أ.ف.ب)
سوريون يعبرون «باب الفرج» في دمشق القديمة مطلع الشهر الحالي (أ.ف.ب)
TT

موسكو تتهم منظمتين دوليتين بـ«تصفية حسابات» مع دمشق

سوريون يعبرون «باب الفرج» في دمشق القديمة مطلع الشهر الحالي (أ.ف.ب)
سوريون يعبرون «باب الفرج» في دمشق القديمة مطلع الشهر الحالي (أ.ف.ب)

فتحت موسكو النار بشكل متزامن أمس، على الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنظمة حظر السلاح الكيماوي. واتهم دبلوماسيون روس المنظمتين بأنهما تحولتا إلى «أداة لتحقيق مصالح جيوسياسية لأطراف غربية» عبر «تسييس» نشاطهما لمواصلة ممارسة ضغوط على دمشق. ودعت روسيا خلال اجتماع دوري لمجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى «عدم استغلال عمليات الوكالة الدولية لتصفية الحسابات مع سوريا»، وشددت على ضرورة تركيز الجهود على حل «القضايا الحقيقية المتعلقة بنظام عدم الانتشار».
وأشار الوفد الروسي في الاجتماع إلى أن الوكالة «قد أكدت مرات عديدة خلال السنوات الأخيرة تنفيذ دمشق لالتزاماتها، حيث تجري عمليات تفتيش في المواقع النووية المعلنة، ولا يوجد أي دليل على بدء استخدام المواد النووية للأغراض غير المسموح بها»، داعيا إلى رفع هذا الملف عن جدول أعمال مجلس الحكام لأنه «لا يوجد أي سبب لإبقاء هذه المسألة على طاولة البحث».
ووفقا للدبلوماسيين الروس، «على الدول الأعضاء أن تترك المحاولات المسيسة لاستغلال عمليات التفتيش للوكالة الدولية للطاقة الذرية لغرض تصفية الحسابات مع دمشق. وبدلا من ذلك من الضروري تركيز الجهود المشتركة على إيجاد حلول للقضايا الحقيقية لنظام عدم الانتشار وسبل تعزيز نظام الضمانات».
تزامن هذا الموقف، مع هجوم روسي آخر شنه نائب المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة ديميتري بوليانسكي، على منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وقال بوليانسكي إن «الولايات المتحدة وحلفاءها يسعون لتحويل المنظمة إلى أداة لتحقيق مصالحهم».
وقال الدبلوماسي الروسي خلال جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة: «كل يوم تتزايد التأكيدات حول مساعي الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والأطلسيين إلى تحويل منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، من هيئة دولية فنية مختصة، إلى أداة لتحقيق مصالحهم الجيوسياسية». وزاد أن مثل هذه المواقف من قبل الدول الغربية كانت واضحة بشكل خاص أثناء التحقيقات في الحوادث المحتملة لاستخدام السلاح الكيماوي في سوريا، عندما تم تحميل دمشق المسؤولية في غياب أدلة كافية. ولفت إلى أنه «على المنظمة أن توجه اهتمامها للولايات المتحدة ذاتها». موضحا: «سيكون من المنطقي أن تقدم المنظمة تقريرا حول مدى التقدم في إتلاف الترسانة الكيماوية للولايات المتحدة، الذي لم ينته بعد».
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة ناقشت الأربعاء مشروع قرار حول التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في التحقيقات الجارية في شأن الاستخدام المحتمل للأسلحة الكيماوية في سوريا. ووصفت روسيا الوثيقة بأنها «غير متوازنة ومسيسة للغاية».
وكانت روسيا وجهت قبل ذلك مباشرة، انتقادات حادة إلى سياسات الأمانة التقنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية إزاء الملف السوري، واتهمتها بـ«الانحياز والتسييس».
وشدد بوليانسكي خلال جلسة افتراضية ناقشت سير تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2118، على أن «حجم الأدلة على وقوع مخالفات في عمل أمانة المنظمة تخطى حتى أوائل عام 2021 عتبة حرجة»، مؤكدا أن «المشكلة أوسع بكثير من الملف السوري وتحمل طابعا ممنهجا». لافتا إلى أن «الحديث يدور عن أزمة الثقة بإحدى المنظمات الدولية الأكثر مصداقية في العالم سابقا والتي تتحول الآن إلى أداة للتلاعب السياسي وعقاب الأطراف غير المرغوب فيها».
وأشار بوليانسكي إلى أن التقييمات التي أدلى بها أمام مجلس الأمن في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي أول مدير عام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، خوسيه بستاني، تعكس تدهور الوضع الداخلي الذي يهدد بمشاكل خطيرة لسمعة المنظمة وفاعليتها.
وأكد الدبلوماسي الروسي أن موسكو كانت تصر على مدى شهور على دعوة المدير العام الحالي للمنظمة فرناندو آرياس إلى مناقشات بشأن الملف السوري في مجلس الأمن، بغية توضيح المسائل العالقة، لكنه استخدم حججا مختلفة لتفادي حضور المناقشات.
وفي نهاية المطاف، قدم آرياس الشهر الماضي إفادة إلى مجلس الأمن، لكن نائب المندوب الروسي وجه إليه انتقادات قوية، وقال إن المدير العام للمنظمة «كرر أفكارا عامة معروفة للجميع». وتابع بوليانسكي أن الجزء العلني من المؤتمر الافتراضي انقطع لأسباب مبهمة وتم تحويله إلى صيغة مغلقة، ما أتاح لآرياس تفادي الإجابة عن أسئلة الحاضرين.
وأعرب الدبلوماسي الروسي عن أمل موسكو في أن «تكون لدى السيد آرياس شجاعة للمثول مجددا أمام المجلس والإجابة علنا عن أسئلتنا»، مذكرا بأن سوريا «كانت انضمت طوعا إلى المنظمة وأتلفت ترسانتها الكيماوية وأغلقت برنامجها الكيماوي بالكامل في عام 2014، لكن بعض الدول تستمر في استغلال «الورقة الكيماوية» بهدف تصعيد الضغط في مسعى للإطاحة بحكومة دمشق من خلال توجيه اتهامات خطيرة إليها استنادا إلى «أدلة غير مقنعة».
وحذر بوليانسكي من أن «دور الأمانة التقنية للمنظمة زاد سوءا». وحملها المسؤولية عن «التخلي عن الإجراءات الاعتيادية في مجال جمع الأدلة، والقيام بعمليات للتلاعب بالحقائق وقمع وترهيب المعارضين لمثل هذه الأنشطة».
واتهم الدبلوماسي الروسي أمانة المنظمة بـ«تضخيم موضوع إعلان الحكومة السورية الأولي بشأن التخلص من الأسلحة الكيماوية»، مشيرا إلى مثل هذه القضايا تمثل أمرا عاديا وواجهتها العديد من دول أخرى، منها كندا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وليبيا والعراق.
وشدد بوليانسكي على ضرورة التأكد من قدرة المنظمة على تطبيق تفويضها، مضيفا أن الملف السوري أصبح اختبارا سلط الضوء على المشاكل التي تقوض أنشطة أمانتها التقنية. وأكد نائب مندوب روسيا على ضرورة بذل جهود جماعية لمواجهة هذه «النزعة الخطيرة للغاية»، مضيفا أن المنظمة «مصابة بشكل خطير بمرض التسييس، ولن تؤدي الدعوات إلى صرف الأنظار عن هذه المشكلة إلا إلى تفاقم الوضع».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.