بايدن يسعى إلى توسيع المسارات القانونية للهجرة من المكسيك

الرئيس الأميركي جو بايدن خلال القمة الافتراضية مع الرئيس المكسيكي أندريه لوبيز أوبرادور أول من أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي جو بايدن خلال القمة الافتراضية مع الرئيس المكسيكي أندريه لوبيز أوبرادور أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

بايدن يسعى إلى توسيع المسارات القانونية للهجرة من المكسيك

الرئيس الأميركي جو بايدن خلال القمة الافتراضية مع الرئيس المكسيكي أندريه لوبيز أوبرادور أول من أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الأميركي جو بايدن خلال القمة الافتراضية مع الرئيس المكسيكي أندريه لوبيز أوبرادور أول من أمس (إ.ب.أ)

في ثاني لقاء يعقده الرئيس الأميركي جو بايدن مع زعيم أجنبي، شهد الاجتماع الافتراضي عبر الإنترنت مع الرئيس المكسيكي أندريه لوبيز أوبرادور تقاربا بين الجانبين حول توسيع برامج منح التأشيرات للعمال المكسيكيين، وتوسيع المسارات القانونية للهجرة، وبناء شراكة عمل لإصلاح نظم الهجرة ومساعدة المكسيك على تحقيق تنمية اقتصادية ومواجهة تفشي الوباء.
وكان بايدن قد عقد اجتماعاً مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الأسبوع الماضي. وتعد كندا والمكسيك ثاني وثالث شركاء تجاريين للولايات المتحدة بعد الصين.
وركز الاجتماع الذي جرى مساء الاثنين على معالجة تفشي وباء «كوفيد - 19» ومجالات التعاون الاقتصادي وتغير المناخ وقضايا الأمن القومي. وخلال اللقاء الذي شارك فيه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ركز الرئيس المكسيكي على أهمية بناء علاقات تقوم على الاحترام والمساواة والتعاون. ووصف بايدن قوة العلاقات قائلاً إن الولايات المتحدة والمكسيك أقوى «حينما نقف ونتحد معاً»، فيما قال أوبرادور «نحن لسنا متحدين فقط بالجغرافيا وإنما أيضاً من خلال الاقتصاد والتجارة والثقافة والتاريخ».
ويسعى بايدن إلى إعادة ضبط العلاقات مع المكسيك، في وقت يشير منتقدو خطط إصلاح نظم الهجرة إلى أن توجهات إدارته قد تؤدي إلى زيادة عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى الولايات المتحدة.
وقبل اللقاء بين الرئيسين، ألقى وزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس باللوم على إدارة دونالد ترمب في زيادة الأعداد من الأطفال الذين عبروا الحدود إلى الولايات المتحدة دون ذويهم، وقال إن سياسات الرئيس السابق تركت إدارة بايدن مع نظام هجرة محطم.
ونفى مايوركاس أن الإدارة الجديدة تواجه أزمة وإنما اعتبرها تحدياً عند الحدود. وقال: «علينا معالجة التحدي والأخذ في الاعتبار بالمعايير الإنسانية». وأعلن تعيين ميشيل براني المدافعة عن حقوق المهاجرين لتنفيذ برنامج لم شمل حوالي 500 طفل موجودين في مرافق إيواء داخل أميركا بعد ترحيل أهلهم خلال عهد ترمب. وكانت عمليات تدفق اللاجئين قد تجاوزت 70 ألفاً خلال الأشهر الأربعة الماضية بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة والوباء والفساد والعنف.
وفي نهاية الأسبوع، وجه الرئيس السابق ترمب انتقادات لاذعة لسلفه، مشيراً إلى أنه يسمح للعديد من المهاجرين الذين وصفهم بتجار المخدرات والمغتصبين بدخول الولايات المتحدة، واصفاً بايدن بأنه ضعيف في حماية الحدود.
ويعد تدفق المهاجرين على الحدود من القضايا الأكثر إلحاحاً لإدارة بايدن للوفاء بوعوده الانتخابية لعكس سياسات ترمب الرادعة. وفي بداية ولايته أصدر بايدن العديد من الأوامر التنفيذية لوقف عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين وأوقف تمويل بناء الجدار مع المكسيك وأصدر أوامر للم شمل العائلات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟