كعكي لـ «الشرق الأوسط» : مكة المكرمة مهيأة للتحول إلى محور اقتصادي عالمي

رئيس «غرفة مكة» يؤكد وجود خطط لبناء 60 فندقاً عالمياً وفرص للاستثمار في البنية التحتية والنقل والتعليم والصناعة

استراتيجية لتنمية وتطوير الأراضي المقدسة وبرامج للاستفادة من تجربة ضيوف الرحمن
استراتيجية لتنمية وتطوير الأراضي المقدسة وبرامج للاستفادة من تجربة ضيوف الرحمن
TT

كعكي لـ «الشرق الأوسط» : مكة المكرمة مهيأة للتحول إلى محور اقتصادي عالمي

استراتيجية لتنمية وتطوير الأراضي المقدسة وبرامج للاستفادة من تجربة ضيوف الرحمن
استراتيجية لتنمية وتطوير الأراضي المقدسة وبرامج للاستفادة من تجربة ضيوف الرحمن

تزخر مكة المكرمة بجملة من المقومات التي تقودها لتكون على قائمة الباحثين عن الاستثمارات طويلة المدى وذات المردود الاقتصادي والمستقبل المستدام، إذ تمتلك فرصاً استثمارية ضخمة ومتنوعة وفقاً لنائب رئيس مجلس الغرف السعودية ورئيس مجلس إدارة غرفة مكة المكرمة، هشام بن محمد كعكي، الذي أكد أن مكة تعد سوقاً واعدة دائمة بحكم توافد الزوار على مدار العام.
وقال كعكي، في حوار مع «الشرق الأوسط» إن هناك خططاً لبناء 60 فندقاً عالمياً في مكة المكرمة لخدمة مرشحة لاستضافة ما يقدر بنحو 100 مليون فرد مستهدف لزيارة المملكة بحلول عام 2030، ما يفتح كثيراً من القطاعات للاستثمار، بما في ذلك البنية التحتية للنقل والتعليم والرعاية الصحية، فضلاً عن العديد من الفرص.
ولفت رئيس غرفة مكة إلى أن الاقتصاد المكي يمر في هذه المرحلة بفترة صعبة جراء الجائحة، تعد من أصعب السنوات التي مرت عليها نتيجة التأثر بجائحة كورونا خلال الثلاثة مواسم السابقة التي لم يجرِ الاستفادة منها؛ وهي رمضان، وفترات العمرة، والحج، كاشفاً أن 80 في المائة من دخل المنشآت بمدينة مكة المكرمة تعرض للتراجع الحاد. وأكد كعكي أن مكة المكرمة مهيأة بفضل الخطط والاهتمام الحكومي بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده للتحول إلى أهم محور اقتصادي عالمي، موضحاً في الوقت ذاته أن بيوت التجارة العائلية في مكة لا بد أن تستفيد من التطورات الحديثة للحكومة من أجل استمرار الأجيال وضمان الاستدامة. وإلى تفاصيل أكثر:

استراتيجية الغرفة

ووفق كعكي، تعتمد الغرفة على 4 محاور لتنفيذ استراتيجيتها تتمثل في «تحقيق التميّز المؤسسي، وتحقيق الاستدامة المالية للمنظومة، والمجتمع المحيط، وتعزيز مكانة مكة كملتقى للأعمال محلياً وعالمياً».
وأضاف أن الاستراتيجية الجديدة تأتي بأربع أولويات من خلال 40 مبادرة متنوعة، تستهدف إرساء الأطر العملية اللازمة لعملية التحول، ولمواءمة أدائها مع رؤية «المملكة 2030»، وتسخير ممكنات القطاع الخاص لخلق بيئة استثمار جاذبة.
وأفاد بأن الاستراتيجية تتوافق مع التحول الوطني، وتحول مكة المكرمة إلى مدينة عالمية تستقطب الأفئدة والأعمال، وتنهض بمستوى الاقتصاد المحلي والوطني والإقليمي، كما تأتي أيضاً لتكثف عملية استغلال الفرص المستبطنة في النموذج الاقتصادي لمكة المكرمة، لافتاً إلى أنها تشمل بعض الأهداف الاستراتيجية مثل زيادة حجم الاقتصاد الوطني، ورفع مساهمة القطاع الخاص، ورفع مساهمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ورفع نسبة الاستثمارات الجنبية، ورفع أعداد الحجاج والمعتمرين، وجميعها سيكون للغرف التجارية دور محوري في تحقيقها.

محور اقتصادي عالمي

وشدد كعكي على أن مكة المكرمة، وسط اهتمام حكومي بالغ، مهيأة للتحول إلى أهم محور اقتصادي عالمي، نسبة لمكانتها الروحية والقدسية ومقدرات اقتصادها الكبير، ما ينعكس إيجاباً على الوضع الداخلي والمجتمع المحلي بشكل أكثر فاعلية، لافتاً إلى أن «غرفة مكة» تعمل بالتعاون مع شركائها في تذليل الصعوبات وصولاً إلى الاقتصاد المزدهر.

الإيرادات والاستدامة

يقول كعكي: «أقرت الجمعية الإيرادات الفعلية لعام 2019، التي حققت أكثر من 82 مليون ريال، فيما أجيزت الميزانية التقديرية للعام الجاري 2020 بإيرادات متوقعة تصل إلى 74.3 مليون ريال، وقد رصدت مبلغ 592.8 ألف ريال للوظائف الجديدة، و3.9 مليون ريال للمشروعات التطويرية».
وعن تحقيق الاستدامة، قال كعكي إنه جرى اتخاذ عدة اتجاهات؛ منها التحول التقني الذي يتواكب مع «رؤية 2030»، واستغلت الغرفة الجائحة من خلال تجنيد كل مقدراتها المالية والبشرية في تحقيق التحول الرقمي، حيث شهدت الفترة الأولى من وقت الإغلاق تنظيم سلسلة من اللقاءات الافتراضية، كما أطلق برنامج «إنستغرام لايف» وتتم استضافة إحدى الشخصيات المؤثرة، إضافة إلى تفعيل خدمة «لايف شات» للتواصل مع المستفيدين على مدارة الساعة، وتطوير التوقيع الإلكتروني في الحضور والانصراف للموظفين والعاملين.

الغرفة والجائحة

تحولت الغرفة إلى العمل الإلكتروني بكل فعالياتها وأعمالها المختلفة، كما يقول رئيسها، وأطلقت بوابة «سؤال وجواب»، وهي بوابة استشارات رقمية لقطاع الأعمال، وأسست بوابتها الإلكترونية الشاملة، متضمنة خدمات المنتسب، والفرص الاقتصادية، والتدريب، والوظائف، إضافة إلى منصة «101» التي تعرض المقالات الخاصة بمجال الإثراء المعرفي بصناعة الأعمال، كما أنشأت الغرفة منصة التدريب الرقمي، وهي مختصة بالتدريب عن بعد بتقديم عدد من الدورات والدبلومات الإلكترونية، وتجاوز عدد المستفيدين حاجز 8 آلاف مستفيد ومستفيدة في مختلف المجالات.
ولفت كعكي إلى أن الغرفة قدمت عضوية مجانية لأبطال الصحة في مواجهة الجائحة ضمن برنامج «مزايا حصرية» للاستفادة من العروض والخصومات المقدمة في البرنامج بتفعيل الخدمة لأكثر من 600 مستفيد من منسوبي ومنسوبات وزارة الصحة، فيما سخرت الغرفة منصاتها الإعلامية لنشر التوعية الصحية والاقتصادية والمجتمعية.

تضرر الشركات

من المؤكد أن الاقتصاد المكي سيتجاوز العثرة التي يمر بها حالياً، كما يقول كعكي، مضيفاً: «هناك كثير من الأمور المبشرة سيتم تقديمها في الفترة المقبلة»، مؤكداً أن اقتصاد مكة المكرمة يمر بفترة صعبة بسبب الجائحة، تعد من أصعب السنوات التي مرت على الاقتصاد المكي، حيث هناك ثلاثة مواسم لم يجرِ الاستفادة منها؛ هي رمضان، والعمرة الاعتيادية، والحج، ما أثر بشكل كبير جداً على اقتصاديات مكة المكرمة.
وأضاف أن 80 في المائة من دخل المنشآت في مدينة مكة المكرمة قد تأثر بالفعل، والأمر يتفاوت حسب القطاعات.
وشدد رئيس غرفة مكة على أن الوضع الحالي يحتاج إلى وقفة ودعم خاص، كون الأثر أكبر من المدن الأخرى، كما أن مكة المكرمة كانت من أكثر المدن من حيث إصابات كورونا في السابق، بحسب إحصائيات وزارة الصحة، وأيضاً هي الأكثر تأثراً بسبب غياب المواسم، مستطرداً: «كلنا ثقة في الحِزَم التي قدمت والتي ستقدم في الفترة المقبلة لتخطي هذا الواقع».

العائلات التجارية

يرى كعكي أهمية تطبيق أسس الحوكمة والتنظيمات الضابطة لأعمال الشركات العائلية في مكة والسعودية بشكل عام، حيث تمثل نحو 90 في المائة من جملة الشركات العاملة في البلاد، وتسهم بنحو 60 في المائة في الناتج المحلي، كما تشارك بتوظيف نسب مقدرة من القوى العاملة، موضحاً أن 15 في المائة من الشركات العائلية حول العالم أغلقت أبوابها بسبب أزمة الجائحة، بينما كانت دول الشرق الأوسط الأكثر تأثراً، وقد خسرت أعداد كبيرة وظائفهم.
وقال رئيس «غرفة مكة» إن الشركات العائلية تمكنت من الاستمرار في أعمالها بجميع الظروف والتغيرات المختلفة، وذلك لكون الشركات العائلية تتميز بالمرونة والقدرة العالية على التكيف مع الظروف، ومن المهم تطوير إطار حوكمة الشركة بما يعالج مواضيع إدارة المخاطر وإدارة الأزمات واتخاذ القرارات.

جلب الاستثمارات

ارتكزت «غرفة مكة»، والحديث لكعكي، على عدة محاور بينها تفعيل مجموعة المراكز المتخصصة؛ وهي «مراكز التدريب، والتحكيم، والمعارض والمؤتمرات، ومركز الدراسات والبحوث، والتأشيرات الدولية، والمرصد العقاري، ومركز الريادة والابتكار»، إضافة إلى 3 مشروعات رقمية تتمثل في رقمنة خدمات الغرفة، وبرودكاست غرفة مكة، ومنصة سلة، فضلاً عن مشروع تطوير ساحة الاشتراكات بتحويلها إلى ساحة تشاركية تمنح فيها مساحات للأسر المنتجة ورواد الأعمال.
واستطرد أن تأسيس مركز التحكيم الدولي، بعد حصوله على أول رخصة لمركز تحكيم تجاري على مستوى الغرف السعودية من اللجنة الدائمة لمراكز التحكيم، يأتي ضمن أهم المشاريع التي تخدم قطاع الأعمال، ويعزز دور القطاع العدلي بخدمات قانونية نوعية ومتميزة، حيث تم إنشاء المركز في مقر الغرفة على مساحة 250 متراً مربعاً، فيما تجري حالياً أعمال الإنشاءات في أكبر مركز للمعارض والمؤتمرات من نوعه في المنطقة، بعد أن وقعت عقداً لتنفيذ أعمال المباني مع إحدى الشركات الوطنية لإنشاء المركز على مساحة تبلغ نحو 72 ألف متر مربع.

صنع في مكة

يقول كعكي إن هذا المشروع يحظى برعاية من مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، مضيفاً: «وقفنا خلال زيارة أخيرة على المشروعات القائمة والاحتياجات في المدينة الصناعية بمكة المكرمة، حيث اطلع رجال الأعمال على الخدمات والمنتجات التي توفرها الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية من أجل تعزيز رؤيتها لتمكين الصناعة وزيادة المحتوى المحلي».
وأردف: «نتطلع إلى أن تتحول مكة المكرمة إلى مركز اقتصادي وصناعي، والعاصمة المقدسة يقصدها كل عام ملايين المسلمين من حجاج ومعتمرين وزوار ووفود، يشكلون سوقاً كبيرة لا يستثمر بالشكل الجيد في تنمية مبيعات الصناعات الوطنية، حيث يعد كل واحد من هؤلاء الزوار، مستهدفاً لشراء منتجات مكة المكرمة، لما لهذا المكان الطاهر من مكانة خاصة في قلوب المسلمين».
وشدد على أن القطاع الصناعي أثبت قدرة هائلة في التعامل مع الأزمات وسد الاحتياجات، خصوصاً الصناعات الغذائية والدوائية، والعمل يجري لتعزيز القيمة النسبية والتنافسية لمكة المكرمة، خصوصاً في مجال الاستثمار في الصناعات المرتبطة بالحج والعمرة.

المواقع التاريخية

وعن الاستفادة من المواقع التاريخية والأثرية، يقول كعكي إن «غرفة مكة» أوصت بتحسين تجربة ضيوف الرحمن، ووضع قائمة بالمواقع التاريخية المطلوب تطويرها من قبل القطاع الخاص مع تحديد المعايير بما يتوافق مع أفضل التجارب العالمية واقتراح الأنظمة والسياسات، إلى جانب تفعيل شراكة تكاملية بين الهيئة الملكية لمكة والمشاعر المقدسة ووزارة السياحة وغرفة مكة المكرمة لطرح فرص التطوير للمواقع الأثرية.
وزاد كعكي: «تضمنت توصيات الدراسة التي أعدها مركز ذكاء الأعمال بغرفة مكة المكرمة، وضع برنامج زمني لاعتماد تطوير المواقع الأثرية على مدى عشر سنوات، مع أهمية دراسة البدائل التطويرية والشراكات الاستثمارية بين القطاعين العام والخاص، فضلاً عن دراسة الحاجة إلى عمل تكتلات وتشكيل لجان للأنشطة العاملة في منظومة الحج والعمرة من خلال غرفة مكة المكرمة كممثلة للقطاع الخاص، وتحت إشراف الجهات الحكومية الممكنة ذات العلاقة».
وأضاف: «اتضح من خلال الدراسة أن 91.7 في المائة من ضيوف الرحمن يرغبون في زيارة مواقع التاريخ الإسلامي، بينما 68.5 في المائة يبدون رغبة في زيارة المواقع الأثرية والتراثية، و89.9 في المائة جاءت رغبتهم في التسوق وشراء الهدايا».

حجم الفرص الاستثمارية

وحول الفرص الاستثمارية المتاحة في مكة المكرمة، يقول كعكي إنها «ضخمة» وهو بشكل عام يتركز حول خدمة ضيوف الرحمن في المواسم والزيارات، وفي ذلك تعد مكة المكرمة سوقاً واعدة بمستقبل مستدام والمستثمرون من الداخل ومن مختلف أنحاء العالم يعدونها من أكثر المواقع جذباً لما لها من خصوصية.
وأضاف أن مكانة مدينة مكة المكرمة تتيح لها توفير فرص مستدامة من خلال توافد الزوار والمعتمرين والحجاج، لذلك الاستثمار في قطاعي السياحة والبنية التحتية جذاب، حيث هناك خطط لبناء 60 فندقاً عالمياً في مكة المكرمة لخدمة 100 مليون زائر بحلول عام 2030، ما يفتح كثيراً من القطاعات للاستثمار، بما في ذلك البنية التحتية للنقل والتعليم والرعاية الصحية، فضلاً عن العديد من الفرص.
وقال كعكي: «لدينا العديد من المشاريع المحفزة لبيئة الاستثمار تشمل تعزيز ريادة الأعمال عبر إنشاء مركز متخصص للتدريب سيوفر تدريباً وتعليماً للغات الحيوية كالإنجليزية والصينية والفرنسية، فضلاً عن إنشاء أول مركز مرخص للتحكيم في الغرف السعودية، ومركز عالمي المواصفات خاص بالفعاليات والمؤتمرات من شأنه استقطاب الفرص الاستثمارية إلى مكة المكرمة، يكشف ويتيح الفرص للمستثمرين المحليين ومن الخارج».
وزاد: «لقد منحت سلطات الإسكان صلاحية لمساكن جديدة على مساحة 55 مليون متر مربع، ومنحت فرصاً للاستثمار في قطاع العقار لغير السعوديين في الفترات المقبلة».

تغير مفاهيم

يقول كعكي إن أهل مكة المكرمة والاقتصاديين يعتبرون كل موسم من مواسم الحج أو العمرة مواسم استثنائية، لذلك يجب تطوير النظرة تجاه الحج والعمرة كصناعة سياحية تراعي الاعتبارات الدينية، والاستعداد للزيادة المضطردة سنوياً في أعداد ضيوف الرحمن، وصولاً إلى العدد المحدد وفق رؤية 2030.
وأضاف أن منظومة الحج والعمرة تعد من أكبر وأنجح المنظومات العاملة في مكة المكرمة، مبيناً أن غرفة مكة المكرمة تعمل بالتعاون مع شركائها في كثير من القطاعات، لخدمة المجتمع المكي، وهو ما أكدته في شعارها الجديد المتمثل في «تنمية الأعمال والمجتمع»، فيما العديد من المبادرات يصب في هذا الاتجاه، وتبرم اتفاقيات مع الجامعات وبيوت الخبرة؛ لتقديم الدورات التدريبية والمحاضرات المتخصصة تحقيقاً لأعلى الفوائد.



الذكاء الاصطناعي يعزز «العصر الذهبي» للشراكة التقنية بين الرياض وواشنطن

الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأميركي دونالد ترمب في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي بالرياض (منتدى الاستثمار)
الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأميركي دونالد ترمب في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي بالرياض (منتدى الاستثمار)
TT

الذكاء الاصطناعي يعزز «العصر الذهبي» للشراكة التقنية بين الرياض وواشنطن

الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأميركي دونالد ترمب في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي بالرياض (منتدى الاستثمار)
الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأميركي دونالد ترمب في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي بالرياض (منتدى الاستثمار)

تستعد السعودية والولايات المتحدة لمرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي، يتصدرها الذكاء الاصطناعي والتقنيات التحويلية، في وقت يشهد فيه العالم سباقاً محموماً نحو بناء اقتصادات رقمية قائمة على المعرفة والابتكار. وبالتزامن مع زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي لواشنطن، وما تخللها من زخم رفيع المستوى كان البيت الأبيض قد وصفه سابقاً بـ«العصر الذهبي»، تتأكد قوة الشراكة التقنية بين البلدين.

فخلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى السعودية، في مايو (أيار) الماضي، أعلنت شركات سعودية وأميركية عن حزمة من الاستثمارات الضخمة التي تجاوزت قيمتها 100 مليار دولار، توزعت بين مشاريع للبنية التحتية المتقدمة، ومراكز بيانات متخصصة، وشراكات استراتيجية في مجالات التقنية والطاقة والابتكار، تؤسس لمرحلة تحول رقمي غير مسبوقة تدعمها «رؤية 2030».

وأكد مسؤولون تنفيذيون في شركات ذكاء اصطناعي كبرى لـ«الشرق الأوسط» أن السعودية باتت واحدة من أكثر الأسواق نمواً وجاذبية للاستثمارات التقنية، مشيرين إلى توسّع الشراكات بين الجانبين في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة والأمن السيبراني، بدعم من «رؤية 2030»، وتطوير البيئة التنظيمية والبنية الرقمية في المملكة.

استثمارات عابرة للقارات

انعكس توسُّع الأجندة التقنية للمملكة على المستوى العالمي، حيث كشفت شركة «داتا فولت» السعودية عن خططها لاستثمار 20 مليار دولار لإنشاء مراكز بيانات متخصصة بالذكاء الاصطناعي والبنية التحتية للطاقة في الولايات المتحدة. تأتي هذه الخطوة ضمن توجُّه المملكة لتوسيع حضورها الاستثماري في قطاع التقنية العالمي وتعزيز التعاون مع الشركات الأميركية الرائدة، في نموذج للشراكة المتبادلة.

وفي المقابل، عزَّزَت شركات التكنولوجيا الأميركية التزامها تجاه السوق السعودية؛ حيث أعلنت شركات عملاقة مثل: «غوغل» و«أوراكل» و«سيلزفورس» و«إيه إم دي» و«أوبر»، عن التزامها باستثمارات مشتركة تصل إلى 80 مليار دولار، لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي في البلدين، بهدف تعزيز الابتكار وتمكين الاقتصاد القائم على المعرفة.

صورة تجمع رؤساء كبرى الشركات من الجانبين السعودي والأميركي مع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأميركي دونالد ترمب في الرياض (منتدى الاستثمار)

ويُتوقع أن تغير موجة الاستثمارات الأخيرة خريطة الشراكات، خصوصاً أن الاستثمارات الأميركية في قطاع الذكاء الاصطناعي داخل المملكة لم تكن تتجاوز 3.9 مليار دولار قبل هذا الزخم الأخير. ومن المتوقّع أن تُضيف مبادرة تعزيز التعاون بين صندوق الاستثمارات العامة و«غوغل كلاود» نحو 70.6 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي السعودي خلال السنوات المقبلة، بحسب تقديرات أولية أجرتها «غوغل كلاود»، من خلال شركة «أكسس بارتنرشيب» الاستشارية المتخصصة في مجال سياسات التقنية.

«هيوماين» و«إنفيديا»: تأسيس لمركز حوسبة إقليمي

كانت هناك نقطة تحول لافتة بعد إطلاق شركة «هيوماين» التي تهدف إلى بناء بنية تحتية ضخمة للحوسبة المتقدمة والذكاء الاصطناعي داخل المملكة، بالتعاون مع شركات أميركية رائدة. كذلك، أعلنت «هيوماين» عن تعاون استراتيجي مع شركة «إنفيديا» لتطوير مراكز بيانات ضخمة ومنصات متعددة الوكلاء للذكاء الاصطناعي، ما يجعل المملكة أحد أبرز مراكز الحوسبة المتقدمة في المنطقة.

الرئيس التنفيذي لـ«نفيديا» جينسن هوانغ والرئيس التنفيذي لـ«هيوماين» طارق أمين في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي (منتدى الاستثمار)

وقال طارق أمين، الرئيس التنفيذي لشركة «هيوماين»، خلال مشاركته في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» بالرياض، إن إحدى الشركات العالمية الموردة لرقائق الذكاء الاصطناعي تدرس الاستثمار في الشركة، دون الكشف عن اسمها.

وتستورد «هيوماين» الرقائق من شركة «إنفيديا»، و«إيه إم دي»، و«كوالكوم»، «وغروك»، لتشغيل منصاتها ومراكز بياناتها المتطورة.

تعميق التعاون

في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، قال نائب الرئيس الإقليمي لعملاق التكنولوجيا الأميركي «آي بي إم» في السعودية، أيمن الراشد، إن مشهد الشراكة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والمملكة يدخل مرحلة جديدة تتسم بتعميق التعاون والالتزام المشترك.

وأوضح الراشد أن «آي بي إم» عززت وجودها في المملكة عبر تأسيس مقرها الإقليمي في الرياض، وإطلاق مركز متقدم للأمن السيبراني، واستثمرت أكثر من 200 مليون دولار في مختبر لتطوير البرمجيات يركز على تنمية المواهب وحلول الذكاء الاصطناعي المتقدمة ومنصات البيانات والذكاء الاصطناعي المتقدمة، والحلول الجاهزة للتصدير.

وأشار الراشد إلى أن تعاون الشركة مع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا» لاستضافة نموذج اللغة العربية الكبير «عَلَّام»، على منصة «آي بي إم واتسون إكس»، يعكس قدرة هذه الشراكات على تطوير حلول ذكاء اصطناعي متطورة مُصممة خصيصاً لتلبية الاحتياجات المحلية، مما يُمكّن السعودية من قيادة التقدم التكنولوجي الإقليمي. وتوقع الراشد أن النمو السريع للسوق السعودية، المدعوم بالاستثمارات الضخمة وأجندة الابتكار الوطنية الطموحة، سيخلق فرصاً واسعة لتعميق التعاون التقني الأميركي - السعودي.

طلب متزايد

أكد زيد غطاس، المدير العام لشركة «إيه إم دي» في الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا، لـ«الشرق الأوسط» أن الشراكة التقنية بين السعودية والولايات المتحدة تشهد نمواً نوعياً يقوده «الطلب المتزايد على الحوسبة المتقدمة والذكاء الاصطناعي». وأفاد غطاس بأن «إيه إم دي» تساهم في دعم مشاريع المملكة الاستراتيجية عبر تقنيات الحوسبة عالية الأداء وتطوير مراكز البيانات.

وأشار إلى أن السنوات الخمس المقبلة ستشهد توسعاً أكبر في التعاون، خصوصاً مع برامج مثل «صُنِع في السعودية» التي تعزز توطين التقنيات، لافتاً إلى تعاون الشركة مع «هيوليت باكارد إنتربرايز» و«الفنار» لتصنيع خوادم تعمل بمعالجات «إيه إم دي» محلياً في الرياض.

مهندسون في أحد مراكز البيانات (رويترز)

وأكد غطاس أن الاستثمار السعودي الكبير في البنية الرقمية والمواهب يجعل المملكة من أكثر الأسواق جاذبية عالمياً، مع توقعات بارتفاع مساهمة الذكاء الاصطناعي إلى أكثر من 135 مليار دولار في الناتج المحلي بحلول 2030.

مقرات إقليمية

أما الرئيس التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة «غلوبانت»، ممدوح الدبيان، فقال لـ«الشرق الأوسط» إن السعودية أصبحت من أهم أسواق التكنولوجيا في المنطقة، مدفوعة بنمو سنوي متوقَّع يصل إلى 9 في المائة في خدمات تقنية المعلومات حتى عام 2027.

وأوضح أن «رؤية 2030» أسهمت في خلق بيئة أعمال جاذبة دفعت الشركات العالمية لافتتاح مقرات إقليمية في الرياض، ومنها «غلوبانت» التي تركز على تقديم حلول الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والبيانات.

وأضاف أن السوق السعودية تشهد طلباً متزايداً على الحلول الرقمية المتقدمة، مدعوماً بتشريعات مرنة، ومبادرات حكومية في المدن الذكية، ووجود كفاءات وطنية مؤهلة، ما يجعل المملكة وجهة مثالية للشركات التقنية العالمية.

أخيراً، يأتي هذا الحراك في وقت تمضي فيه السعودية قدماً نحو تحقيق مستهدفات «رؤية 2030»، التي تضع التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في صميم استراتيجيتها لتنويع الاقتصاد، فيما تطرح الولايات المتحدة مشروع «ستارغيت» بوصفه أحد أضخم مشاريع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في العالم.


جيفرسون: «الفيدرالي» بحاجة إلى المضي بحذر في تخفيضات الفائدة المقبلة

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
TT

جيفرسون: «الفيدرالي» بحاجة إلى المضي بحذر في تخفيضات الفائدة المقبلة

مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)
مبنى بنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن (رويترز)

قال نائب رئيس «الاحتياطي الفيدرالي»، فيليب جيفرسون، يوم الاثنين، إن البنك المركزي الأميركي بحاجة إلى «المضي قدماً بحذر» في أي تخفيضات إضافية لأسعار الفائدة، في ظل تخفيف سياسته نحو مستوى من المرجح أن يوقف الضغط النزولي على التضخم.

وفي تصريحات أُعدّت للإدلاء بها خلال فعالية لـ«الاحتياطي الفيدرالي» في كانساس سيتي، قال جيفرسون إنه يرى أن خفض البنك المركزي سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية الشهر الماضي كان خطوة مناسبة، بالنظر إلى تزايد المخاطر على سوق العمل، واحتمالية «تراجع مخاطر التضخم إلى حد ما مؤخراً»، وفق «رويترز».

وأضاف جيفرسون: «لا يزال موقف السياسة الحالي مقيداً إلى حد ما، لكننا قرّبناه من مستواه المحايد الذي لا يقيّد الاقتصاد ولا يحفّزه. ويُؤكد التوازن المتغير للمخاطر ضرورة المضي قدماً بحذر مع اقترابنا من السعر المحايد».

وأشار إلى انقسام مسؤولي «الاحتياطي الفيدرالي» حول الحاجة إلى مزيد من خفض أسعار الفائدة، مع اختلاف الآراء بشأن مستوى مخاطر التضخم وما إذا كانت سوق العمل معرضة لمزيد من التراجع.

ولفت جيفرسون إلى أن نقص البيانات الحكومية يزيد من صعوبة التحليلات، مشيراً إلى أنه «لا يزال من غير الواضح حجم البيانات الرسمية التي سنتمكن من الاطلاع عليها» قبل اجتماع السياسة النقدية لمجلس «الاحتياطي الفيدرالي» المقرر يومي 9 و10 ديسمبر (كانون الأول).

ومن المتوقع أن يصدر مكتب إحصاءات العمل تقريره الشهري الرئيسي عن التوظيف لشهر سبتمبر (أيلول) يوم الخميس، في حين لم يُعلن بعد الجدول الزمني الكامل لنشر البيانات الأخرى التي تعطلت بسبب الإغلاق الحكومي الذي استمر 43 يوماً.


«دويتشه بنك» يكشف عن أهداف جديدة للإيرادات والأرباح لعام 2028

شعار «دويتشه بنك» يظهر في بروكسل (رويترز)
شعار «دويتشه بنك» يظهر في بروكسل (رويترز)
TT

«دويتشه بنك» يكشف عن أهداف جديدة للإيرادات والأرباح لعام 2028

شعار «دويتشه بنك» يظهر في بروكسل (رويترز)
شعار «دويتشه بنك» يظهر في بروكسل (رويترز)

كشف «دويتشه بنك»، يوم الاثنين، عن أهداف جديدة للإيرادات والأرباح للسنوات الثلاث المقبلة، في خطوة تهدف إلى طمأنة المستثمرين بأن تعافيه المستمر منذ سنوات يسير على الطريق الصحيح، وأنه قادر على المنافسة مع عمالقة «وول ستريت». وتمثّل هذه الأهداف لعام 2028 ثالث برنامج رئيسي تحت قيادة الرئيس التنفيذي كريستيان سوينغ الذي تولى إدارة البنك في وقت كان فيه متعثراً بعد سنوات من الخسائر.

وأعاد سوينغ البنك إلى الاستقرار وحقق أرباحاً ثابتة، رغم أن بعض المستثمرين ينتقدون اعتماده المفرط على بنك الاستثمار العالمي وضعف قسم التجزئة. وقال سوينغ للمستثمرين: «ننتقل من الدفاع إلى الهجوم». ومن بين أبرز عناصر الخطة الجديدة، يهدف البنك إلى تحقيق عائد على حقوق الملكية الملموسة يزيد على 13 في المائة بحلول عام 2028، ارتفاعاً من الهدف الحالي البالغ أكثر من 10 في المائة، بما يتماشى مع هدف «بي إن بي باريبا» لعام 2028، لكنه أقل من هدف «يو بي إس» البالغ 18 في المائة.

كما يسعى «دويتشه بنك» لزيادة الإيرادات إلى نحو 37 مليار يورو (42.91 مليار دولار) في 2028، ارتفاعاً من نحو 32 مليار يورو في 2025، وخفض نسبة التكلفة إلى الدخل إلى أقل من 60 في المائة بحلول 2028، بانخفاض عن هدفه الحالي البالغ أقل من 65 في المائة. وقال سوينغ: «رؤيتنا طويلة المدى هي أن نكون بطل أوروبا».

وكان البنك قد كشف عن خطته الأخيرة الممتدة لثلاث سنوات في 2022، بعد اندلاع حرب أوكرانيا بفترة وجيزة، وهي مرحلة اتسمت بعدم اليقين الشديد نتيجة أزمة الطاقة وارتفاع التضخم، لكنها شهدت أيضاً ارتفاع أسعار الفائدة التي دعمت أرباح البنوك. وتشير تقديرات المصرفيين والجهات التنظيمية إلى استمرار حالة عدم اليقين بسبب الحرب التجارية العالمية، ومخاطر الائتمان، ومستويات الديون المرتفعة، والذكاء الاصطناعي، وتباطؤ الاقتصاد المحلي.

وتُعد الخطة الأخيرة أقل شمولاً من الإصلاح الاستراتيجي الكبير الذي أطلقه سوينغ في 2019، والذي قلّص حجم البنك الاستثماري، وركز على عملاء الشركات، مع وعد بخفض 18 ألف وظيفة، لم يُنفذ بالكامل بسبب انتعاش الأعمال لاحقاً. وخطة 2022 الثانية تضمنت أهدافاً حتى نهاية العام، والبنك في طريقه لتحقيقها، رغم التخلي عن الهدف الأكثر طموحاً لنسبة التكلفة إلى الدخل، مع التركيز على الاستثمار في النمو بدلاً من تقليص النفقات.

وعلّق هانز بيتر بورغوف، خبير مصرفي في جامعة هوفنهايم الألمانية، قائلاً إن «دويتشه بنك» أصبح أكثر تنوعاً، وثقافته المصرفية أقل اعتماداً على بنك استثماري «على غرار المرتزقة»، لكنه أضاف أن البيئة المصرفية في ألمانيا لا تزال صعبة، مع تنظيم صارم ومنافسة أشد مقارنة بالعديد من الدول الأخرى.

وعلى الرغم من انتعاش البنك، ظل المستثمرون متوترين في بعض المناسبات، مثل عام 2023 حين هبطت أسهم البنك بنسبة 15 في المائة في يوم واحد بعد اضطرابات في البنوك الأميركية والسويسرية، ما دفع المستشار الألماني، آنذاك، أولاف شولتس، إلى التدخل موجهاً رسالة طمأنة: «لا داعي للقلق».