الليرة اللبنانية في أدنى مستوياتها والتضخم يتعدى 500 %

TT

الليرة اللبنانية في أدنى مستوياتها والتضخم يتعدى 500 %

حَمَل، الأسبوع الماضي، بامتياز عنوان «الدولار بعشرة آلاف ليرة»، متعدياً بمتابعته وثقله سائر عناوين المشكلات المستعصية من سياسية وصحية ومالية التي تتزاحم على موقع الصدارة في الشؤون اللبنانية المصابة بسخونة جماعية لافتة. وزاد في «الثقل النوعي» لهذا التطور تداعياته على أسواق الاستهلاك التي شهدت تجدداً لاضطرابات الأسعار صعوداً في ظل نزول الليرة اللبنانية إلى أدنى مستوياتها، بصحبة ارتفاع أسعار المحروقات تبعاً لارتفاع أسعار النفط العالمية، فيما بلغ التضخم مستويات تجاوزت 500 في المائة.
ورصد خبراء ومحللون، تواصلت معهم «الشرق الأوسط»، مؤشرات تتسم بالجدية تشي بتسريع تكوين موجة تضخمية جديدة وعالية يرجح أن تفضي إلى تقويض واسع النطاق للتوازن المعيشي الهش، والممسوك راهناً بحزمة الدعم لنحو 30 إلى 40 في المائة من متوسط فاتورة الاستهلاك الشهري للأسر، التي يواظب البنك المركزي، ولو بتشدد مستجد، على توفيرها عبر احتياطياته من العملات الصعبة.
وتوافق المحللون على الربط بين ثلاثة استحقاقات رئيسية منفصلة شكلياً ومتصلة ضمناً، تشكل معاً عوامل ضاغطة بقوة لتسريع تموضع البلاد على مسار انهيارات أوسع نطاقاً وأشد وطأة من الأوضاع السيئة أساساً والسائدة حالياً. وبذلك، يُخشى من عودة دخول البلاد في مرحلة أكثر اضطراباً من سابقاتها طوال فترة الأزمات المتفجرة على مدى تواصلي تعدى 16 شهراً، بحيث تتغذى من تفاقم التشنجات الداخلية بشأن ملفات مفصلية وتولد الأسباب المشروعة لتجدد التحركات الشعبية العارمة.
وفي التوصيف، يشير هؤلاء إلى واقع الضياع في مرجعية السلطة التنفيذية بين حكومة تصريف أعمال بأضيق الحدود لا يجد رئيسها حسان دياب مشروعية لاجتماعها، وبين حكومة عتيدة برئاسة سعد الحريري تعصى تعقيداتها على تيسير التأليف. وتبطن هذه الوضعية حساسية الاستحقاق الثاني الذي يحفل به ملف الاستمرار بتمويل السلع الاستراتيجية والأساسية، بعدما وصلت الاحتياطيات القابلة للاستخدام مستوى الجفاف التام قرب مليار دولار، توازياً مع تأخير إقرار خطة ترشيد الدعم التي عكفت لجان وزارية وإدارية على إنجازها قبل أسابيع، وفي مقدم توصياتها مباشرة التنفيذ مطلع مارس (آذار). وهو قرار تتردد الحكومة في اتخاذه وإشهاره بعدما فشلت في محاولة نقل الملف وتوصياته إلى مجلس النواب. أما الاستحقاق الثالث المرتبط تأثيراً في سوق النقد، فيعود إلى انتهاء مهلة زيادة رساميل الجهاز المصرفي بنهاية الشهر الحالي، وهو ما تسبب بضغوط إضافية على العملات في الأسواق الموازية. فحاجة بعض المصارف إلى السيولة بالدولار بهدف إعادة تعبئة حسابات لدى البنوك المراسلة بنسبة 3 في المائة من ودائعها طبقاً لتعليمات البنك المركزي، دفعتها إلى «الاستنجاد» بسيولة السوق لدى شركات الصيرفة والمدخرات المخبأة في المنازل. وذلك تم باعتماد خيارين؛ أولهما شراء العملة بالأسعار المعروضة عبر وسطاء، وأيضاً عبر استبدال «البنكنوت» بشيكات في الحساب، بما يماثل ثلاثة أضعاف المبلغ.
ووفق معلومات لـ«الشرق الأوسط»، فإن تكثيف حجم الطلب في «توقيت» تغييب المظلة الحكومية أو شللها بالحد الأدنى، يشكل مناخات نموذجية لتفعيل المضاربات المتربصة بالأسواق الموازية والمرتكزة إلى تسعير لا مرجعية محددة له يتم من تطبيقات هاتفية تنشط بمنأى عن الملاحقة الأمنية والقضائية، باعتبار أن تشغيلها يتم من خلال عناوين إلكترونية مموهة ومسجلة خارج البلاد. بينما ينحسر، في المقابل، إلى أضيق الحدود دور السلطة النقدية التي تفقد قوة تدخلها عقب استمرار الانحدار الحاد في إجمالي احتياطيات العملات الصعبة، حيث تُظهر أحدث البيانات المالية لدى مصرف لبنان نزف نحو 13.5 مليار دولار خلال سنة وهبوط المتبقي إلى دون 18 مليار دولار، بينها نحو 16 مليار دولار من الاحتياطيات الإلزامية للودائع المحبوسة في البنوك.
بالتوازي، أظهرت أحدث الإحصاءات الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي ارتفاع مؤشر تضخم الأسعار بنسبة ناهزت 146 في المائة، بحصيلة تتبع أبواب الاستهلاك خلال العام الماضي. ويأتي ذلك نتيجة تسجيل جميع مكونات المؤشر زيادات متباينة في حدتها، حيث سجل ارتفاع بند الفنادق والمطاعم بنسبة 609 في المائة (تثقيل 2.8 في المائة)، وارتفاع أسعار الألبسة والأحذية بنسبة 560 في المائة (تثقيل بنسبة 5.2 في المائة)، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 402 في المائة (تثقيل بنسبة 20 في المائة)، وزيادة في أسعار النقل بنسبة 206 في المائة (تثقيل بنسبة 13.1 في المائة)، وارتفاع في أسعار الأثاث والتجهيزات المنزلية والصيانة المنزلية بنسبة 655 في المائة (تثقيل بنسبة 3.8 في المائة).
وتعكس هذه المستويات الحادة من ارتفاع الأسعار المشهد المتوقع تمدده إلى حزمة السلع المدعومة، وفي مقدمتها أسعار المشتقات النفطية التي سبقت رفع الدعم أو تقليصه بتسجيل ارتفاعات أسبوعية متتالية تعدت نسبتها 30 في المائة بتأثير من ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية.



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».