مين أونغ هليانغ... «عسكري قوي» يمقت التعددية والروهينغا

قائد السلطة الانقلابية في ميانمار

مين أونغ هليانغ... «عسكري قوي» يمقت التعددية والروهينغا
TT

مين أونغ هليانغ... «عسكري قوي» يمقت التعددية والروهينغا

مين أونغ هليانغ... «عسكري قوي» يمقت التعددية والروهينغا

مر نحو شهر منذ دبر قائد عسكري رفيع في ميانمار، الجنرال مين أونغ هليانغ (64 سنة) ثالث انقلاب عسكري في تاريخ البلاد. وخلال الأيام الـ30 الماضية، احتشد عشرات الآلاف من المتظاهرين في العديد من المناسبات عبر أرجاء ميانمار للتعبير عن رفضهم للانقلاب، رغم التهديدات الخطيرة التي يواجهونها من جانب العصبة العسكرية الحاكمة التي أظهرت استعدادها لاستخدام القوة لسحق ما وصفته بـ«الفوضى». إضافة إلى ذلك، فإنه منذ ذلك الحين انطلقت حملة عصيان مدني تسببت في خنق الكثير من العمليات الحكومية، بجانب عمل مؤسسات تجارية وبنوك. وفي الأسبوع الماضي، أصدر المجلس العسكري أخطر إشاراته حتى الآن حول أن صبره أوشك على النفاد. وفي تلك الأثناء، طرد «فيسبوك» خدمة «الأخبار الصحيحة» التي أطلقها المجلس العسكري في ميانمار، من على منصته.

دعا الجنرال مين أونغ هليانغ، في كلمة متلفزة وجهها إلى الأمة، الجماهير بإعطاء الأولوية للحقائق، وليس المشاعر، وكرر ادعاءه بأن ثمة انحرافات شابت انتخابات «نوفمبر (تشرين الثاني)، دون أن يقدم دليلاً يدعم هذا الادعاء. وفي الوقت ذاته، ندد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بما وصفه بـ«القوة الوحشية» التي جرى استخدامها خلف انقلاب ميانمار، وحث المؤسسة العسكرية على الوقف الفوري لأعمال القمع وإطلاق سراح السجناء. وفي خطابه المعتاد أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ذكر غوتيريش دولة واحدة بالاسم: ميانمار.
هليانغ يشغل أعلى منصب في المؤسسة العسكرية في ميانمار، ومع لا يحظى بالشهرة الدولية التي تتمتع بها أونغ سان سو تشي، غريمته السياسية الحائزة جائزة نوبل للسلام - التي أسقط هليانغ حكومتها - يعي العالم أنه صاحب السيطرة الفعلية، وهو من قاد الحملة القاسية ضد أقلية الروهينغا المسلمة.

- البداية والنشأة
ولد مينغ أون هليانغ في أسرة غير عسكرية، ودرس القانون والتحق بأكاديمية ميانمار للخدمات الدفاعية عام 1974 في ثالث محاولة له. واستطاع أن يشق طريقه ويترقى عبر صفوف الجيش.
أمضى هليانغ جزءاً كبيراً من حياته العسكرية ضابطاً هادئاً يكره الأضواء، وواصل صعوده حتى استولى على السلطة المطلقة في البلاد يوم 1 فبراير (شباط)، أي قبل تقاعده الإجباري عند بلوغه سن الـ65 في الثالث من يوليو (تموز) بخمسة أشهر. وتبعاً لتقرير نشرته «ستريتس تايمز» الصادرة في سنغافورة، استفاد من رعاية القائد السابق للجيش التايلندي الجنرال بريم تينسولانوندا - الذي كان على معرفة بوالده - له، وقد ربطت الاثنين «علاقة بين أب روحي وابن روحي». ويقال إنه خلال زيارة إلى تايلند عام 2012، طلب هليانغ (58 سنة في حينه)، من الجنرال بريم، الذي يعد رمزاً للنخبة الملكية - العسكرية الحاكمة في تايلند، أن يتبناه ويتخذه ابناً له. ووافق الجنرال التايلندي البالغ 95 سنة، والذي لم ينجب، عن طيب خاطر على هذا الطلب.
من جهة ثانية، لم يحظ هليانغ طوال حياته المهنية العسكرية بالكثير من الأوسمة العسكرية، وأمضى الجزء الأكبر من مسيرته في الجيش في قتال المتمردين على الحدود الشرقية لميانمار في صراعات اشتهرت بوقوع انتهاكات بحق الأقليات العرقية خلالها.

- بدايات التألق
عام 2009، أشرف هليانغ على عمليات عسكرية على امتداد الحدود بين ميانمار والصين وذلك للتخلص من رجل قوي بالمنطقة يدعى بينغ جياشينغ. واستغرقت تلك العملية أسبوعاً واحداً فقط، لكنها تركت تأثيراً كبيراً، ذلك أنها شكلت خرقاً لوقف إطلاق نار استمر 20 سنة، ودفعت 30.000 لاجئ للفرار نحو الصين، وقضت على وجود جماعة عرقية مسلحة في منطقة حدودية من المنتظر أن تصبح طريقاً تجارية محورية.
كذلك أدى نجاحه هذا في إبهار الجنرال تهان شوي الذي تنحى وعيّن هليانغ مكانه لمنصب القائد الأعلى الجديد. عام 2011، وهكذا تولى مهمة إدارة شؤون المؤسسة العسكرية مع بدء المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية. وحسب دبلوماسيين في العاصمة يانغون، فإنه مع بداية الفترة الأولى في عهد سو تشي عام 2016، نجح هليانغ في التحول من جندي قليل الكلام إلى سياسي وشخصية عامة.
وأشار دبلوماسي هندي رفيع المستوى عمل في ميانمار خلال تلك الفترة، إلى أنه في عام 2016 أصبح هليانغ أول قائد للقوات المسلحة منذ عقود يشارك في احتفالات يوم الشهيد إلى جوار سو تشي. وجرى تفسير ظهوره على نطاق واسع باعتباره مؤشراً على تنامي العلاقات الودية بين المؤسسة العسكرية وسو تشي وحكومتها المدنية. وبعد الاحتفال، الذي يجري لإحياء ذكرى أبطال الاستقلال ومن بينهم والد سو تشي، بدل زيه العسكري وارتدى لباساً مدنياً بورمياً، وشارك في احتفالية بوذية في منزل سو تشي. واستمر تودد هليانغ إلى الشخصيات الدينية الرفيعة، مع توليه تمويل بناء أكبر تمثال من الرخام لبوذا في البلاد، لكن تظاهره بالتقوى لم يفلح في إخفاء ما يسعى خلفه قائد الجيش. وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، نجح هليانغ في حشد ملايين الأنصار، لكن حساباته في «فيسبوك» و«تويتر» أغلقت بعد اضطهاد الجيش لمسلمي الروهينغا. وعام 2016، أرجأ تقاعده لخمس سنوات.

- العلاقة مع سو تشي؟
في إطار المشهد السياسي المكيافيلي في ميانمار، يعتقد البعض أن العلاقة بين مين أونغ هليانغ وأونغ سان سو تشي لم تكن جيدة رغم تصويرها على عكس ذلك. وحقاً، شهدت العلاقات بين الاثنين توتراً شديداً لدى طرح تغييرات مقترحة على الدستور. وتوقفت الاجتماعات الدورية بين الاثنين منذ عام 2018.
وفي هذا الصدد، يقول الصحافي الهندي مانيش تشيبار، إن هليانغ لم يكن متعاوناً على الإطلاق مع الحكومة المدنية، وشعر بسخط إزاء شعبية سو تشي وتفاقمت التوترات بينهما عندما مني حزب «اتحاد التضامن والتنمية» المدعوم من الجيش، في الانتخابات العامة في نوفمبر، بهزيمة مذلة أمام حزب «الاتحاد الوطني من أجل الديمقراطية» بقيادة سو تشي. وثارت مزاعم بالتزوير والتلاعب في مواجهة الفوز الساحق لسو تشي، وظهرت مطالبات بإعادة فرز الأصوات.

- العقل المدبر للتطهير العرقي ضد الروهينغا
أما فيما يتعلق بالروهينغا، فإن هذا الشعب المسلم عانى منذ عقود من الاضطهاد في ظل جيش ميانمار. ومع ذلك، كان الجنرال هليانغ على وجه التحديد العقل المدبر وراء حملة الرعب ضد الروهينغا عام 2017، التي أجبرت أكثر عن ثلاثة أرباع ملايين منهم على الفرار من البلاد. ومع تعرّض قرى الروهينغا للحرق وابتهاج القوميين بطرد المسلمين الذين كان يجري النظر إليهم كدخلاء أجانب، صعدت شعبية قائد الجيش إلى عنان السماء مع أن العملية العسكرية التي نفذتها ميانمار - وفق محققين دوليين - تضمنت أعمال قتل واغتصاب جماعية وحرق ممتلكات على نطاق واسع وإعدامات بهدف الإبادة الجماعية.
ومن ثم، فرضت واشنطن عقوبات ضد هليانغ وثلاثة عسكريين آخرين عام 2019، وجرى تجميد الأصول المملوكة للقائد الميانماري داخل الولايات المتحدة وحضرت واشنطن الدخول في نشاطات تجاربه معه. وفي يوليو 2020، فرضت بريطانيا عقوبات مماثلة.

- المكانة الدولية
مع هذا، ورغم المعاملة الوحشية من جانب ميانمار للروهينغا عبر السنوات، لا يعد هليانغ من الشخصيات المنبوذة على الساحة العالمية. وكانت رحلاته للخارج قد بدأت ببكين، وأعقبها مشاركته في اجتماعات مع ممثلين عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ونيوزيلندا. كذلك، سبق أن شاركت قيادات من اليابان والهند في مآدب بصحبته وحاشيته، بينما رحب المسؤولون العسكريون الأستراليون به ونظموا له عرضاً لحرس الشرف في أبريل (نيسان) 2020. أضف إلى ذلك، أن لديه اتصالات دولية واسعة لدرجة أن الكثير من الدول مثل اليابان والصين والهند وتايلند ودول أخرى بالمنطقة لم توجه إليه انتقادات علانية بسبب الانقلاب العسكري الذي قاده.

- ما مدى قوته؟
ترأس القائد الأعلى للقوات المسلحة في ميانمار حتى فبراير ثلاث وزارات مهمة، هي الدفاع وشؤون الحدود والشؤون الداخلية. ومع أن الحكومة المدنية التي قادتها سو تشي امتلكت سلطة سن التشريعات، كان للقائد الأعلى للقوات المسلحة الكلمة الأخيرة بخصوص تنفيذ هذه التشريعات. وتخضع الشرطة وحرس الحدود ووزارة الإدارة العامة لسلطته المباشرة. والجدير بالذكر في هذا الصدد أن المؤسسة العسكرية البورمية تموّل نفسها بالاعتماد على شركتين قابضتين تتولى إدارتهما: «يونيون أوف ميانمار إيكونوميك هولدينغز» و«ميانمار إيكونوميك كوربوريشن». ولا تخضع حسابات الشركتين لرقابة عامة، بل تفرضان سيطرة احتكارية على العديد من القطاعات الجوهرية من الاقتصاد، مثل صناعة المشروبات والتبغ. ويعتبر هليانغ شريكاً رئيساً في «يونيون أوف ميانمار إيكونوميك هولدينغز».
أيضاً، لدى قائد القوات المسلحة سلطة تعيين 25 في المائة من أعضاء البرلمان؛ الأمر الذي يمنح المؤسسة العسكرية حق «الفيتو» في مواجهة أي تغييرات مقترحة على الدستور، الأمر الذي يتطلب موافقة 75 في المائة من أعضاء البرلمان. وللعلم، يحظر الدستور على سو تشي تولي منصب الرئيس لأن لديها أبناءً من زوجها الذي يحمل مواطنة أجنبية هو والأبناء. ومع هذا، يجري النظر إليها باعتبارها الحاكمة المدنية والتي يتعين عليها التشارك في السلطة مع المؤسسة العسكرية.

- الكسب غير المشروع والعقوبات
يبدو واضحاً أن أحد الأهداف الأخرى التي سعى قائد القوات المسلحة لإنجازها، حماية نفسه وأسرته وأعوانه العسكريين في مواجهة تحقيقات محتملة حول الصفقات المالية والممتلكات الضخمة التي تخصهم. وأكد عدد من النشطاء يطلقون على أنفسهم «حملة العدالة من أجل ميانمار» في بيان لهم أنه يجب النظر إلى مصالحه المالية كدافع وراء الانقلاب الذي نفذه. وتشير الأرقام إلى أنه خلال السنة المالية 2010 – 2011، امتلك هليانغ 5.000 سهم وحصل على أرباح سنوية بقيمة 250.000 دولار. وفي المقابل، يقال، يُتهم أفراد من أسرته بينهم ابنه وابنته وزوجة ابنه بالفساد. وبعد تسليط الأضواء على دوره في مذبحة الروهينغا عام 2012، تعرض هليانغ وأربعة جنرالات عسكريين آخرين وأقاربهم من الدرجة الأولى لقيود على السفر. واليوم، تشير تقارير في ميانمار إلى أن هذه القيود ربما أضرت بشكل خاص بابنة هليانغ التي استثمرت أموال ضخمة في صناعة الإنتاج السينمائي الناشئة في البلاد.
أخيراً، لو أن هليانغ تقاعد بدلاً من تدبير الانقلاب في الأول من فبراير، من المحتمل أنه كان سيخضع لتحقيقات مالية في ظل قيادة حكومة بقيادة سو تشي، الذي حقق فوزاً ساحقاً في انتخابات نوفمبر في مواجهة حزب يعمل بالوكالة عن المؤسسة العسكرية.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.