في مؤشر إلى اعتزام إدارة الرئيس جو بايدن رفع درجة الضغوط على النظام الإيراني، وزع دبلوماسيون أميركيون وثيقة تدعو مندوبي الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى {التنديد} بالنشاطات النووية التي تقوم بها إيران على رغم الجهود المكثفة المبذولة من أطراف الاتفاق النووي «مجموعة 5 + 1»؛ لإنقاذ ما تبقى من الاتفاق النووي لعام 2015. في حين اقترح مشرعون جمهوريون أميركيون مشروع قرار في الكونغرس يعارض رفع العقوبات عن طهران.
وتستبق الوثيقة المؤلفة من ثلاث صفحات اجتماعاً مرتقباً لمجلس محافظي الوكالة الدولية الأسبوع المقبل في فيينا لمناقشة أحدث تقاريرها عن أن إيران عززت إنتاج الوقود النووي، بينما أوقفت التحقيقات في وجود جزيئات اليورانيوم في مواقع غير معلنة سابقاً. وتؤكد الوثيقة «القلق الشديد حيال النتائج» التي توصلت إليها الوكالة، معبرة في الوقت ذاته عن «القلق العميق فيما يتعلق بتعاون إيران», حسب ما نقلت وكالة بلومبرغ.
وفي ظل رفع السلطات الإيرانية لمستويات تخصيب اليورانيوم إلى درجة 20 في المائة وإنتاج معدن اليورانيوم، تقترب إيران أكثر فأكثر من مواد لإنتاج الأسلحة. ويمكن لاجتماع الأسبوع المقبل أن يكون بمثابة اختبار رئيسي مبكر لنهج إدارة بايدن، الذي «أوضح أنه إذا عادت إيران إلى الامتثال الكامل لالتزامات خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، فإن الولايات المتحدة مستعدة للقيام بالشيء نفسه». وكانت الوكالة أوردت الثلاثاء، أن مخزون إيران من اليورانيوم جرى تخصيبه قريباً من مستويات الأسلحة النووية للمرة الأولى منذ ثماني سنوات. كما قالت إن التفسيرات الإيرانية بشأن آثار اليورانيوم التي اكتشفت منذ عقود في مواقع عدة غير كافية.
وجاء في الوثيقة الأميركية، أن «العالم يعرف منذ فترة طويلة أن إيران كانت تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية في الماضي»، مضيفة «وكذلك نعلم أن إيران احتفظت بمجموعة كبيرة من السجلات من برنامج أسلحتها النووية السابق». وشددت على أنه «يجب على إيران الآن أن تتعاون بشكل كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ لذلك قد يكون لدينا ضمانات بأن إرث إيران في الماضي في مجال الأسلحة النووية لا يشمل المواد النووية غير المعلنة في إيران اليوم».
ويمكن أن تكون هناك «عواقب وخيمة» لأي قرار بأن إيران تقدم معلومات غير كاملة؛ لأن الملف يمكن أن يحال بعد ذلك إلى مجلس الأمن لاتخاذ الموقف المناسب، علماً بأن دولاً مثل الصين وروسيا يمكن أن تعترض على ذلك.
وفي المرة الأخيرة التي حاولت فيها الولايات المتحدة معاقبة إيران خلال يونيو (حزيران) الماضي، رفضت الصين ذلك باعتباره «تنمراً» من عهد الرئيس السابق دونالد ترمب. وانضمت روسيا والهند وباكستان وجنوب أفريقيا إلى الصين في معارضة الإجراء أو الامتناع عن التصويت.
في موازاة ذلك، طرح مشرعون جمهوريون في الكونغرس مشروع قرار يعارض رفع العقوبات عن النظام الإيراني. ويدعو النص الذي قدمه السيناتور الجمهوري توم كوتون والنائب الجمهوري مايك غالاغر إدارة بايدن إلى عدم رفع أي عقوبات عن طهران إلا إذا تخلت عن طموحاتها النووية، وأوقفت دعمها للعنف والإرهاب في المنطقة.
وحذّر المشرعون الرئيس الأميركي جو بايدن من تكرار أخطاء الرئيس السابق باراك أوباما، فقالوا في بيان بعد طرح المشروع في المجلسين «إيران استغلت السياسات الضعيفة التي اعتمدتها إدارة أوباما. ويجب على الرئيس بايدن ألا يكرر الأخطاء نفسها».
يأتي هذا الطرح بعد تزايد الأصوات الداعية لعدم رفع العقوبات عن إيران في الكونغرس لاستعمالها ورقة ضغط للحصول على تنازلات من النظام الإيراني. كما يدعو بعض المشرعين بايدن إلى ربط برنامج الصواريخ الباليستية وأنشطة إيران المزعزعة في المنطقة بأي اتفاق نووي معها.
وفي المقابل، طرحت مجموعة من الديمقراطيين مشروع قانون يدعم اعتماد بايدن على الدبلوماسية مع إيران والعودة إلى الاتفاق النووي. واعتبر المشروع، أن عدم الالتزام ببنود الاتفاق كلها سيؤدي إلى امتلاك إيران لسلاح نووي. كما ينص المشروع على أنه وبعد أن تلتزم إيران بكل شروط الاتفاق القديم يجب التطرق إلى برنامج الصواريخ الباليستية ووضع قيود عليه إضافة إلى معالجة القيود الزمنية الموضوعة في الاتفاق القديم والمعروفة بـ«سانسيت».
في طهران، اتفق وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، مع قول الناطق باسم الخارجية الأميركية على أن طهران تبتعد كثيراً من الامتثال للقيود المفروضة عليها، لكنه ألقى باللوم على «السلوك» الأميركي و«الامتناع» الأوروبي عن التجارة مع طهران.
وحذر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، الأربعاء، من أن صبر الولايات المتحدة على إيران بشأن عودتها للمناقشات حول الاتفاق النووي «له حدود». وقبل ذلك؛ قال الثلاثاء إن طهران تبتعد كثيراً من الامتثال للقيود المفروضة عليها بموجب الاتفاق النووي.
وقال ظريف في تغريدة «تقرّ الولايات المتحدة بأنه فقط بعد انسحابها من الاتفاق النووي، اتخذت إيران خطوات بعيدة (من التزاماتها النووي)»، بينما «كانت إيران حتى ذلك الحين تلتزم بحدودها». وقال «هذا السلوك الأميركي، يعني أن السبب لم يتغير». وأضاف «الثلاثي الأوروبي أيضاً مذنبون لامتناعهم عن الأعمال التجارية طيلة 3 سنوات». وكتب على «توتير»، إن على الولايات المتحدة والثلاثي الأوروبي «إزالة السبب، وليس مطالبة إيران بإيقاف (المادة 36)».
ومضى أسبوع على عرض واشنطن إجراء محادثات مع طهران حول إحياء الاتفاق النووي، وخلاله فرضت إيران قيوداً على أعمال التفتيش التي تجريها الأمم المتحدة.
وفي المقابل، ردت الولايات المتحدة وحلفاؤها؛ بريطانيا وفرنسا وألمانيا، على ذلك بـ«هدوء مدروس». ونقلت «رويترز»، أمس، عن مسؤولين أميركيين وأوروبيين، أن «هذا الرد، أو غياب الرد الملموس، يعكس رغبة في عدم تعطيل المبادرة الدبلوماسية على أمل عودة إيران إلى طاولة التفاوض، أو استمرار فاعلية العقوبات الأميركية إذا لم يحدث ذلك».
وكانت طهران طالبت واشنطن مراراً بالمبادرة إلى تخفيف عقوباتها التي فرضتها بعد انسحاب الرئيس السابق دونالد ترمب من الاتفاق في 2018، وقالت إنها ستنهي بعد ذلك مخالفاتها للاتفاق التي بدأت بعد عام من انسحاب ترمب.
وقال مسؤول أميركي، مشترطاً عدم الكشف عن هويته «أياً كان مدى اعتقادهم أن على الولايات المتحدة أن ترفع العقوبات أولاً، فلن يحدث ذلك». وأضاف أنه إذا كانت طهران تريد من واشنطن استئناف الالتزام بالاتفاق «فأفضل سبيل لذلك؛ بل السبيل الوحيد، هو الجلوس إلى الطاولة، حيث يجري بحث هذه الأمور».
وقال دبلوماسيان أوروبيان إنهما لا يتوقعان أن يفرض الرباعي الغربي مزيداً من الضغوط على إيران في الوقت الحالي، رغم ما وصفاه بأنها «استفزازات» من جانبها. وقال أحد الدبلوماسيين، إن «السياسة الحالية هي الإدانة مع تحاشي أي شيء يمكن أن يغلق باب الدبلوماسية». وأضاف «علينا أن نخطو بحذر. وعلينا أن نترقب لرؤية ما إذا كانت الدول الأوروبية الثلاث يمكنها المناورة بين اندفاع إيران وتردد الولايات المتحدة، لمعرفة ما إذا كان أمامنا سبيل للتقدم». وكان الدبلوماسي يشير بعبارة «اندفاع إيران» إلى تسارع انتهاكاتها للاتفاق. وقال دبلوماسي أوروبي آخر لوكالة «رويترز»، إن الضغط الأميركي لا يزال قائماً؛ «لأن الرئيس جو بايدن لم يرفع العقوبات». وأضاف «إيران لديها إشارات إيجابية من الأميركيين. وعليها الآن انتهاز الفرصة».
وفي الأسبوع الأخير، أوقفت إيران العمل بالتفتيش المفاجئ للمواقع غير المعلنة التي يشتبه بأن فيها نشاطاً نووياً، في تقليص لتعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ودعا الاتحاد الأوروبي في بيان، أمس، إيران إلى التعاون الكامل مع الوكالة الدولية، معرباً عن قلقه البالغ من تقييد إيران قدرة الوكالة الدولة على مراقبة أنشطتها النووية، منوهاً أن التعاون «حيوي لمراقبة أنشطة إيران النووية»، وجدد مطالبة طهران بالتراجع عن انتهاكات التزاماتها النووية، محذراً من أن إجراءات إيران الأخيرة، تحول دون وصول الوكالة الدولية لمعلومات عن المنشآت الحيوية وتحرم المفتشين الدوليين من مراقبة عمليات التخصيب.
في الأثناء، قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، إن بلاده ترى أن الفرصة سانحة لإعادة إحياء الاتفاق، واقترح نهجاً متزامناً يتضمن خطوات «ملموسة» تقوم بها إدارة بايدن للمساعدة في كسر حالة الجمود القائمة بين واشنطن وطهران.
ونقلت وكالة «بلومبرغ» عن ريابكوف قوله، إن «هناك فرصة قائمة الآن، لم تكن موجودة منذ فترة طويلة»، وأشار إلى أنه من الممكن عقد محادثات بين إيران وما تسمى مجموعة «5+1» الشهر المقبل.
ورأى الدبلوماسي الروسي، أن الولايات المتحدة يمكن أن تظهر التزامها بإعادة الانضمام للاتفاق، بالبدء برفع التجميد عن أصول إيران وصادراتها من النفط، بينما تقوم إيران من جانبها بالعودة التدريجية للامتثال للاتفاق.
ورجحت «بلومبرغ» أن تواجه الجهود الروسية لتسوية الأمر تشككاً كبيراً من جانب واشنطن، بالنظر إلى علاقات موسكو الوثيقة بإيران والتوترات العميقة مع الولايات المتحدة وأوروبا.
بايدن يزيد الضغوط على إيران قبل اجتماع وكالة الطاقة الذرية
مشرّعون جمهوريون يرفضون رفع العقوبات قبل عودة طهران إلى الالتزامات النووية
بايدن يزيد الضغوط على إيران قبل اجتماع وكالة الطاقة الذرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة