حظر جماعة متطرفة في برلين ومداهمات تستهدف منازل أعضائها

جنود من القوات الخاصة الألمانية خلال تنفيذ مداهمات ضد منازل جماعة أصولية متطرفة في ولاية برلين أمس (إ.ب.أ)
جنود من القوات الخاصة الألمانية خلال تنفيذ مداهمات ضد منازل جماعة أصولية متطرفة في ولاية برلين أمس (إ.ب.أ)
TT

حظر جماعة متطرفة في برلين ومداهمات تستهدف منازل أعضائها

جنود من القوات الخاصة الألمانية خلال تنفيذ مداهمات ضد منازل جماعة أصولية متطرفة في ولاية برلين أمس (إ.ب.أ)
جنود من القوات الخاصة الألمانية خلال تنفيذ مداهمات ضد منازل جماعة أصولية متطرفة في ولاية برلين أمس (إ.ب.أ)

بعد يوم على إدانة «أبو ولاء»؛ المعروف بـ«رجل (داعش) الأول في ألمانيا»، بـ10 سنوات سجناً لانتمائه للتنظيم الإرهابي، حظرت ولاية برلين منظمة أصولية متطرفة، فيما نفذ أكثر من 800 شرطي وعناصر من القوات الخاصة مداهمات في العاصمة الألمانية، استهدفت 19 شخصاً نصفهم يحملون الجنسية الألمانية من عناصر جمعية «توحيد برلين». ويبدو أن المستهدفين في المداهمات كانوا على تواصل مع «أبو ولاء» ومؤيديه في ولاية ساكسونيا السفلى ومدينة براندنبيرغ المجاورة، حيث كان يقيم قبل اعتقاله ومحاكمته. وشملت المداهمات 26 موقعاً؛ معظمها منازل للمنتمين للجمعية التي كان عناصرها يرتادون الدوائر المتطرفة نفسها التي ارتادها أنيس العامري؛ اللاجئ التونسي الذي نفذ عملية إرهابية في برلين خلال ديسمبر (كانون الأول) 2016 عندما دهس مشاة في سوق لهدايا أعياد الميلاد وقتل 12 شخصا. وبررت وزارة الداخلية في ولاية برلين الحظر بأن الجمعية التي لا مقر رسمياً لها، تروج لآيديولوجية تنظيم «داعش» وللعمليات الإرهابية ضد المدنيين، وترفض أيضاً مبادئ الديمقراطية وحكم القانون.
ومن أبرز الأعضاء المنتمين للجمعية «صوفيان.أ» الذي كان أيضاً يعرف العامري. وأدين صوفيان بالتواصل مع «داعش»، ومحاولة السفر إلى سوريا للقتال إلى جانب التنظيم الإرهابي. ولم يكن هناك مكان محدد للجمعية، ولا مسجد معين يرتاده المنتمون لها، وكان يلتقون عادة في شقق خاصة ويتواصلون على منصات التواصل الاجتماعي.
وتحاول وزارة الداخلية في برلين منذ عام 2016 حظر «جماعة برلين»، ولكنها لم تكن قد جمعت أدلة كافية تمكنها من ذلك قانوناً. وتعتقد المخابرات الداخلية أن هذه الجمعية حلت مكان «مسجد فوسيلات» الذي كان يرتاده العامري وجرى إغلاقه بعد الاعتداء الإرهابي عام 2016. وينتمي للجمعية المحظورة عدد من الذين كانوا يرتادون «مسجد فوسيلات»؛ منهم من يعرف بـ«جراح.ب» الذي اعتقل في السابق بتهمة التحضير لاعتداء على حدث رياضي في برلين ولكن أطلق سراحه لاحقاً. ويعتقد أن «أبو عمر» هو من يتزعم هذه الجمعية.
وقال وزير داخلية ولاية برلين، أندرياس غيزل، إن حظر الجمعية «إشارة واضحة لكل المتطرفين»، وأضاف: «نحن دائماً نقف في مواجهة أصول الإرهاب. لا نتسامح مع من يروج ويمجد لإرهاب (داعش)». وشدد غيزل على أن «إرهاب المتطرفين ما زال مرتفعاً».
فيما عدّ رئيس شرطة برلين، نوربرت كيوما، أن المداهمات التي استهدفت أعضاء الجمعية، «تظهر أن برلين ما زالت محط تركيز الإرهاب الدولي، ولهذا من المهم اقتلاع التطرف من جذوره». وأضاف أنه «يجب الأخذ على محمل الجد محادثات المتطرفين على وسائل التواصل الاجتماعي ومحاولاتهم لبناء شبكات بعيدة عن أعين السلطات الأمنية».
وجاءت هذه المداهمات بعد يوم على إدانة اللاجئ العراقي أحمد عبد العزيز عبد الله؛ المعروف بـ«أبو ولاء» بالانتماء لتنظم إرهابي والترويج له في ألمانيا، بعد 3 أعوام ونصف العام من المحاكمة. وقضت محكمة مدينة تسيله بالسجن 10 سنوات ونصف السنة على الرجل البالغ من العمر 37 عاماً والذي وصل إلى ألمانيا لاجئاً عام 2001. وكان «أبو ولاء» على تواصل مع أنيس العامري، ويعتقد أنه كان سبباً رئيسياً في تطرف اللاجئ التونسي وتنفيذه عملية الدهس التي استهدفت مدنيين.
واتهم «أبو ولاء» بمحاولة تجنيد شباب في ألمانيا من أصول مهاجرة ولاجئة لصالح تنظيم «داعش» وإرسالهم للقتال في سوريا والعراق. وغادر 8 شبان على الأقل للقتال إلى جانب التنظيم الإرهابي بعد أن تواصلوا مع «أبو ولاء». وأوقعت السلطات الألمانية بـ«أبو ولاء» بعد أن دسّت عميلاً لها تمكن من جمع أدلة واسعة عن نشاطات «أبو ولاء»، واستند الادعاء إليها لبناء قضيته ضده. وقال الادعاء خلال المحاكمة إن المتهم كان «ممثل» تنظيم «داعش» في ألمانيا، وإنه كان يقيم «علاقات مباشرة» مع قادة التنظيم الإرهابي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟