محكمة ألمانية تصدر «حكماً تاريخياً» ضد النظام السوري

إدانة عنصر مخابرات بـ«جرائم ضد الإنسانية»

إياد غريب يغطي وجهه في قاعة محكمة كوبلنز في ألمانيا (رويترز)
إياد غريب يغطي وجهه في قاعة محكمة كوبلنز في ألمانيا (رويترز)
TT

محكمة ألمانية تصدر «حكماً تاريخياً» ضد النظام السوري

إياد غريب يغطي وجهه في قاعة محكمة كوبلنز في ألمانيا (رويترز)
إياد غريب يغطي وجهه في قاعة محكمة كوبلنز في ألمانيا (رويترز)

أعطى الحكم الذي أصدرته محكمة كوبلنز العليا بحق الرقيب السوري المنشق إياد الغريب، أملاً للناشطين السوريين والمحامين بأن العالم قد يكون مستعداً لمحاسبة الأذرع الأمنية للنظام السوري.
وقد أصدرت محكمة كوبلنز العليا حكماً بالسجن على الغريب لأربعة أعوام وستة أشهر، قضى منها عاماً و7 أشهر منذ اعتقاله قيد التحقيق. وكان المدعي العام قد طلب إنزال عقوبة سجن بـ5 أعوام ونصف العام على الغريب المتهم بالتعاون على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بعد القبض على 30 متظاهراً في دوما عام 2011 وتسليمهم لفرع الخطيب في دمشق، حيث تعرضوا للتعذيب.
واعتبر المدعي العام الألماني ياسبر كلينغه، أن الحكم أرسل رسالة للنظام السوري بأن «كل من يرتكب جرائم ضد الإنسانية ستتم محاسبته”، وأضاف أن «محكمة كوبلنز هي المحكمة الأولى والوحيدة في العالم التي أثبتت أن النظام السوري ارتكب جرائم ضد الإنسانية ضد شعبه المدني حتى قبل عام 2011، وهذه إشارة للمجرمين في سوريا وفي أي مكان آخر، أن كل من يعتقد بأنه سيرتكب جرائم ضد الإنسانية لن يفلت من يد القانون».
وأشار المدعي العام في تصريحات خاصة بـ«الشرق الأوسط» إلى أنه اكتفى بطلب 5 سنوات ونصف السنة عقوبة للغريب؛ لأنه تمكن من إثبات مسؤوليته عن اعتقال 30 شخصاً في دوما، والعقوبة القصوى لهذه الجريمة تصل لـ5 سنوات ونصف السنة.
وكانت المحكمة قد فصلت قضية الغريب عن قضية الضابط السوري أنور رسلان، المتهم الرئيسي والذي يواجه اتهامات بتعذيب قرابة 4 آلاف سجين وقتل 58 منهم تحت التعذيب. وما زالت قضية رسلان مستمرة وكانت قد بدأت كقضية مشتركة مع الغريب في فبراير (شباط) عام 2019.
ووصف محامي الادعاء باتريك كروكر الحكم بأنه «يفتح نافذة أمل»، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن تفاصيل الحكم تشكل سابقة لأنها اعتمدت على «حيثيات عامة في سوريا يمكن اعتمادها في قضايا أخرى»، مضيفاً أن القاضية «سردت للواقع الأمني في سوريا والاعتداء الممنهج على السوريين من خلال قمع المجتمع المدني عبر التعذيب ووسائل أخرى».
وكانت القاضية قد سردت تفاصيل تتعلق بصعود حزب البعث إلى السلطة والأسلوب الذي تنتهجه المخابرات السورية لقمع الشعب، وحتى أنها قالت في تلاوتها قرار الحكم، إن الاستخبارات السورية كان هدفها «سحق المعارضة». وبعد المقدمة العامة الطويلة انتقلت للحديث عن الوقائع التي أثبتها الادعاء حول دور الغريب في اعتقال 30 متظاهراً وتسليمهم لفرع الخطيب في دمشق، حيث تعرضوا للتعذيب.
وكان الغريب قد اعترف بدوره في اعتقال المتظاهرين وتسليمهم لفرع الخطيب، أثناء استجوابه كشاهد في قضية رسلان. وتحدث حينها عن سماعه أصوات صراخ المعتقلين في السجن. وتحدث كذلك عن حادث في دوما حين أعطي الجنود أوامر بفتح النار على المتظاهرين، وقال إنه لم يكن بإمكانه رفض الأوامر؛ لأنه قد يتم قتله، وعوضاً عن ذلك وقف في الخلف ولم يفتح بندقيته.
وبرر الغريب بقاءه مع قوات الأسد لأشهر بأنه لم يتمكن من الانشقاق قبل تأمين عائلته خوفاً من أن ينتقم النظام منها، وعندما نجح بذلك انشق وغادر سوريا قبل أن يأتي إلى ألمانيا طالباً للجوء. وقدم الغريب اعترافات تدين رسلان، عندما استمع إليه المحققون باعتباره شاهداً. ولكن شهادته استخدمت لاحقاً ضده واستخدمها المدعي العام لاتهامه بالتواطؤ لارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ورفض الغريب طوال فترة محاكمة الإدلاء بشهادته.
ورغم أن الحكم لم يحمل سنوات طويلة في السجن، فإنه أعطى المدعي أملا كبيراً بأن آخرين ستتم محاسبتهم كذلك.
وقال وسيم المقداد، أحد الشهود في القضية والذي قضى فترة في الاعتقال في سوريا قبل لجوئه إلى ألمانيا، إن الحكم «خطوة أولى على طريق طويلة باتجاه العدالة، لن ينتهي إلا بمثول بشار الأسد ومعاونيه أمام المحاكم». وأضاف بأن الحكم مهم بالنسبة إليه على صعيد شخصي ولكن أيضاً على صعيد جماعي؛ لأنه ما زال هناك «ضحايا يتعرضون للتعذيب في السجون السورية ويعيشون ظروفاً مهينة نحاول أن نعيد حقوقهم كذلك».
ووصفت الصحافية السورية لونا وطفة التي تعيش في كوبلنز وتابعت كل جلسات المحاكمات الـ58 التي عقدت حتى الآن، بأن الحكم يحمل «قيمة معنوية؛ لأن من خلال تعليله كانت هناك إدانة واضحة لكل ما يُرتكب في سوريا». وأضافت وطفة لـ«الشرق الأوسط»، «القاضية قالت إن الجرائم التي تُرتكب في الأفرع الأمنية في سوريا هي جرائم ضد الإنسانية، وهذا يعطي إشارة كبيرة وواضحة لطريقة فهم القضاة الألمان لما يجري في سوريا رغم أنهم لم يكونوا في سوريا ويروا ما يحدث». وتابعت وطفة بأن القضاة رغم أنهم «لم يتمكنوا من معاينة مكان الجريمة وأدوات الجريمة، ومع ذلك كان لديهم فهم واضح وكبير على ما يحدث داخل الافرع الأمنية اعتماداً على تقارير كثيرة أممية عالمية تمت تلاوتها في المحكمة وأيضاً آراء خبراء ألمان وسوريين تحدثوا كشهود أمام المحكمة».
وفي حين تستمر محاكمة رسلان تبدأ في يونيو (حزيران) المقبل محاكمة طبيب يدعى علاء موسى كان اعتقل في ألمانيا العام الماضي، ويتهم أيضاً بارتكابه جرائم ضد الإنسانية في سوريا عندما كان يعمل طبيباً في مستشفى عسكري تابع للنظام السوري. ودخل موسى ألمانيا لاجئاً، وكان قد حصل على وظيفة كطبيب في مستشفى بالقرب من مدينة فرانكفورت عندما اعتقل ووجهت إليه التهم بتعذيب معتقلين وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».