الفلسطينيون يريدون الوصول إلى تجارة حرة مع إسرائيل

تكثيف الضغوط من أجل تعديل اتفاق باريس الاقتصادي

متسوقون في سوق القدس القديمة أمس (أ.ب)
متسوقون في سوق القدس القديمة أمس (أ.ب)
TT

الفلسطينيون يريدون الوصول إلى تجارة حرة مع إسرائيل

متسوقون في سوق القدس القديمة أمس (أ.ب)
متسوقون في سوق القدس القديمة أمس (أ.ب)

يأمل الفلسطينيون، الذين يناضلون منذ سنوات طويلة من أجل تعديل اتفاق باريس الاقتصادي المضر بالمصالح الاقتصادية الفلسطينية، في أن تنجح الدول المانحة في إقناع إسرائيل بفتح هذا الملف، للوصول إلى تجارة حرة مع إسرائيل.
وطرح مسؤولو السلطة، الأمر مجدداً، أمام اجتماع المانحين، الذي عقد في وقت متأخر الثلاثاء، لكن ليس هذا آخر المطاف. وقال مصدر مطلع، لـ«الشرق الأوسط»، إن السلطة طلبت وستطلب من دول كبيرة، بما فيها الولايات المتحدة وفرنسا، التدخل لإعادة فتح هذا الملف.
ويدور الحديث عن اتفاق باريس، الذي هو أحد ملاحق اتفاقية (غزة - أريحا)، ووقع في العام 1995. وينص على أن تجمع إسرائيل الضرائب والرسوم الجمركية المستحقة للسلطة الفلسطينية، ثم تحولها إلى السلطة، إضافة إلى أنه يحدد غلافاً جمركياً وكوتة للسلع المسموح باستيرادها من الخارج، إلى جانب أمور أخرى.
وحاول الفلسطينيون، خلال السنوات الماضية، تعديل الاتفاق المضر بالمصالح الاقتصادية الفلسطينية؛ باعتبار أن إسرائيل تتصرف في الأموال التي تجمعها بالشكل الذي تريد، وأن الكوتة المتعلقة بالاستيراد مجحفة وأصبحت غير كافية بعد 26 عاماً.
وأكد مسؤولون وخبراء، تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن الكوتة محددة بشكل جزافي، ولا تعكس واقع السوق في فلسطين، وأن التعديل الذي يريده الفلسطينيون يشمل إنشاء منطقة جمارك فلسطينية حرة، لتوفير مزيد من الجهد والوقت والتكلفة والغرامات في الميناء الإسرائيلي، ونقل البترول عبر خطوط مباشرة وليس عبر السيارات، والاستيراد من دول لا تقيم معها إسرائيل علاقات، وتسهيل التجارة عبر المعابر وتبسيط المعاملات، وإلغاء الغلاف الجمركي الموحد.
وتأمل السلطة من فتح الملف في أن يعطيها كل ذلك أو جزءاً منه، بما يسمح بالتخلص من التبعية الاقتصادية لإسرائيل. وطالب وزير المالية شكري بشارة، خلال الاجتماع الافتراضي للجنة ارتباط تنسيق المساعدات الدولية للفلسطينيين، الدول المانحة (AHLC) بعقد مؤتمر دولي لتعديل هذا الاتفاق، لافتاً إلى مرور 26 عاماً منذ تطبيق بروتوكول باريس، وأنه «حان الوقت لإصلاح أساليب عمله وبنوده». وأردف أنها «مسألة بقائنا اقتصادياً». وأضاف أن «البروتوكول يضيف مزيداً من القيود على أذرع الاقتصاد المحلي (الفلسطيني)، وتستغل إسرائيل بنوده لتحقيق مصالحها».
وتترأس النرويج لجنة تنسيق المساعدات التي تضم دولاً عربية وأوروبية، إضافة للبنك وصندوق النقد الدوليين، والولايات المتحدة التي شاركت في الاجتماع لأول مرة منذ أن قاطعتها وأوقفت المساعدات للشعب الفلسطيني في عام 2018. ودعا بشارة المانحين إلى «إعادة الزخم للمساعدات المالية الدولية للموازنة بمتوسط 800 مليون إلى مليار دولار سنوياً، كما كانت عام 2013». ولفت إلى أن حجم المساعدات الدولية للموازنة الفلسطينية في العام 2020 لم يتجاوز 350 مليون دولار.
وقال إنه خلال 2020 انكمش الاقتصاد بنسبة 11 في المائة، وتراجعت المنح المالية بنسبة 33 في المائة عن العام 2019، وتراجع جميع إيراداتها بنسبة 20 في المائة نتيجة التحديات التي فرضتها جائحة كورونا.
وبلغ عجز الميزانية الفلسطينية 9.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، بينما بلغ الدين العام المحلي 15 في المائة، ارتفاعاً من 13 في المائة في 2019، وأرسل بشارة للمانحين إشارات إيجابية، تتمثل في تنفيذ إصلاحات هيكلية وإعلان استراتيجية الضرائب للسنوات 2021 – 2025، والتي تعتمد على البسط الأفقي للضرائب والحد من ظاهرة التهرب الضريبي، وموازنة العام 2021 تعتمد على توجهات الحكومة للتعايش مع جائحة كورونا ودعم التعافي الاقتصادي، والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، بما يضمن تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين ودعم صمودهم ودعم برامج التنمية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.