تانيا صالح: «مطلقة منذ أكثر من 10 سنوات» هدية للمرأة الخمسينية

قالت لـ«الشرق الأوسط» إنها ترغب ألا يفقد اللبناني الأمل ببلده

تانيا صالح: «مطلقة منذ أكثر من 10 سنوات» هدية للمرأة الخمسينية
TT

تانيا صالح: «مطلقة منذ أكثر من 10 سنوات» هدية للمرأة الخمسينية

تانيا صالح: «مطلقة منذ أكثر من 10 سنوات» هدية للمرأة الخمسينية

تُطلق المغنية اللبنانية تانيا صالح في ألبومها الجديد «مطلقة منذ أكثر من 10 سنوات»، العنان لأفكارها محتفلة بالمرأة الخمسينية التي تمثلها، وتترجم المشاعر التي يمكن أن تجتاحها عبر تجارب متراكمة. وتقدم من خلاله 10 أغنيات من كتابتها وألحانها.
عندما تستمع إلى «ما عم فكر إلا فيك» و«بكره» و«قرنة بقلبك» و«انت رايح فين»، وغيرها من ألبومها الجديد، تحضر أمامك مباشرة مشهدية تلقائية يرسمها كل مستمع بخياله، حسب نسبة نهمه لذكريات تجتاحه.
وتقول تانيا صالح في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أقدم من خلال هذا الألبوم عملاً حقيقياً يعبر عني كامرأة لبنانية في منتصف عمرها. أردت من خلاله ذكر الأشياء كما هي على طبيعتها من دون تنميق أو عملية تجميل. ورغبت أيضاً أن لا يفقد اللبناني الأمل ببلده ولغته وموسيقاه. أنا مؤمنة أن الأخطاء التي نعاني من ذيولها لعبنا دوراً كبيراً في اقترافها ونشرها. مشاكلنا ليست كلها مسؤولية زعمائنا ومسؤولينا كما يخيل إلينا. لذلك علينا مواجهة التحديات بواقعية وإيجابية بعيداً عن القهر. والموسيقى هي أفضل وسيلة لذلك».
تجمع صالح بين ريشة قلمها ونوتات ألحانها، أما التوزيع الموسيقي فهو لإدوار توريكيان. ويأتي هذا العمل الثالث من نوعه الذي تتعاون فيه صالح مع الشركة النرويجية المنتجة «K K V». ويعد الألبوم من نوع الموسيقى العربية المعاصرة المستقلة، يجمع بأسلوبه لألحان وإيقاعات متوسطية موزعة بآلات عربية تقليدية ورباعية وترية كلاسيكية. ويغلف الغناء بمشهد صوتي إلكتروني بين الروك البديل وموسيقى التريب هوب. ونُفذ العمل بين مصر وأوسلو ولبنان ووقع عملية الميكساج مارتن أبراهمسن.
لم تأت موضوعات ألبوم تانيا صالح من العدم. فهي تنقل فيه تجربتها الشخصية وكذلك تجربة والدتها التي انفصلت عن زوجها والد تانيا عندما كانت في السادسة من عمرها. وتعلق في سياق حديثها: «لقد اضطرت والدتي للتخلي عن جميع حقوقها الاجتماعية والمادية كي يوافق والدي على تركي وأخواتي معها. ولو وجد قانون مدني يحمينا نحن النساء، لما كانت تعرضت لكل هذه المعاناة، وتحولت إلى امرأة مكسورة. أنا أيضاً تزوجت وانفصلت عن زوجي. تداركت تلك المعاناة لأني اخترت الزواج المدني يومها لأرتبط. وما أنقله من تجارب في هذا الموضوع ضمن ألبومي، تصح على نساء كثيرات من محيطي لجأن للطلاق، فعانين الأمرين للحصول على حضانة أولادهن، وبعضهن قتلهن الزوج لأنه لم يتقبل فكرة الانفصال».
بدأت صالح التحضير لألبومها الجديد منذ نحو 3 سنوات، وتوضح: «لقد حكت خيوطه بتأنٍ، وطرزته بجهد وتعب، وحرصت على انتقاء نوتاته وكلماته، تماماً كما رسمتها في خيالي. وأسهم زمن الحجر المنزلي مؤخراً في إعطائي الوقت الكافي لأقوم بمهمتي على أكمل وجه».
وضمن أغنيات تتحدث فيها عن وحدتها (ما عم فكر إلا فيك) وأخرى (بكره) عن انطباعاتها حول الحياة والرجل بالنسبة لها كامرأة خمسينية، لم تنس صالح تلوين موضوعاتها بأفكارها الشخصية التي تمارسها في حياتها اليومية كما في «بصارة وبراجة». وكذلك تعيدنا الأغنيات إلى لبنان الذي كان يتغنى به أهلنا ولم يتسن لنا معرفته عن قرب لانشغالنا بموجات الغرب. فندخل معها في أغنية «مغارة» عالم الشباب والطفولة والقرية اللبنانية الأصيلة. ونتمشى بين مشهدية التبولة وخبز التنور والأرجوحة و«عريشة العنب» ولسعة الدبور. وتقول: «ليس صحيحاً أن لبنان غير صالح للعيش، وأن علينا أن نهاجر كي نستطيع الاستمرار في حياتنا. ولذلك أردت لفت انتباه اللبناني إلى حقيقة وطنه وجماله. فالحل ليس بهروبنا من لبنان بل التمتع بالنواحي الجميلة فيه، فهو ما سيفيدنا ويغذي قلوب أولادنا». وتتابع: «العشر سنوات التي عشتها كامرأة مطلقة، كان يلزمها المباشرة في ترجمتها ونقلها للآخر. وهي أسهمت في نضجي كامرأة، فلم يكن من الضروري أن أرويها ضمن طابع درامي أبداً لأن المستمع لا تنقصه الهموم. فأردت أن يستمتع بما يسمع، يرقص ويبتسم حيناً، ويدندن ويفكر بمعاني الكلمات حيناً آخر. يغوص في ذاته وذكرياته، فأخرجه من عالمه القاتم بدل أن أحصره فيه».
وعن أغنية «بكره» ذات الإيقاع الموسيقي السريع تقول: «في مرحلة معينة من عمرنا نشعر بأن طاقتنا نفدت. وفي هذه الأغنية (بكره) قلت الأشياء كما هي. فكانت بمثابة فشة خلق لأعرج على موضوعات نافرة ترافقنا في يومياتنا ولا نعيرها الاهتمام اللازم. فكان الأجدى بنا أن نعمل ما يفيد بلادنا بدل أن نضيع بين حضارات غيرنا ونتعلق بها. فمجتمعات سطحية غير مرتبطة بجذورها لا توصل إنسانها إلى أي مكان».
وفي أغنية «حالتنا حالة»، تتناول تانيا صالح واقع اللبناني اليوم وتختصره بعبارة «رحنا لنشم الهوا تاري هوانا صار شموا غالي». فتشير فيها إلى تدهور أسلوب حياة رغيدة اعتادها اللبناني على مر سنوات طويلة، ليحرم منها إثر أزمة اقتصادية حادة يعاني منها. وتنقلنا في أغانٍ مثل «دين أما» و«المروحة» و«أحلى قصة غرام» علاقات ثنائية مليئة بالتناقضات.
يخرج ألبوم تانيا صالح «مطلقة منذ أكثر من 10 سنوات» إلى النور في 26 من الشهر الحالي بعد أن تنتهي عملية طبعه وتوضيبه من قبل الشركة النرويجية المنتجة. وتختم: «على كل منا أن يصبو إلى الأفضل ويعمل بجهد من أجل تحقيقه. وأنا شخصياً لا أعرف كيفية تحقيق ذلك سوى من خلال الموسيقى والرسم. وعبرهما أحاول التعبير عن اللبنانيين وعن المشاعر الإنسانية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».