توتر في طرابلس وسط جدل حول «محاولة اغتيال» باشاغا

تعزيزات أمنية مكثفة في طرابلس (أ.ف.ب)
تعزيزات أمنية مكثفة في طرابلس (أ.ف.ب)
TT

توتر في طرابلس وسط جدل حول «محاولة اغتيال» باشاغا

تعزيزات أمنية مكثفة في طرابلس (أ.ف.ب)
تعزيزات أمنية مكثفة في طرابلس (أ.ف.ب)

فيما استمر انقسام أعضاء مجلس النواب الليبي حول مقر انعقاد جلسته المرتقبة لمنح الثقة للحكومة الجديدة، برئاسة عبد الحميد دبيبة، تصاعدت حدة التوتر الأمني والعسكري في العاصمة طرابلس، بعدما فندت أجهزة أمنية موالية لحكومة الوفاق، التي يرأسها فائز السراج، «رواية وزير داخليتها فتحي باشاغا عن تعرضه لمحاولة اغتيال فاشلة».
وعقد قادة ميليشيات مسلحة موالية لباشاغا من مدينتي مصراتة والزنتان اجتماعاً، مساء أول من أمس، لتنسيق العمل من أجل الرد على ميليشيات أخرى من مدينة الزاوية، دخلت بشكل مفاجئ إلى وسط العاصمة بعد ساعات فقط من الإعلان عن مقتل أحد عناصرها على أيدي حراس باشاغا في المحاولة المزعومة. وسيطرت مجموعة مسلحة على ميدان الشهداء وسط طرابلس، مساء أول من أمس لوقت محدود، وأطلقت النار في الهواء، قبل أن تنسحب وتحل محلها عربات مسلحة تتبع منطقة طرابلس العسكرية.
واعتبر صلاح النمروش، وزير الدفاع بحكومة الوفاق، أن «أمن العاصمة طرابلس وأمن ليبيا بالكامل خط أحمر، ولا يمكن المساس به»، مؤكداً أنه «لا أحد فوق القانون»، وأنه «اتخذ إجراءات لتأمين العاصمة، عبر تكليف قوة من منطقة طرابلس العسكرية لفرض الأمن، ومنع أي تجاوزات، والاتفاق مع وزير العدل على تكليف رئيس نيابة شمال طرابلس للتحقيق في الواقعة». ولم تصمد رواية باشاغا والمقربين منه عن تعرض موكبه لإطلاق الرصاص من ثلاثة مهاجمين، ينحدرون من مدينة الزاوية (50 كيلومتراً غرب طرابلس)، بعد زيارته المؤسسة الوطنية للنفط ومقر قوة إنفاذ القانون التابعة للوزارة. وشككت عدة مصادر في ادعاء باشاغا، إذ قال جهاز دعم الاستقرار، الذي دشنه السراج مؤخراً، إن موظفيه «تعرضوا لحادثة إطلاق نار بالطريق الساحلية جنزور، تزامناً مع مرور رتل تابع لوزير الداخلية؛ وفوراً تمت الرماية من حراس الوزير على سيارة (الجهاز) دون وجه حق، ما أدى إلى مقتل أحد منتسبي الجهاز، وإصابة أحد رفاقه».
وطالب الناشط محمد الهنقاري، ابن عم الضحية، الوزير باشاغا بسحب روايته عن «الاغتيال المزعوم»، واتهمه بمحاولة استغلال القضية للترويج لرأي عام دولي موالٍ له. وقال إن «بيان باشاغا وروايته يخلوان من المنطق والعقل».
لكن باشاغا قال أمس لوكالة «رويترز» إنه نجا مما وصفها بـ«محاولة اغتيال مخطط لها جيداً»، وإنه «لم يكن حادثاً وقع بالصدفة»، مشيراً إلى أن حراسه طاردوا السيارة التي انقلبت، واعتقلوا شخصين أحدهما مطلوب لدى الشرطة.
وهنأ بيان مشترك لرئاسة المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية باشاغا على سلامته، ودعا الجهات القضائية والضبطية إلى فتح تحقيق نزيه وشفاف في ملابسات الحادثة، وملاحقة مرتكبيها، والتأكيد على عدم إفلات كل المتورطين من العقاب.
وفيما اعتبر حزب «العدالة والبناء»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان»، أن «المحاولة الإجرامية الفاشلة لاغتيال باشاغا تستهدف زعزعة الأمن ونشر الفوضى». أعرب يان كوبيش، رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، عن قلقه البالغ إزاء ما وصفه بـ«الحادث الخطير الذي استهدف باشاغا»، وقال إن «هذه الأعمال المتهورة تشكل تهديداً للاستقرار والأمن، وتهدف إلى عرقلة العملية السياسية، وغيرها من الجهود لدعم ليبيا وشعبها»، داعياً إلى تحقيق كامل وسريع وشفاف في الحادث.
في سياق ذلك، سارعت سفارتا أميركا وفرنسا إلى إدانة الحادث. بينما طالب سفير الاتحاد الأوروبي جوزيه ساباديل بـ«إجراء تحقيق شامل». إلى ذلك، نفى رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد دبيبة، أن يكون اجتماعه الأخير مع المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، في مدينة طبرق، قد تطرق لأي محادثات أخرى أو مطالب شخصية، مؤكداً أن «الاجتماع اقتصر فقط على مباحثات حول آليات منح الثقة للحكومة». وأعلن عبد الله بليحق، المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب، عن بدء التجهيزات لعقد جلسة في مدينة سرت، وفقاً لما أقره المجلس مؤخراً بتوجيهات من رئيسه، مبرزاً أن اللجنة المشكلة من رئيس ديوان المجلس بدأت أعمالها بلقاء عدد من السلطات المحلية في سرت، ومنها المجلس التسييري والأجهزة الأمنية بالمدينة.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».